صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3004 | الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 19 رمضان 1445هـ

السلع بين الدعم والرفع

الكاتب: عبيدلي العبيدلي - Ubaydli.Alubaydli@alwasatnews.com

مع اقتراب انعقاد أول جلسات مجلس 2010، بدأت تطفو على سطح الشارع السياسي البحريني بعض القضايا التي يتزاوج فيها السياسي/ الاجتماعي العام، باليومي/ المطلبي الخاص. ومن أبرز هذه القضايا اليوم، هي موضوع السلع الحياتية، بين ضرورة دعمها، وتوقعات رفع ذلك الدعم.

وقبل الدخول في قضايا الشارع البحريني، ينبغي الإشارة إلى أن هناك أشكالاً متعددة لدعم السلع. فهناك السياسات المطبقة في البلدان الصناعية، غير الاستهلاكية، حيث تتدخل الدولة، في سعيها لحماية سلعة معينة تنتج محلياً ضد منافساتها من تلك المستوردة، فتلجأ الدولة حينها لحماية الصناعة المحلية من خلال رفع الضرائب الجمركية على المنافسات الأجنبيات، أو تخفيض ضرائب الاستيراد على المواد الأولية التي تحتاجها تلك السلعة المصنعة محلياً. كما تلجأ بعض الحكومات إلى ضخ كميات كبيرة من الأموال في صناعة معينة، من أجل مدها بالسيولة النقدية التي تحتاجها كي تتمكن من تجاوز شُحّ موارد سيولتها النقدية بفضل كساد طارئ غير متوقع في أسواقها. وقد شاهدنا مثل هذه الحالة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ضد الولايات المتحدة، عندما لجأت الحكومة الأميركية في أعقاب تلك الهجمات، إلى التدخل بشكل صريح وعلني ومباشر لدعم الصناعات السياحية، وفي المقدمة منها صناعة الطيران، مخالفة بذلك ما كانت تبشر له اتفاقيات التجارة الحرة الداعية إلى الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد.

ويحدد الباحث الاقتصادي مدحت القرشي مجموعة من الإجراءات التي تلجأ إليها حكومات الدول الصناعية لتأمين نجاح عناصر دعم وحماية السلع المحلية المهددة من منافساتها الخارجية من بين أهمها: «1 - الإعانات المالية، حيث تقوم الحكومات المختلفة في أوقات معينة بتقديم الإعانات المالية للصناعيين لتشجيع النشاط الصناعي. 2 - الإعفاءات الضريبية، حيث يتم بموجبها إعفاء الشركات الصناعية من ضرائب الدخل (الأرباح) لفترة محددة. 3 - توفير الخدمات الأساسية ومستلزمات الإنتاج، حيث تقوم الحكومات بتوفير الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء وبأسعار تفضيلية للأغراض الصناعية وكذلك الطرق والمواصلات والاتصالات. 4 - تمويل النشاط الصناعي، بتوفير التمويل اللازم لإقامة المشروعات الصناعية وتوسيعها وتطويرها. 5 - وسائل الحماية التجارية: بفرض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة والمنافسة للإنتاج المحلي ما يؤدي إلى رفع أسعار تلك السلع في السوق المحلي».

وفي أحيان كثيرة، وخاصة في المجتمعات الاستهلاكية مثل مجتمعات الدول الخليجية، غالباً ما ترتفع أسعار العديد من السلع الضرورية في الأسواق المحلية، جراء استيراد نسبة عالية من التضخم المرافقة لتلك السلعة المستوردة، والمتولدة (أي النسبة) أساساً في، ومن، أسواقها الأصلية، هذا ما أكدته نقاشات مجلس الشورى السعودي في العام 2008، مع وزير المالية السعودي إبراهيم العساف الذي حاول أن يخفف من كلفة الأعباء التي تتحملها في سياق تنفيذ سياسة دعم السلع من «البحث عن بدائل أخرى لاستيراد السلع، من حيث دعم التوجه للاستيراد من الدول ذات التضخم المنخفض».

أسوأ ما يمكن أن يؤثر على سياسات دعم السلع، عندما تتحول من أهدافها الاقتصادية/ الاجتماعية، كي تقع فريسة سهلة تسخر لصالح الأهداف السياسية، سواء تلك التي تتبناها المعارضة، أو تدافع عنها السلطة التنفيذية، كي تحط الرحال في كبسولة إهدافها السياسية التي يحاول الطرفان، المعارضة والسلطة التنفيذية، على حد سواء، إطلاقها نحو أهداف ذاتية مخفية، بعيدة عن مطالب الفئة الاجتماعية التي تحتاجها. وغالباً ما تتحول الاختلافات، عندما يسود العامل السياسي، من تشخيص الاحتياجات، واختيار الحلول الأفضل، إلى تصفية الحسابات، ونيل المكاسب لهذه الفئة السياسية على حساب تلك المنافسة لها.

هذا ما عرفته إيران على سبيل المثال في إيران في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 عندما هدد وزير الداخلي الإيراني، مصطفى محمد نجار (قائد سابق في الحرس الثوري وكان وزيراً للدفاع) «من وصفهم بالأقلية المعارضة لخطة الحكومة في رفع الدعم عن السلع الحياتية، مشيراً إلى أن قوى الأمن الداخلي ستتصدى بحزم للأقلية التي ربما ستثير ما سماها فتنة داخلية للاعتراض على خطة ترشيد الاستهلاك». وقد عرفت إيران منذ ذلك الحين تجاذبات سياسية بين القوى المختلفة، كانت ضحيتها الفئة الأكثر حاجة لذلك الدعم للسلع الحياتية. وربما كان قطاع المحروقات، هو الأكثر حضوراً في قائمة السلع المدعومة، وهو أيضاً أكثرها حضوراً في الصراعات المبطنة بين مختلف القوى السياسية المتنافسة.

وفي سياق حماية السلع، ننتقل هنا كي نتناول الأوضاع في المجتمعات الاستهلاكية مثل السوق البحرينية، التي تعتمد كثيراً في تصريف شئون حياتها اليومية على الواردات الخارجية. فمن الطبيعي أن يكون مصدر ارتفاع أسعار السلع، بما فيها تلك الضرورية، المتوافرة في الأسواق، عوامل خارجية، لا تضيف لها العوامل الداخلية، بما فيها نسبة الربح المحلية، تجدر الإشارة له.

على هذا الأساس ولكي تكون سياسات دعم السلع الضرورية صحيحة وتؤدي الغرض المطلوب منها ينبغي معالجتها من المنطلقات التالية:

1. الابتعاد بها عن المهاترات السياسية، بحيث تنحصر نقاشاتها في الدوائر ذات العلاقة بها، ويجري التركيز على مصالح الفئات المستفيدة منها، عوضاً عن الإبحار بها في سفن القوى السياسية، معارضة كانت أم سلطة تنفيذية.

2. التمييز، عند تنفيذ برامج الدعم، بين من هم بحاجة لها كسلعة ضرورية، وأولئك الذين يستهلكونها في استخدامات ترفيهية. هذا التمييز ينبغي أن يتناول بشكل شمولي مجالين أساسيين: الأول: فئوي اجتماعي، حيث يركز جهوده على تحديد الفئة ذات الانتماء الاجتماعي التي تحتاج لتلك السلعة، والثاني كمي استهلاكي يحدد الكميات المستهلكة التي يغطيها ذلك الدعم، ويميز بين الحاجة الماسة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وذلك والاستهلاك الترفيهي الذي يمكن توفير ما يستهلكه.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/512311.html