صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 1013 | الثلثاء 14 يونيو 2005م الموافق 18 رمضان 1445هـ

"الجنرال" طانيوس شاهين

الكاتب: وليد نويهض - walid.noueihed@alwasatnews.com

ربح ميشال عون معركته ضد المسيحيين في انتخابات "أم المعارك" في الجزء الشمالي من جبل لبنان وفشل في اختراق ذاك الجدار السياسي المتنوع الذي تشكل في وجه تلك الموجات العاتية في الجزء الجنوبي من جبل لبنان.

ربح عون معركته ضد الموارنة وخسر لبنان ذاك "الحلم الجميل" الذي راود مخيلة بعض المراهقين السياسيين في يوم 14 مارس/ آذار الماضي. فما حصل في ذاك اليوم لن يتكرر ولن تعود تلك السحابة إلى ربيع لبنان. فالكثير من المراهقين راهنوا على ذاك اليوم، وكذلك راهن عليه الكثير من غير العارفين بتاريخ لبنان الطائفي وآليات إنتاج الطبقة السياسية فيه. فما حصل في انتخابات "أم المعارك" ليس جديدا وإنما هو في أساسه ضد الجديد. فالقديم أقوى من الجديد. ولأنه أقوى نجح في ثلاثة أسابيع في إنزال هزيمة بذاك الحلم الذي راود بعض المراهقين السياسيين.

عون أكثر معرفة بذاك التاريخ ولذلك نجح في التقاط تلك اللحظات الجميلة وتجميعها في وعاء طائفي مستقل عن أوعية الطوائف الأخرى. وبسبب معرفته بتاريخ البلد وحاضره أكثر من تجمع "قرنة شهوان" لعب لعبته الكبرى مستحضرا الماضي في قراءة الحاضر. ومن تلك القراءة التاريخية قرر خوض معركته الانتخابية في كسروان "الفتوح" وجبيل تاركا منطقته "حارة حريك" في دائرة بعبدا "المتن الجنوبي" لذاك التحالف المتنوع من القوى السياسية.

كسروان مهمة في ذاكرة الموارنة وتدل على أمرين: الأول هي منطقة مارونية صافية تتنافس على قيادتها زعامات وأسر تقليدية. والثاني هي منطقة يتركز فيها القرار الماروني في تأثيراته العامة على السياسة اللبنانية.

وبسبب ذاك البعد التاريخي - الجغرافي للمارونية السياسية في كسروان نجح عون في استحضار تلك الشخصية التي لاتزال مدار نقاش بين المؤرخين اللبنانيين: طانيوس شاهين.

طانيوس شاهين تزعم في القرن التاسع عشر ثورة الفلاحين في كسروان ضد الإقطاع والأسر المارونية. وخلال فترة سنتين "1858 - 1859" قاد سلسلة عاميات "كومونات" شعبية تتوجت بعامية انطلياس نجح خلالها في تكريس زعامته المارونية وكسر بذلك كل السلطات "الأسر" المحلية التقليدية.

طانيوس شاهين هذا اختلف المؤرخون على تقييم شخصيته وموقعه ودوره التاريخي/ الاجتماعي. الأدبيات اليسارية - الماركسية الساذجة لجأت إلى تبسيط حوادث كسروان ووجدت فيها خطوة تقدمية ضد تحكم الكنيسة المتحالفة مع الإقطاعات المارونية. بينما قرأت أدبيات أخرى تلك الظاهرة قراءة اجتماعية جدلية مركبة من سلبيات وإيجابيات، فوجدت فيها حركة مضادة للقوى المتحكمة بالقرار السياسي الماروني وكذلك رأت فيها حركة انقلابية على التقاليد الموروثة أسهمت في توليد ديناميات سياسية أنتجت استقطابات أهلية "طائفية" أثارت لاحقا عصبيات مضادة وانقسامات تتوجت بحرب الدروز والموارنة في جبل لبنان. فتلك الحرب التي اندلعت في العام 1860 دمرت "لبنان الصغير" وانتهت في 1864 بمجازر مرعبة تدخلت بموجبها الدول السبع الكبرى في القرن التاسع عشر.

حركة عون الشعبوية تحاكي عامية شاهين في الكثير من الأوجه، فهي في اندفاعها لتوحيد القرار المسيحي تتضمن عناصر سياسية تفجيرية "تقسيمية" يحتمل أن تطيح بمنظومة العلاقات اللبنانية بين الطوائف.

هناك من قرأ ما حصل الأحد الماضي بأنه مجرد انقلاب مسيحي على المسيحيين وبالتالي يقتصر مفعوله على حدود كسروان وجبيل والمتن الشمالي. وهناك من قرأ الانقلاب من زاوية تاريخية تربط التحولات في دائرة صغيرة باحتمالات سلبية في دوائر أخرى في حال أراد الجنرال ميشال عون "طانيوس شاهين" نقل حركته من كسروان إلى مناطق جبل لبنان الجنوبي أو البقاع أو الشمال أو الجنوب.

المشكلة في المشهد أن التاريخ يكرر نفسه. فطانيوس نجح في انقلابه ضد الموارنة وفشل في انقلابه ضد الدروز، فاصطدمت عاميته بجدار طائفي أحبط مشروعه "العامية". وميشال أيضا نجح الأحد الماضي في اجتياح مناطق الموارنة وفشلت أمواجه في اختراق جدار الدروز... إذ تراجعت حركته وارتدت عليه حين حاول تجاوز حدود طائفته.

التاريخ يكرر نفسه. وما حصل الأحد الماضي هو الفصل الأول من المشهد، وكل الأمل الآن معقود على ألا يفتتح المسرح على الفصل الثاني


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/468883.html