صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 2358 | الأربعاء 18 فبراير 2009م الموافق 19 رمضان 1445هـ

بناء المنارتين وترميم المبنى

مسجد الخميس وسياسة العيونيين في البناء

تناولنا في الحلقة السابقة بناء المسجد، وقد بني على هيئته كما وصفناه سابقا، إلا أن المرجح أن المنارتين بنيتا في الأعوام اللاحقة، ولا نعلم فيما إذا بنيتا في وقت واحد أو أوقات مختلفة، وتفصيل ذلك كالتالي.

نص بناء المنارة (الغربية)

عثر في قاعدة المنارة الغربية على نقش يوثق بناء «مناره»، يتكون النقش من أربعة أسطر ونصه كالتالي:

(1) بسم الله الرحمن الرحيم

(2) .... (= عمرت؟) هذه المنارة في أيام الملك العا

(3) دل زين الدنيا والدين القائم في رضا رب العالمين

(4) أبي سنان محمد بن الفضل بن عبدالله

من الواضح هنا أن هذا النص يوثق بناء المنارة الغربية، وقد بنيت بعد مدة من بناء المسجد، والدليل تغيير كنية الأمير العيوني محمد بن الفضل. ففي نص بناء المسجد كانت كنيته (أبو عبدالله) وهنا (أبو سنان) و هي الكنية التي اشتهر بها، ويجب أن تكون هناك مدة من الزمن أدت لتغير الكنيه، كذلك يلاحظ إضافة (زين الدنيا والدين) ولم تكن هذه العبارة موجودة في نقش البناء، كل هذا يرجح أن هذه المنارة بنيت بعد بناء المسجد بعدة سنوات لا يعرف عددها ولكن لازالت ضمن فترة حكم نفس الأمير العيوني الذي بني في عهده المسجد وهو محمد بن الفضل. أما فيما يخص المنارة الأخرى فلا يوجد نقش ينتمي لنفس فترة بناء المسجد، أي حدود منتصف القرن الثاني عشر، يوثق بناء منارة أخرى، ولكن عثر على نقش متأخر ينتمي للقرن الرابع عشر سنناقشه لاحقا.

باقي نصوص القرن الثاني عشر

باقي النصوص التي تنتمي لهذه الفترة ففي غالبها تحمل الشهادتين وأسماء أهل البيت عليهم السلام، فهناك نقش معلق على واجهة الغرفة الغربية كتب عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله»، ووجد نقش آخر يحمل نفس الشهادتين السابقتين في غرفة الحارس، وقد وجدت الكثير من القطع التي كتبت عليها أسماء أهل البيت عليهم السلام، ويعتقد أن هذه القطع كانت في الماضي تشكل جزءا من حائط نقشت عليه الأسماء ولما هدم تبعثرت تلك القطع.

سياسة العيونيين في بناء المساجد

كما سبق وذكرنا وجود انفراج ديني لشعب البحرين في تلك الحقبة، ويبدو لنا من المعطيات أن الدولة العيونية شرعت ببناء المساجد في مناطق مختلفة من البحرين، فبالإضافة لمسجد الخميس هنا ما استطعنا إثبات وجوده أو بنائه في تلك الحقبة.

1 - مسجد جماله:

مسجد جماله أو مسجد الرفيع وهو في البلاد القديم. وقد عثر في هذا المسجد على نقشين قديمين، أحدهما هو نقش الترميم، وسنناقشه لاحقا في فترة ترميم المساجد، أما الآخر فهو نقش في محراب صخري، وقد بقي هذا النقش حتى فترات الترميم وأعيد ليثبت في الجدار الغربي للمسجد، وقد نقشت عليه أسماء المعصومين الأربعة عشر. ويرجح ليدفيك كالوس من نوعية الخط أن النقش يعود لبداية القرن الثاني عشر، أي أنه أسس في نفس فترة تأسيس مسجد الخميس. وعن هذا المسجد تقول منيك كيرفاران أنه في الستينيات من القرن المنصرم كان يوجد ملاصقا لجدار المسجد حوض أو مغتسل محفور في الصخر ومثبت على أعمدة ذات تيجان مزينة.

2 - مسجد سبسب:

مسجد سبسب اليوم كائن في قرية دار كليب وهو مسجد صغير تعتبره الناس بمثابة مزار. ولا يعلم بالتحديد متى بني. وقد جاء في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني أن الأمير العيوني علي بن الحسن بن عبدالله بن علي العيوني قد قتل في «مسجد سبسب في قرية صدد» من جزيرة أوال على يد أخيه الزبير بن الحسن، وكان ذلك في العام 1179م.

في ما يخص اسم صدد فهي قرية أخرى بجوار قرية دار كليب، وربما المنطقة الساحلية بأكملها كانت تعرف باسم صدد ثم صغر حدود الاسم ليقتصر على منطقة صغيرة بعينها. وقد كانت هذه المنطقة بمثابة ميناء في الماضي، وكانت هناك أملاك وبساتين للأمراء العيونيين في قرية كرزكان، وبذلك يكون ميناء صدد قريب بالنسبة لمساكنهم، وكذلك مسجد سبسب الذي اعتاد الأمراء العيونيون الصلاة فيه.

وأخيرا لا بد من جعل مساحة بسيطة لاحتمال أن مسجد سبسب المذكور غير مسجد سبسب الحالي، وأن سبسب في واقع الأمر اسم منطقة نسب لها المسجد.

أما والد الأمير المغدور أي الحسن بن عبدالله بن علي فهو من وحد الدولة العيونية من جديد، وهو الذي ضربت النقود العيونية باسمه والتي كانت تحمل نقش «لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله». إلا أن بعد وفاته تناحر أبناؤه على الحكم وبدأ الضعف يدب فيها.

زوال الدولة العيونية

في منتصف النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي أصبحت الدولة العيونية تعاني ضغطا شديدا وأصبحت ممتلكاتها قاصرة على القطيف وجزيرة أوال ثم بعد ذلك جزيرة أوال فقط في الوقت الذي كان تحت سلطانها أثمن ثروة في الخليج وهي مغاصات اللؤلؤ. هذه الأوضاع كان لابد أن تحرك الزعماء الطموحين للاستفادة منها. وهكذا وفي أقل من المئة عام اللاحقة تعددت القوى السياسية التي سيطرت على جزر البحرين سياسيا.

القوى السياسية التي سيطرت

على جزر البحرين بعد العيونيين

قبل البدء بسرد تلك القوى أود التأكيد على مسألة السيطرة السياسية فقط والاستفادة من الموارد الاقتصادية فيها، أما شئون الشعب فيها وهويتهم الدينية، والحرية الدينية فتلك مسألة أخرى منفصلة تماما عن السيطرة السياسية. وعلى هذا الأساس سنعالج هنا القوى السياسية الخارجية ومن بعد ذلك سنناقش أمور السلطات الداخلية.

1 - السلغريون

في عام 636 هجرية (1238 - 1239م) استطاع أتابك فارس أبوبكر بن سعد بن زنكي السلغري الاستيلاء على جزيرة أوال وقتل آخر الحكام العيونيين محمد بن أبي ماجد، ولا يعلم بالتحديد متى انتهت سيطرة السلغريين على الجزيرة، فهناك من يرجح أن آل عصفور سيطروا على الجزيرة في العام 1256م، وهناك من يرجح استمرارية السيطرة السلغرية وخاصة مع اكتشاف عملة في جزيرة البحرين مصنوعة من النحاس وهي تحمل اسم أبش خاتون بنت الأتابك سعد بن ابي بكر السلغري (1264م - 1286م) وهي آخر حكام السلغريين.

2 - الطيبين والمغول

في العام 1256م أسس أحفاد جنكيزخان مملكة باسم أيلاخاني، وكان ملوكهم على ديانتهم الوثنية حتى عام 1282م حين أسلم أول ملوكهم السلطان أحمد. وفي العام 1293م أعطى الملك المغولي الأيلخان كيخاتو (1291م - 1295م) جزيرة قيس إلى تاجر عراقي اسمه جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي ولقب لاحقا بملك الإسلام. وقد أسند لجمال الدين حق إدارة موانئ وجزر الخليج بما في ذلك جزر البحرين. وهناك خلاف على نهاية سيطرة الطيبيين على جزيرة أوال، فيرى الدكتور عبداللطيف الحميدان أنها انتهت بسيطرة الهرمزيين على الجزيرة العام 1330م، أما الباحث علي أكبر بوشهري فيرى أن حكمهم استمر حتى العام 1311م عندما أنهى السلطان المغولي محمد الجاتيو الاتفاق معهم. وبعدها حكم السلطان محمد جزر البحرين حكما مباشرا ابتداء من 1311م وحتى وفاته في العام 1316م، ويدعم بوشهري رأيه بوجود عملة ضربت في البحرين باسم السلطان محمد.

3 - الهرمزيون

يعطي لدفيك كالوس دلائل على أن جزر البحرين كانت اسميا تتبع القيادة الفارسية قبل العام 1330م، وهو يرجح هذا الرأي كما يرجحه غيره. أما ما يخص السيطرة الهرمزية على جزر البحرين فالمرجح أنه تم العام 1330م، فقد استطاع أمير هرمز قطب الدين تهمتن الاستيلاء على جزيرة قيس وهي القاعدة الرئيسية لنفوذ الطيبيين السياسي و الاقتصادي في الخليج العربي، كما استولى تهمتن فيما بعد على جزر البحرين. وقد استمرت السيطرة الهرمزية على الجزر حتى مجيء البرتغاليين، وأصبح الهرمزيون يديرون الجزر تحت الحكم البرتغالي.

تسيير الأمور الداخلية لجزر البحرين

رأينا فيما سبق القوى السياسية التي تتحكم في جزر البحرين في تلك الحقبة، أما القيادة الداخلية للجزر وتسيير أمور الشعب الداخلية فلم تسند لتلك القوى الخارجية. في الحلقة القادمة سنستعرض أسماء القيادات المحلية التي سيرت أمور الشعب ربما لصالح القوى الخارجية، كذلك نستعرض الهوية المذهبية لهذه القيادات، والأهم من ذلك كيف تكونت هذه القيادات المحلية؟ كل ذلك في الحلقة القادمة


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/38302.html