صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 2358 | الأربعاء 18 فبراير 2009م الموافق 19 رمضان 1445هـ

حفني: المرأة الحجازية طريق التغيير في السعودية

قالت الروائية السعودية زينب أحمد حفني:« لا تندهشوا إذا قلت لكم اليوم بنبرة واثقة أن تغيير أوضاع المرأة داخل السعودية لن يتم إلا عن طريق المرأة الحجازية، ولا تظنوا أني أقول قولي هذا من منطلق نظرة متعصبة ضيقة، فوالله ما كرهت شيئا في حياتي قدر كرهي للعنصرية بأنواعها كافة!! ولكني أرتكز بقوة في حديثي على إرث الأجداد الفكري، وعلى ما أفرزته البيئة الخصبة التي ترعرعت فيها المرأة الحجازية»

جاء ذلك في محاضرة لحفني بعنوان «المرأة الحجازية بين الأمس واليوم» في نادي الخريجين نظمتها جمعية المنتدى بالتعاون مع اللجنة الثقافية للنادي. وأشارت حفني إلى دور المرأة الحجازية على المستوى الاقتصادي والثقافي في السعودية، مؤكدة دور موسم الحج الذي أتاح الفرصة أمام الأسر الحجازية لتكون أكثر تسامحا في تعاملها مع الآخرين بكل اختلافاتهم الفكرية والمذهبية ومن هنا ساهمت المرأة الحجازية في تصدير هذه الثقافة إلى المناطق الأخرى بالسعودية.

وتابعت حفني «كما أن السبل كانت مفتوحة أمام المرأة المكية لتتاجر أسوة بالرجل بل وكانت ترث أعماله أبا عن جد مثل الطوافة وغيرها (...) وكان للمرأة دور رئيسي غير معلن في إنعاش الحركة الاقتصادية التي كانت شبه معدمة قبل اكتشاف النفط وقبل نشوء مؤسسات الدولة السعودية».

واستعرضت أسماء مجموعة من الأديبات السعوديات الرائدات في تلك الفترة مثل سميرة خاشقجي صاحبة رواية «بريق عينيك» وهي صاحبة أول رواية سعودية والشاعرة ثريا قابل مشيرة إلى أن هذين الاسمين إنموذجين من نماذج كثيرة في منطقة الحجاز تُؤكد على أن المرأة هناك كانت دوما السبّاقة بحكم بيئتها المنفتحة التي نشأت فيها.

وتساءلت حفني هل النفط كان نعمة أم نقمة على المرأة السعودية؟! بلا شك أن أموال النفط التي ساهمت في تنمية البلاد في الداخل كان طابعها مكاني حيثُ أُنتزع البعد الإنساني منها، وأصبح الإنسان يشعر أنه بلا إنسانية. فالشوارع الفسيحة والمعبّدة، وأعمدة الإنارة، خلت من الدفء والحميميّة، لا يسمع المرء فيها سوى صرير السيارات التي تُوحي بالوحشة والغربة بحسب. ثريا التركي.

إضافة إلى أن الزواج الذي كان يقوم على الرفد في الماضي، أصبح مع وجود النفط يقوم على التمايز الاجتماعي، بمعنى طغت قيم ورموز المكانة الاجتماعية العالية على قيم التضامن والتعاون، وحلّت الثروة محل قرابة الدم، وهو ما يعني أن مؤسسات الدولة أصبحت تتدخل في نمط حياة الأفراد، وفرضت نهجا جديدا في المجتمع. ونظرا للعلاقة السياسية (التحالف) بين علماء المشايخ الذين يمثلون الفقه الحنبلي وبين النخبة السياسية الحاكمة، وجد الخطاب السلفي الساحة أمامه متاحة لانتقاد المجتمع السعودي خاصة عقب الطفرة وما تلاها من ممارسات استهلاكية أدّت إلى التدخّل جملة وتفصيلا في أسلوب حياة الناس، وزادت رقعة نفوذهم وتأثيرهم من خلال المعاهد العلمية التي أسسوها في كل مناطق السعودية

واضافة حفني «للأسف لقد ساهمت الثقافة الدينية الوهابية في إعاقة تقدّم المرأة، وقلّص أدوارها، وتزايد الطلب وبإلحاح على وجوب الفصل بين الجنسين بعد حادثة الحرم المكّي الشهيرة عام 1979 والتي كانت من تبعاتها السلبية تصاعد التطرف الديني، وهيمنة الخطاب الديني المتشدد على أوجه الحياة داخل السعودية، وعلى الأخص في كل ما يتصل بحياة المرأة من الألف إلى الياء معتمدا فقط على فقه الأسرة الوهابي كمرجع تشريعي دون غيره من المذاهب! كما ساهمت البرامج الدينية الإذاعية والتليفزيونية المكثفة، والفتاوى التي تقوم على الترهيب والحلال والحرام على إقصاء المرأة عن الحياة العامة! بل ورفض فكرة تولي المرأة أي منصب قيادي من منطلق الترويج للحديث الشريف «لعن الله قوما ولوا أمرهم امرأة». والترويج لأحاديث أخرى مشكوك في صحتها تحطُّ من كرامة المرأة، وتُشكك في قدراتها الفكرية، وأنها مخلوق سيؤدي إلى إشاعة الفساد في المجتمع إن تُركت بلا رقابة حتّى تبقى دوما تحت وصاية الرجل!»

وأرجعت حفني ضياع الهوية الحجازية إلى تخلّي المثقفين الحجازيين أنفسهم عن تراثهم، هذا إذا ما استثنينا قلة من المفكرين الذين سخّروا أموالهم وجهودهم في إحياء التراث الحجازي. ويُعتبر الشيخ أحمد زكي يماني على قمة هرم هؤلاء حيث أنشأ «موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة»وهي تُعنى بتوثيق التراث العلمي والحضاري لهاتين المدينتين، وقد هيّأ لها مئات الباحثين من جميع الأقطار العربية والإسلامية على مدى خمسة عشر عاما.

وأشارت حفني إلى جهد الباحثة «لمياء باعشن» في كتابها «التبات والنبات»، إلى جمع الحكايات الشعبية الحجازية وتوثيقها مع سيدات حجازيات ممن عاصرن رواشين وأزقة مكة القديمة، وقد استغرق إعداد هذا الكتاب عشر سنوات باجتهاد خاص منها لحماية التراث الحجازي من الضياع ولكي يكون مرجعا للأجيال الحجازية الجديدة من الشباب من الجنسين. مستنكرة إعطاء الحجازيين ظهورهم لتراثهم الحجازي، والانجراف مع موجة الانفتاح الاقتصادي والعمراني والاجتماعي على حساب هويتهم الثقافية التي ذابت مع مرور الوقت، رغم اعترافها أن هناك حنينا إلى هذا التراث داخل كل فرد حجازي. وهي بهذه الخطوة الجادة تؤكد مرة أخرى على ريادة المرأة في إحياء التراث الفكري في منطقة الحجاز.

وتساءلت في ختام محاضرتها «هل هذا يعني بأن المرأة الحجازية حاليّا بخير؟! سؤال جعلني أتوقّف طويلا أمامه!!» في ظل تأثير رياح التطرف المؤثر على فكر المرأة والذي قد تمَّ تجاوزه إلى التحكّم في هيئتها الخارجية، معللة ذلك بانتشار الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي.

وأصرت حفني بأن «هذا الوضع لن يستمر طويلا، لأن المرأة الحجازية المثقفة والمتسلحة بإرثها الحضاري الذي تركه لها الأجداد سيعيد لمجتمعاتنا صوابها. وشعاع نور هنا، وبريق ضوء هناك، يدفعني لأن أكون شديدة التفاؤل».

وختمت محاضرتها قائلة. «لقد تعبت من أجل النبش عن تاريخ المرأة الحجازية، وأعيبُ على جامعاتنا السعودية أنها لم تلتفت لإحياء التراث الحجازي، فالمجتمعات الواعية المتحضرة تقوم على ثقافة الاختلاف، وعلى التنوّع الفكري، وسط مناخ من التسامح، وليس في حديثي هذا دعوة مبطنة للتفكك، أو تحريض على العصبية، بل هو نداء خالص النية من أجل إقامة مجتمع مستنير يعتزُّ بروافد تاريخه»


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/38307.html