صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 2133 | الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 19 رمضان 1445هـ

قرية «الزنج» الصغيرة... كل شيء ينمو حولها إلا هي!//البحرين

قبل سنوات، كان مدخل قرية البلاد القديم من جهة الشمال الشرقي يستقبل القادمين اليها عبر «قرية الزنج» في صورة قرية تحوي كل سمات الريف... فعلى الجهة اليمنى، كان البستان الكبير النضر يتمايل بنخيله واسطبلات الخيول فيه... وكان مشهد حظيرة حمار الحاج كاظم مألوفاً للأهالي ولمن تعود على زيارة القرية، لكن الحظيرة لم تعد موجودة، وصاحبها الفلاح الحاج أحمد الجد لم يعد موجوداً فقد توفاه الله، لكن ذلك المشهد الريفي، بدأ يميل إلى العمران شيئاً فشيئاً لتقوم العمارات السكنية مكانه.

ولايزال أهل القرية، كما كانوا، طيبين على السجية... فقد تشاهد كبار السن، ومنهم الحاج عبدالله الشريفة، في فترات العصر يمارسون رياضة المشي والتجول في أنحاء المنطقة، ويستقبلونك أحسن استقبال... يعرف شباب القرية الحاج عبدالله الشريفة بأنه يحمل شعلة نشاط رغم كبر سنه... لكنه لا يتوقف عن عادته في التريض عصر كل يوم ليجوب القرية والمناطق المجاورة، داعين له بالصحة وطول العمر.

النشاط العمراني

تشهد قرية الزنج نشاطاً عمرانياً واسعاً، فقد بدأت المنطقة التي تسمى «دولاب فخرو» تشهد حركة عمرانية نشطة بإنشاء العمارات السكنية، فيما بدأت الأرض الزراعية تتقلص شيئاً فشيئاً حتى اختفت، وتضم أيضاً أنشطة تجارية ومطاعم أشهرها مخزن آل نوح لمواد البناء، بالإضافة إلى معرض كبير لبيع السيارات.

الموقع الإلكتروني

يوجد للقرية موقع إلكتروني باسم «شبكة الزنج الإسلامية»، تعنى بشئون القرية، فيما ينشط «برنامج لجنة المحبة» الذي يشرف عليه شباب القرية في تنظيم الفعاليات والأنشطة التي تهدف إلى إكساب الأطفال والناشئة والشباب المهارات في مختلف المجالات الثقافية والتدريبية.

المساجد والمآتم

يوجد في القرية، بالإضافة إلى مسجد الصبور، مسجد الإمام ومسجد الشيخ داوود، فيما تضم ثلاثة مآتم للرجال هي مأتم الزنج الكبير، ومأتم الحاج راشد العالي، ومأتم الأطهار، أما النساء فمأتم الزنج للنساء، ومأتم أم أحمد للنساء.

تكية دكان «السباع»

التجول داخل القرية الصغيرة له مذاق خاص... فأزقتها الضيقة تعج بالأطفال الذي يلعبون هنا وهناك، وتجد النسوة يتنقلن لزيارة بعضهم بعضاً، وكذلك كبار السن والشباب الذي يجلسون في أوقات العصر على تكية بالقرب من دكان «السباع»، ويتجاذبون أطراف الحديث، فيما وجد الشباب فرصة لتخصيص تكية قريبة من الدكان تسع عدداً أكبر.

يصف الشاب عبدالزهراء السباع أهل قريته فيقول: «أكثر ما يميز هذه القرية وما نفخر به، هو العلاقات الاجتماعية والتكافل الذي يتصف به الأهالي، فتربطهم علاقات طيبة، فهم متفاهمون ويساند بعضهم بعضاً، وهذه من الصفات التي نحبها في قريتنا».

أما على مستوى الخدمات، فيقول: «إن القرية صغيرة، ولا تتوافر فيها الأراضي التي يمكن الاستفادة منها للخدمات، لكن هناك أملاً في تخصيص مشروع إسكاني مستقبلاً يشمل أهالي القرية وأهالي القرى المجاورة، وقد علمنا بأن هناك مشروعاً في الطريق».

وفيما يتعلق بالتسمية، فإن معظم الأهالي يجمعون على أنها تعود إلى ما كانت عليه المنطقة في السابق، حيث كانت سوقاً يباع فيها الزنوج والأفارقة، فعرفت المنطقة بالزنج، كما يقول بعض كبار السن وبعض المؤرخين.

النشاط الثقافي والاجتماعي

أما الشاب ماهر الزنجي، فهو يتمنى أن تحظى القرية بشيء من التخطيط، فلا توجد مواقف للسيارات كما أنه يتمنى أن يكون هناك اهتمام بأوضاع الأسر المعوزة وخصوصاً الذين يعيشون في منازل آيلة للسقوط.

ويقضي ماهر بعض الوقت مع شباب القرية في التكية القريبة من دكان «السباع»، وهو بمثابة ملتقى يتوافد إليه أحياناً بعض أهالي القرية الذين انتقلوا للسكن في مناطق أخرى.

وما يلفت النظر في هذه القرية الصغيرة، أن الشباب والناشئة وكذلك الأطفال، يحبون المشاركة في الأنشطة، فأحد أعضاء لجنة المحبة، وهو منصور عبدالله، يشير إلى أن هناك أنشطة فنية وثقافية وتدريبية تنظمها اللجنة بين فترة وأخرى، بل ويمكن القول إن اللجنة قطعت شوطاً كبيراً في المجال المسرحي، لكن الأهم بالنسبة لنا هو توجيه برامج تناسب الفئة المستهدفة من باب تنمية القدرات وتقديم بدائل مناسبة للجميع.

هل للقرية أية علاقة بثورة «الزنج»؟

يعتقد البعض، أن من بين الروايات التي تشير إلى أسباب تسمية القرية بهذا الاسم، هو ارتباطها تاريخياً بثورة «الزنج»، لكن هذا الرأي لم تؤيده كتابات المؤرخين البحرينيين، بل في موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، وفي الجزء الثاني منها، تفصيل مهم لهذه الثورة لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى قرية الزنج... ويبدو أن الرواية التي تقول إن هذه المنطقة كانت في القديم مكاناً لبيع الزنوج، هي الأقرب للصحة والله أعلم.

وطبقاً لما ورد في الموسوعة الإسلامية، فإنه منذ عهد المتوكل العباسي (232 ه‍ _ 861م) غلبت سيطرة العسكر الأتراك، وقادتهم على أزمة الأمور في الدولة، واستأثروا بالعطاءات والاقطاعات، واستبدوا بسلطان الخلافة، حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يريدون، بل ويسجنون ويسمّون ويقتلون من لا يحقق مطامحهم ومطامعهم من الخلفاء.

ولقد حاول بعض الخلفاء أن يستردوا لمنصب الخلافة سلطانه، وأن يستندوا في معارضة القادة الأتراك إلى تأييد شعبي بمهادنة العلويين الثوار وإقامة قدر من العدل والإنصاف بين الرعية... حاول ذلك الخليفة المنتصر بالله (247 هـ - 861 م)، والمهتدي بالله ( 255 هـ - 870م) ولكن الأتراك تخلصوا منهما بالسم والعزل والقتل.

وعندما سدت سبل الإصلاح أمام الراغبين فيه أقبل الناس على الثورة، طريقاً لم يجدوا أمامهم سواه للتغيير، فكان أن قامت عدة حركات ثورية، يقودها ثوار علويون.

كانت البصرة أهم المدن في جنوب العراق، وكانت جنوب العراق مشحونة بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها، ويقومون بكسح السباخ والأملاح الناشئين من مياه الخليج، وذلك تنقية للأرض وتطهيراً لها، كي تصبح صالحة ومعدة للزراعة، وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسية وغير إنسانية، تحت إشراف وكلاء غلاظ قساة، ولحساب ملاك الأرض من أشراف العرب ودهاقنة الفرس... وبعض هؤلاء العبيد كانوا مجلوبين من إفريقيا السوداء _ وهم الزنج _ وبعضهم نوبيون، وآخرون قرماطيون، أما فقراء العرب فكانوا يسمون الفراتين.

وشرع رجل يسمى علي بن محمد بدراسة حالة هؤلاء الرقيق، ويسعى لضمهم لثورته، كي يحررهم ويحارب بهم الدولة العباسية... وكان أول زنجي ينضم إليه هو ريحان بن صالح، الذي أصبح من قادة الحرب والثورة.

وأخذ علي بن محمد ينتقل، مع قادة ثورته، بين مواقع عمل الرقيق والفراتين، ويدعوهم إلى الثورة والهرب إلى معسكره وترك الخضوع لسادتهم، فاستجابت لدعوته جماهير غفيرة من الزنج والنوبة والقرماطيين والفراتيين، وانضموا إلى العرب والأعراب الذين تبعوه من جنوبي العراق... ولقد فشل وكلاء الزنوج في الحيلولة بينهم وبين الالتحاق بمعسكر الثائرين، فكانوا يحبسونهم في البيوت ويسدون أبوابها ومنافذها بالطين؟‍! ويصف ابن خلدون إقبال الزنج على الثورة، وزحفهم للقاء قائدها فيقول: «لقد تسايل إليه الزنج واتبعوه».

ولقد أعلن علي بن محمد أن هدفه، بالنسبة للزنج والعرب الفقراء، الذين يعملون في إصلاح أرض العراق الجنوبي، هو:

1 - تحرير الرقيق من العبودية... وتحويلهم إلى سادة لأنفسهم.

2 - وإعطاؤهم حق امتلاك الأموال والضياع... بل ومنّاهم بامتلاك سادة الأمس الذين كانوا يسترقونهم.

3 - وضمان المساواة التامة لهم في ثورته ودولته التي تعمل من أجل:

- نظام اجتماعي هو أقرب إلى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع الأمة.

- نظام سياسي يرفض الخلافة الوراثية لبني العباس، والتي أصبحت أسيرة بيد قادة الجند الأتراك... ويقدم بدلاً منها دولة الثورة التي أصبح علي ابن محمد فيها أمير للمؤمنين.

ولقد استطاعت الثورة أن تكتسب، أكثر فأكثر، ثقة جماهير الزنج وفقراء العرب، الذين كانوا أشبه ما يكونون بالرقيق، وبالذات في ظروف العمل وشروطه... وخاصة بعد أن رفض قائد الثورة مطالب الأشراف العرب والدهاقين والوكلاء بأن يرد عليهم عبيدهم لقاء خمسة دنانير يدفعونها عن كل رأس.

قصة مسجد الشيخ محسن الصبور

يقع عند أول شارع البلاد القديم من جهة الشمال الغربي، وقد كتب الباحث جعفر البري قصة المسجد في «موقع منتديات البحرين» حيث أشار إلى أن شاطئ البحر «خليج توبلي حالياً» كان ولغاية خمسينيات القرن الماضي ملاصقاً لبيوت قرية الزنج. وهو يرى أن أصل تسمية الزنج في الأصل هو «الزنك»، وتعود تسميتها بهذا الاسم لسنة 633 هجرية بعد أن استولى الزنكيون على البحرين بزعامة أبوبكر سعد زنكي وجعلوها عاصمة لهم ومقراً لحكومتهم، ولكون الزنك أو الزنج مطلة على البحر، كان الكثير من أهالي المنطقة يمتهنون مهنة الصيد وكان الصيادون يتخذون موقعاً بعينه مصلىً لهم وربما حددوا له حدوداً بالحجارة أو بجذوع النخيل، ولكنه لسبب ما، تحول هذا المصلى إلى خربة يقوم الأهالي برمي القمامة والفضلات فيها، ومع مر السنين، نسي أمر المصلى واعتاد الناس على أن هذا المكان خربة. وكان الشيخ محسن الصبور أحد الرجال الأجلاء المؤمنين والعارفين الراعين لحقوق الله ورسوله المقيمين في تلك القرية... وبينما كان في أحد الأيام يمشي متوجهاً للصلاة في المسجد إذ رأى شخصاً عليه آثار الهيبة يصلي في خربه فقال له تفضل إلى المسجد وصلِ هناك، لكن الرجل رد عليه بقوله: «إن هذا مسجد في الأصل»، فأمر أهل القرية أن يبنوا هذا المسجد. لكن الجانب الأغرب في قصة المسجد، كما يتناقلها أهالي القرية.الموقع

تمثل قرية الزنج المدخل الرئيس من جهة الشمال الشرقي لمنطقة البلاد القديم، تحدها من الشمال قرى القفول والبرهامة والصالحية، ومن الشرق منطقة السلمانية، ومن الجنوب خليج توبلي ومن الغرب قرية الخميس.عدد سكانها

يبلغ تعداد سكان قرية الزنج القاطنين في قلب القرية الصغيرة (بمجمع 358) نحو 500 نسمة، لكن بضم المجمعات 356، 357، 359 يرتفع العدد إلى نحو 2000 نسمة.مرافقها

لا توجد في قرية الزنج أية مرافق حكومية من مدارس أو مراكز صحية أو غيرها، فبالنسبة للمدارس الابتدائية للبنين والبنات، يلتحق أبناء القرية بمدارس الخميس الابتدائية للبنين، قرطبة الإعدادية للبنات، بلاد القديم الإعدادية للبنين، بلاد القديم الابتدائية للبنات، فيما يتم تسجيل بعض طلبة الابتدائي في مدرسة العلاء الحضرمي والسلمانية، ويتوزع طلبة المرحلة الثانوية على تفريعات المدارس الثانوية المتعددة المناطق (الجابرية الصناعية - مدرسة الشيخ عبدالعزيز - النعيم والمنامة الثانويتان).

وبالنسبة للخدمات العلاجية، فإن المجمعات تتبع مركز البلاد القديم الصحي.

ولا يوجد بها مركز شبابي، أو صندوق خيري، إذ تتبع القرية إلى صندوق بلاد القديم والزنج وعذاري والصالحية، فيما يتوزع الشباب الرياضيون على الأندية وفقاً لرغباتهم.

ومؤخراً، خصص مجلس بلدي العاصمة الذي يمثل الدائرة فيه العضو صادق البصري، ملعباً ترابياً كبيراً موزعاً على قسمين لكرة القدم، ومنذ ثلاث سنوات، تم افتتاح حديقة الزنج التي تقع في المجمع رقم 358.

مهن أهل القرية

منذ القدم، عمل أهالي القرية في الزراعة وصيد الأسماك، أما حديثاً فالجيل الجديد من أبنائها يعملون في مختلف التخصصات والأعمال، ورغم صغر مساحتها، فإنها تضم عدداً من المبدعين من المدرسين والشعراء والخطباء واللاعبين والحرفيين.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/529527.html