صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3004 | الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 19 رمضان 1445هـ

من له مصلحة في تأجيج الصراع بين الكوريتين؟ (2 - 2)

الكاتب: أحمد سلمان النصوح - comments@alwasatnews.com

يسود التوتر على ضفة الحدود بين الكوريتين، فمن له مصلحة في تأجيج هذا الصراع؟، وهل جمهورية كوريا الشمالية قادرة على خوض حرب ضد جارتها كما تهدد هي حالياً؟، وهل ستقوم الولايات المتحدة والتي تحتفظ بنحو 30 ألف جندي في الجمهورية الكورية الجنوبية، و30 ألف جندي مثلهم في جمهورية الصين الوطنية (تايون) ومثلهم في جزيرة أوكيناوا اليابانية بعمل مضاد أم ماذا؟

في هذه المنطقة توجد الإمبراطورية اليابانية وهي ثاني أغنى الدول في العالم، حيث يأتي ترتيبها من الناحية الاقتصادية بعد الولايات المتحدة الأميركية بدخل قومي يفوق 7 تريليونات دولار، وصناعات متقدمة في كل مجالات الحياة المدنية والعسكرية والطبية وغيرها، لكنها ممنوعة حالياً من الولوج للصناعات العسكرية غير الدفاعية بحكم الدستور الذي صاغته وطبقته عليها الولايات المتحدة الأميركية لها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية العام 1945.

هذه الإمبراطورية الديمقراطية العظيمة تقع في أقصى شرق قارة آسيا وهي أول من تطلع عليها الشمس من شعوب العالم قاطبة لذلك سميت ببلاد الشمس، لذلك هي أيضاً اتخذت لها علماً وهو عبارة عن مستطيل أبيض به دائرة حمراء ترمز إلى الشمس، وعدد سكان هذه الإمبراطورية نحو 130 مليوناً ومساحتها نحو 320 ألف كيلومتر مربع، وهي عبارة عن جزر متباعدة عن بعضها البعض وتم وصلها ببعض عبر أنفاق تحت البحر أو جسور قام مهندسوها بعملها اتكالاً على الصناعات اليابانية المتقدمة، اليوم إمبراطور اليابان هو هيرو هيتو الابن ورئيس وزرائها هو ناريتو كان، وهناك قاعدة للولايات المتحدة يتمركز فيها نحو 30 ألف جندي أميركي بكامل عتادهم في جزيرة «أوكيناوا» منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945 وهزيمة اليابان أمام جيوش الولايات المتحدة الأميركية.

نحن نعتقد بأن هناك مصلحة لكوريا الجنوبية وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الإمبراطورية اليابانية في تأجيج الوضع بحيث تستطيع الولايات المتحدة الأميركية تبرير مواصلة تواجدها العسكري المكثف في تلك المنطقة الآسيوية وخصوصاً في جمهورية كوريا الجنوبية بحجة حمايتها من جارتها الشيوعية ممثلة في جمهورية كوريا الشمالية، كذلك اليابان وبالتحديد الحكومة اليابانية سوف تستفيد من هذا الوضع وتمرر تمديد تواجد الأميركان في قاعدتهم في جزيرة أوكيناوا بالحجة السابقة نفسها، وكذلك يتم بالتبعية تبرير التواجد العسكري الأميركي في أراضي جزيرة جمهورية الصين الوطنية أو ما يعرف في العالم «تايوان»، لكن في بداية المقال سألنا هل باستطاعة جمهورية كوريا الشمالية حالياً وهي تعاني من الحصار الاقتصادي الشامل وقلة الموارد وتفشي الجوع بين أفراد شعبها القيام بأية حرب في المنطقة؟

نحن نعتقد بأن جمهورية كوريا الشمالية لا تستطيع أن تشن حرباً شاملة حالياً على جارتها؛ لأن كل المعطيات تقول بأنها دولة ضعيفة ولو حصلت هذه الحرب فهذا يعد انتحاراً للزعامة الحالية في كوريا الشمالية، بحيث تقوم الولايات المتحدة الأميركية بسحق جيوش كوريا الشمالية وتوحيد شبه الجزيرة الكورية في دولة واحدة تحت قيادة النظام الديمقراطي القائم حالياً في كوريا الجنوبية، وهنا سوف يشتد الحصار الأميركي والغربي على جمهورية الصين الشعبية التي سوف تجد نفسها محاصرة بقواعد عسكرية وجيوش ودول حليفة للولايات المتحدة الأميركية في كلٍّ من (كوريا الجنوبية، الإمبراطورية اليابانية، جمهورية الصين الوطنية وغيرها.

لكن لنسأل: لماذا إذاً تقوم الولايات المتحدة بكل هذه الخطوات لمحاصرة جمهورية الصين الشعبية؟

لأن كل الدلالات والدراسات الغربية والشرقية والحكومية والخاصة تقول بأن الولايات المتحدة لن تستطيع المحافظة على زعامة العالم منفردة بعد سقوط غريمها السابق الاتحاد السوفياتي في العام 1990 إلى أبعد من العام 2020، وهذا تاريخ قريب، حيث لم يتبق عليه سوى 10 سنوات، لذلك تحاول الولايات المتحدة الأميركية جاهدة تأخير هذا التاريخ وهي ترى في جمهورية الصين الشعبية، غريماً محتملاً وقوياً في المستقبل المنظور، فجمهورية الصين الشعبية لديها اليوم صناعات عملاقة في كل المجالات وغزت الفضاء ولديها القدرة على تعقب الأقمار الاصطناعية المعادية وإسقاطها وغير ذلك من العلوم، وصناعاتها جيدة ورخيصة الثمن وفي متناول جميع أفراد البشر في جميع أسواق العالم وهي ليست مثل الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان مكوناً من 16 دولة متحدة بالقوة ولغتها ودينها مختلفين، أما جمهورية الصين الشعبية فهي دولة مركزية قوية ويحكمها الحزب الشيوعي منذ الانتصار العام 1949 وهي دولة متحدة الدين واللغة وهي تحمي مصالحها في الداخل والخارج وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وتتمتع بحق النقض (الفيتو) أسوة ببقية أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وبريطانيا وروسيا.

الصين الشعبية اليوم تلعب دوراً محورياً في منطقة آسيا وفي العالم فهي تستثمر مليارات الدولارات في الصناعات الثقيلة في أميركا اللاتينية وفي قارة إفريقيا وجميع دول ومناطق العالم، وجمهورية الصين الشعبية بقيادة الثنائي «زيانج زمين وهوجنتاو» لم تسمح للولايات المتحدة الأميركية في العام 1989 بتمرير المظاهرات المناهضة للحزب الشيوعي الحاكم في الصين الشعبية منذ العام 1949 أن تمر بسلام في منطقة «تيان امين» بحجة الدمقرطة، حيث قام جيشها بسحق تلك المظاهرات واعتقال المنظمين، وهي أيضاً وحسب ما نعتقده ويعتقده بعض مراقبي الشأن الصيني أو الهندو آسيوي لن تسمح للولايات المتحدة أن تفرض سيطرتها على تلك المنطقة أو القيام بأعمال ربما تغير من ميزان القوى القائم حالياً في تلك المنطقة المسماة جنوب شرق آسيا أو ميله ولو بصورة مبسطة لصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، لذلك لم ولن تستطيع الولايات المتحدة ولا حلفاؤها تمرير أي قرار في مجلس الأمن الدولي بدون موافقة جمهورية الصين الشعبية عليه وهذا اتضح جلياً في محاولات الولايات المتحدة برئاسة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون وحلفائها في تمرير قرار العقوبات الصارمة في مجلس الأمن ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمعاقبتها على عدم وقف التخصيب في برنامجها النووي المثير للجدل وكذلك رفضت الصين الشعبية إدانة جمهورية كوريا الشمالية وتحميلها المسئولية في غرق البارجة العسكرية التابعة إلى جمهورية كوريا الجنوبية مثل ما ترغب وتصر عليه كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وهذا ما حصل مؤخراً في مؤتمر الدفاع الذي انعقد في جمهورية سنغافورة وحضره 29 من وزراء دفاع الدول الأميركية والآسيوية.

كل هذا يوضح لماذا كل هذه الضجة حول غرق تلك البارجة الكورية الجنوبية، لأن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها يحاولون وقف أو تأخير بروز غريم قوي لهم وعملاق بحجم جمهورية الصين الشعبية يقارعهم الهيمنة والسيطرة على العالم.

لكن وبعيداً عن اللعبة السياسية القذرة لأن السياسة كما عرّفها علماء السياسة في النهاية هي فن الممكن، ومن الناحية الإنسانية والقانونية البحتة البعيدة كل البعد عن التمصلح يجب معاقبة كل من تسبب في مقتل وهلاك هؤلاء الجنود وتعويض أهاليهم وأسرهم تعويضاً جابراً للضرر.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/512309.html