صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3128 | الأربعاء 30 مارس 2011م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الضغط على القذافي لا الإطاحة به

الكاتب: وليد نويهض - walid.noueihed@alwasatnews.com

الضربات الجوية الناعمة التي نفذتها قوات التحالف الدولي ضد ميليشيات ديكتاتور الجماهيرية وقواعده ومطاراته ساهمت في تسهيل مهمة فرض الحظر فوق الأراضي الليبية، لكنها لم تكن كافية لمنع قوات الطاغية من إعادة تنظيم مواقعه ميدانياً وبدء الهجوم المضاد ومواصلة محاصرة مصراته والزنتان في غرب البلاد.

هذه المعادلة السلبية (توازن القوى) وحرب الاستنزاف الطويلة (معارك الكر والفر) وعدم حسم المواجهة نهائياً وتركها مفتوحة على احتمالات غير منظورة، تعتبر أسوأ سيناريو يمكن أن تنتهجه قوى التحالف الدولي لإنهاك ليبيا اقتصادياً وبشرياً حتى تكون جاهزة للانهيار ما يجعلها تدخل عنوة في انقسامات أهلية (قبلية) وجغرافية (شرق وغرب وجنوب) وسياسية (نظام جمهوري وآخر ديكتاتوري). فهل خططت دول الغرب لهذا السيناريو المدمر أم أن نظام الطاغية يتمتع بقوة هائلة لا تستطيع أميركا والناتو (الأطلسي) كسرها أو منعها من التحرك ميدانياً على أكثر من اتجاه؟

الضربات العسكرية الناعمة كانت كما يبدو محدودة التأثير. فهي ساهمت في وقف الهجوم شرقاً لكنها فتحت المجال لقوات الديكتاتور لمواصلة مهمته التقويضية غرباً ما يؤشر إلى وجود توجه أميركي - أوروبي على إبقاء التوازن بين الكفتين ومنع ترجيح قوة الثوار وذلك لحسابات سياسية تتصل بالمستقبل وهوية البديل. فالدول الكبرى ذكرت مراراً أنها لا تعرف هوية الثوار وهي تتخوف من وجود خلايا نائمة لتنظيم «القاعدة» لذلك تفضل التريث وعدم التسرع والمغامرة تحسباً لتكرار سيناريو العراق.

ذريعة عدم وضوح هوية البديل تعتبر العنوان المشترك الذي بدأت عواصم القرار باعتماده لتفسير النعومة في استخدام القوة الجوية. فالضربات كانت مدروسة بدقة وتجنبت إيذاء عصب النظام وبذلت الجهد حتى لا تزعزع استقرار المناطق التي يسيطر عليها الديكتاتور وأسرته. الضربات كانت مركزة موجعة وليست مؤذية وهي أعطت فرصة للطاغية أن يستعيد بعض عافيته العسكرية مستفيداً من الجرعة المعنوية التي أخذها بوصفه يحارب الامبريالية والصليبية وأميركا والناتو دفعة واحدة. ولاشك ستلعب هذه الحقنة المعنوية دورها في تجديد الحياة في عروق الطاغية وشرايينه وستضع المجلس الوطني الانتقالي (بنغازي) في موقع حرج على الأمد الطويل.

الثوار الآن أمام امتحان صعب على المستويين الميداني والسياسي في مواجهة التحديات الراهنة والاستحقاقات المقبلة. عسكرياً بدأت مطالبة الثوار بالحظر الجوي بالتحقق حين يباشر الحلف الأطلسي (الناتو) من اليوم الإشراف على تنفيذ قرار مجلس الأمن 1973. فالقرار نص على فرض حظر جوي واتخاذ الإجراءات اللازمة للوصول إلى تنفيذ هذه المهمة. ومن اليوم يَعتبر الناتو أنه اتخذ كل التدابير التي تكفلت بتحقيق هذا الإنجاز وبات على المعارضة (الثوار) أن تقوم باستكمال مشروع تغيير النظام اعتماداً على قواتها ومن دون تدخّل عواصم القرار. فالذريعة في هذا الإطار تهاوت ولم يعد للثوار حجة تبرر الضعف.

هذا الجانب العسكري لا يمكن فصله عن الجانب السياسي الذي يتعلق بحاجة دول التحالف إلى وقت للتعرف على أفكار المجلس الوطني الانتقالي وبرامج قادته وتصوراتهم. هناك كما يبدو فترة انتقالية قد تطول أو تقصر تريدها العواصم لاختبار قوة المعارضة ميدانياً ومدى صدقيتها والتزامها بالتعهدات والمواثيق الدولية والاتفاقات النفطية الموقعة مع شركات التنقيب والتكرير إضافة إلى مصير المليارات من الدولارات المودعة في المصارف وقطاعات الاستثمار والتوظيفات والمقاولات والإنشاءات.

خلايا «القاعدة» النائمة مجرد ذريعة لتبرير التأخر وتطويل أمد الحرب. ومخاوف الرئيس الأميركي من تكرار أخطاء العراق في ليبيا مجرد غطاء سياسي لقرار اتخذ سلفاً وهو عدم إسقاط القذافي مباشرة وتركه يتهاوى زنقة زنقة لكسب الوقت حتى يمكن التعرف على هوية البديل الذي سيأخذ مكانه.

دول التحالف كررت مراراً أنها لن تساهم في الإطاحة عسكرياً بالقذافي وإنما تريد مساعدة الثوار بتأمين الغطاء الجوي وحماية المدنيين من قصف الطيران الحربي وثم ترك الأمور تسير رويداً وبهدوء تحت سقف القرار الدولي. مهمة إسقاط القذافي تبدو بعيدة عن الأنظار في القريب العاجل، وهي خطوة أخيرة منوطة بمدى استعداد قوات المجلس الوطني الانتقالي على تحقيقها ميدانياً من جانب وهي أيضاً مرتبطة بمدى رضى عواصم القرار على هوية البديل.

القذافي ورقة لا ترغب الدول الكبرى التفريط بها قبل أن يأتي أوانها، فهي تستطيع استخدامها وقت الحاجة للضغط على المجلس الانتقالي وأخذ المزيد من الضمانات من قيادته وهي تستطيع إسقاطها متى تشاء حين تتأكد من هوية البديل وتطلعاته قبل الاستيلاء على مناطق الديكتاتور في غرب ليبيا.

الحسم قرار مؤجل وهذا ما ذكره باراك أوباما في خطابه أمام الكونغرس وأيضاً الأطلسي بذريعة «أن العملية الانتقالية التي تؤدي إلى حكومة شرعية تتجاوب مع تطلعات الشعب الليبي ستكون مهمة صعبة». وهذه المهمة الصعبة تعني باللغة الدبلوماسية فترة سماح تتطلب مهلة زمنية لاختبار سياسة المجلس الانتقالي وفحص قدراته وتوجهاته. عدم الحسم يعني توريط الثوار في حرب استنزاف طويلة قد تجرجر ليبيا إلى انقسامات قبلية - جهوية ليست خافية حتى على الطاقم الدبلوماسي للديكتاتور. وهذا ما تنبه إليه نائب وزير خارجية القذافي حين أشار خالد الكعيم في تصريح لمحطة تلفزيون إيطالية أن «خطة التحالف الدولي الوصول إلى طريق مسدود من أجل تقسيم البلاد إلى قسمين، أي ما يعني الحرب الأهلية، حرب مستمرة، ووضع خطير جداً».

الخلاصة القذافي سيبقى في موقعه إلى حين تقرر عواصم التحالف الدولي أن وظيفته انتهت ولم تعد بحاجة إليه للابتزاز والتهويل والتخويف. وهذه المسألة لابد أن يدركها المجلس الوطني في بنغازي ويبدأ بالاستعداد لمواجهة معركة طويلة تتطلب الكثير من الحذر بسبب المخاطر المتأتية من الفراغ والتأخر في عدم أخذ زمام المبادرة والتوجه الميداني نحو الحسم بغطاء جوي لدول التحالف التي قررت الضغط على القذافي لا الإطاحة به.

الضغط لا الإطاحة تعتبر رسالة واضحة ومزدوجة لأنها موجهة للديكتاتور والثوار في وقت واحد ومن يسارع إلى التقاطها قبل الآخر يفوز في آخر الشوط. هل ينجح المجلس الوطني في تأكيد قوته وتوضيح هويته في المرحلة الانتقالية الطويلة والصعبة أم يأخذ الديكتاتور الفرصة ويسترد هيبته ويدفع قوى التحالف إلى تغيير رأيها بعدم الاستغناء عن خدماته. الاحتمالان غير مستبعدين وإلا فإن ليبيا ستذهب نحو الانشطار القبلي - المناطقي بين شرقية جمهورية وغربية ديكتاتورية.

احتمال تقسيم البلاد إلى شرقية وغربية وربما جنوبية (فزان)، الضغط على القذافي لا إسقاطه، اختبار فعالية المجلس الوطني الانتقالي، استكشاف الخلايا النائمة للقاعدة، حماية المدنيين تحت غطاء جوي، توازن القوى ميدانياً (معارك كر وفر)، ترك الأمور تأخذ مداها الزمني للتعرف على هوية البديل، الاتفاق على مصير الودائع وقنوات إنفاقها، التفاهم على مشروعات التنمية وإعادة الإعمار، تجديد التعهدات بشأن النفط واستخراجه وتكريره وتصديره... كل هذه النقاط تشكل عناوين المرحلة الانتقالية التي وصفها أوباما بأنها ستكون «مهمة صعبة»


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/535154.html