صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 2981 | الأربعاء 03 نوفمبر 2010م الموافق 19 رمضان 1445هـ

البحرين «النسطورية» وثقافة المعارضة

عرفت الحقبة التي سادت فيها الديانة المسيحية في جزر البحرين بالحقبة النسطورية، حيث رجح أن المسيحية التي سادت كانت نسطورية وسنوضح ذلك بالتفصيل لاحقاً. وهذه الحقبة لا يعرف بدايتها بالتحديد ولا يعرف أيضاً متى انتهت ولكن المؤكد أنها بدأت في نهاية القرن الرابع الميلادي واستمرت ربما حتى القرن الثامن الميلادي, وهناك من يرجح استمرار تواجد النسطورية في البحرين كديانة ثانوية أو أقليات بعد القرن الثامن الميلادي.


عبدالقيس النسطورية المعارضة

المتتبع لتاريخ الحقبة النسطورية في البحرين ربما يقع في إشكالية عدم ترابط الأحداث في المراجع المختلفة, ويمكننا أن نصنف نوعين من المراجع: الأول عبارة عن مراجع اعتمدت أساساً على المراجع التي وثقت تاريخ كنيسة الشرق, أما الصنف الآخر فهي المراجع التي اعتمدت على كتب الأخباريين العرب التي وثقت تاريخ القبائل العربية. وهناك حلقة مفقودة بين كلا الصنفين من المراجع, فالمراجع التي اعتمدت على المراجع السريالية الخاصة بكنيسة الشرق التي تعتبر كنيسة البحرين جزءاً منها أو تابعة لها يلاحظ التركيز على الكنائس والطائفة المسيحية في البحرين لكن دون تحديد هوية معينة لهذه الطائفة, وتتحدث هذه المراجع عن وجود تمرد في جزر البحرين (وامتد لشرق الجزيرة العربية) ضد التنظيم الكنسي لكنيسة الشرق، حيث تطالب كنيسة البحرين بالاستقلال عن الكرسي الكنسي التابعة له وتكوين تنظيم إقليمي يضم جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية.

بينما عندما نتتبع تاريخ البحرين عن طريق كتب الأخباريين التي وثقت أخبار القبائل العربية في منطقة البحرين نلاحظ عدم وجود ذكر لتنظيمات دينية وطوائف نسطورية إلا أنه من خلال تلك الكتب يمكن ملاحظة أن الحقبة الساسانية أو النسطورية في البحرين قد تميزت بظهور قيادات في قبيلة عبدالقيس التي سيطرت على البحرين وشرق الجزيرة العربية وأن هناك تاريخاً حافلاً من تمرد قبيلة عبدالقيس للانصياع للقيادات السياسية في الحيرة التي تتبع القيادة الساسانية. فإذا علمنا أن الطائفة المسيحية في البحرين في تلك الحقبة هي ذاتها أفراد قبيلة عبدالقيس ومن انضوى تحتها حيث يذكر ابن حزم أن عبدالقيس بأسرها اعتنقت هذه الديانة (مبارك 1995, ص45), فبذلك نستطيع أن نجد الرابط بين تلك المراجع ونستطيع أن نميز وجود معارضة دينية وسياسية وكلها تطالب باستقلال البحرين القديمة عن القوى الخارجية سواء كانت دينية أو سياسية.

تنظيم المعارضة الدينية - السياسية

من خلال الأحداث التي سنتتبعها بالتفصيل لاحقاً موزعة على عدد من الفصول يمكننا تتبع وجود التمرد الديني والسياسي بقيادة قبيلة عبد القيس, ويمكننا أن نحدد أن قيادات التمرد الديني كانت متركزة في جزر البحرين بينما قيادات التمرد السياسي توجد في شرق الجزيرة العربية ولا نعلم إذا كان التمرد الديني مقصوداً أي أنه نتاج لتنظيم موحد بين القيادات السياسية والدينية أو أنها مجرد أحداث عابرة ومناوشات منفصلة. في هذا الفصل سنعطي ملخصاً لتلك الصراعات السياسية والدينية مرتبة زمنياً وسنتناول كل حدث مفصلاً بصورة مستقلة في فصول لاحقة, ومن خلال هذا الملخص ستبرز الصورة الكبيرة لأهم ما ميز الحقبة النسطورية في البحرين وهي المعارضة الدينية - السياسية.


المعارضة الدينية

عرفت الكنائس الواقعة ضمن حدود الامبراطورية الساسانية باسم الكنيسة السريالية أو كنيسة الشرق ولم يكن هناك تنظيم للطائفة المسيحية لهذه الكنيسة قبل العام 410م حيث تم في هذا التاريخ الدعوة بعقد مجمع كنيسة ساريق (المدائن) ترأسه مار إسحاق, وفي هذا المجمع تم تحديد تنظيم بحيث يرأس الكنيسة السريالية أو كنيسة الشرق الجاثليق catholicos الملقب بجاثليق جميع النصارى في الشرق، ويقصد بالمشرق هنا الامبراطورية الساسانية والتي قسمت إلى مناطق كنسية واسعة تتوافق مع أقسام الامبراطورية الأرضية الرئيسية وكل منطقة كنسية تقسم إلى وحدات أسقفية صغرى تعكس تقسيمات الدولة الإدارية والقضائية ذات المستوى الأدنى, ويرأس كل منطقة كنسية مطران تابع للجاثليق, وكان مطارنة الحواضر أو رؤساء المناطق الكنسية يعقدون اجتماعين سنوياً يتحتم على جميع أساقفة منطقتهم حضورها (بوتس 2003, ج2 ص1016). ويبدو من المعطيات التي سنذكرها أن زعماء الكنائس في البحرين رفضوا هذا التنظيم، حيث إنه لا يذكر اسم كنائس البحرين إلا وارتبط بتمرد أو معارضة, وقد علق دانيال بوتس على مسيرة تمردات البحرين الدينية بقوله:

«يبدو أن مشماهيج كانت دوماً مركز هرطقة وثورة» (بوتس 2003, ج2 ص885).

ومشماهيج هو الاسم القديم لجزيرة المحرق الحالية من جزر البحرين, وقد انضم لمشماهيج عدد من الكنائس في شرق الجزيرة العربية وقد عرف التنظيم الكنسي في البحرين وشرق الجزيرة العربية باسم بيث قطراي أو قطرايا، وكان يرأس من قبل كنيسة ريو أردشير في إيران وقد تمرد بيث قطراي ورفض الانقياد لسطة ريو أردشير وكذلك الجاثليق. ويمكننا إجمال مظاهر تمرد بيث قطراي بقيادة مشماهيج في النقاط التالية:


العام 410م

في مجمع مار إسحاق السابق الذكر الذي عقد في العام 410م عارض مطران كنيسة مشماهيج ما جاء فيه حول إعادة تقسيم كنيسة الشرق وقد تم طرده وتنصيب شخص آخر محله (Bin seray 1996).


الفترة 410م – 528م

لا يوجد ذكر لأي من كنائس بيث قطراي في مجامع كنيسة الشرق, وقد رجح البعض ذلك أن البحرين كانت تتبع دولة كندة سياسياً (بوتس 2003, ج2 ص1021).


العام 528م

ظهر اسم البحرين وذلك من ضمن المناطق المعارضة للجاثليق وتم تغير مطارنة الحواضر فيها (بوتس 2003, ج2 ص1025).

فترة صلح 528م – 581م

هذه هي الفترة الوحيدة التي ظهر فيها نوع من التصالح بين مطرانية بيث قطراي وجاثليق كنيسة الشرق (Beaucamp et Robin 1983).


العام 585م

في العام 585م لم يحضر أي أسقف من بيث قطراي ولم يمثلهم أحد في المجمع الكنسي لكنيسة الشرق الذي عقده الجاثليق أيشوعيهاب الأول, وكان المرجح أن سبب غيابهم يعود إلى رفضهم الاستجابة إلى نداء الجاثليق، أو بمعنى آخر رفض الاعتراف بسلطة الجاثليق البطريريكية (Beaucamp et Robin 1983).


محاولات الصلح 647م – 676م

في العام 647م تسلم قيادة كنيسة الشرق في الجاثليق النشيط أيشوعيهاب الثالث (647 – 658 م) والذي حاول توحيد الطائفة النسطورية لكنيسة الشرق إلا أنه لاقى معارضة قوية من بيث قطراي وقد ظهر في هذه الحقبة اسم لأسقف مشماهيج المتمرد الذي يدعى إبراهيم والذي أطلق عليه أيشوعيهاب الثالث لقب «أمير الشر الذي يحكم في مشماهيج» على الرغم من أن إبراهيم هذا كان يقال عنه إنه أفضل من يستحق المديح والسمو بين مطارنة بيث قطراي (بوتس 2003, ج2 ص 1039 – 1041 وحاشية 1041).


الاستقلال الديني العام 676م

لم يتصالح بيث قطراي مع الكنيسة النسطورية حتى شهر مايو/ أيار من العام 676م عندما جاء الجاثيليق جورج الأول خليفة أيشوعيهاب الثالث وذهب إلى بيث قطراي وتم الاتفاق على أن يكون مستقلاً عن كرسي ريو أردشير وأن يكون هناك كرسي إقليمي في شرق الجزيرة العربية والذي يعتقد كل من بيوكمب وروبن أنه أصبح في مشماهيج (Beaucamp et Robin 1983).


التمرد السياسي

موازياً للتمرد الديني ضد الجاثليق قادت قبيلة عبدالقيس سلسلة من التمردات السياسية ضد القيادة السياسية في الحيرة التي كان يفترض أن تكون تابعة لها, ولا نعلم بالتحديد متى بدأ هذا التمرد إلا أنه يمكن استنتاج وجود ذلك التمرد من خلال سلسلة من الحروب مع المناذرة، حيث ورد في كتب الأخبار أن بعض بطون عبدالقيس تمردت على سلطان الحيرة، وبالذات على النعمان بن المنذر (المعيني 2002, ص159).


عهد عمرو بن المنذر (554م – 569م)

قام عمرو بن هند بغزو البحرين وبالخصوص قبيلة عبدالقيس, وقدم شعراء عبد القيس هذه الحادثة (مبارك 1995, ص 31 - 32).

فترة حكم قابوس بن المنذر (569 م - 573 )

تولى قابوس بن المنذر (قابوس بن هند) الحكم بعد أخيه, ويبدو أنه قد سار على نهج أخيه عمرو وأنه قد قام بعدة غزوات على قبيلة عبدالقيس وغيرها في البحرين (المعيني 2002, ص155).

فترة حكم النعمان الثالث (580م – 602م)

استمر النعمان بن المنذر على السياسة القديمة المتبعة من التهديد بالغزو وعرض القوى وقيل أيضاً إن النعمان قام بغارات على بطني شن ولكيز من عبدالقيس في البحرين وقام بأسر أعداد من عبدالقيس (المعيني 2002, ص155).


تنحية عبدالقيس عن الزعامة السياسية

بعد وفاة النعمان الثالث وإثر حدوث خلاف بين الفرس والنعمان تم تولية إياس بن قبيصة (602م – 611م) كوالي عربي على الحيرة وعين الفرس أيضاً مندوباً فارسياً يسميه الطبري النخيرجان قام إلى جانب إياس بن قبيصة المعين مجدداً, ومنذ هذه الحقبة أخذ مندوب فارسي أيضاً يجلس إلى جانب قرينه العربي في جزيرة العرب الشرقية (بوتس 2003, ج2 ص1031).

وفي ما يخص زعماء عبدالقيس التي كانت تحكم البحرين من أمثال المعلى بن حنش والجارود بن المعلى, والتي ثبت أنها عملت لصالح ملوك الحيرة كما سنرى لاحقاً, فقد تم تنحيتهم عن القيادة السياسية والتي تسلمتها قيادات معينة من قبل فارس منها المنذر بن ساوى التميمي. ويبدو أنه منذ هذه الحقبة أصبحت قبيلة عبدالقيس مهمشة سياسياً على الرغم من أنها كانت تكون الأغلبية.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/496429.html