صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3137 | السبت 09 أبريل 2011م الموافق 19 رمضان 1445هـ

في ذكرى الشهيدة بنت الهدى

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

وُلدت في العام 1937م في مدينة الكاظمية، وقضت سنوات طفولتها فيها حتى هاجرت مع أخيها الأكبر إسماعيل الصدر بعد وفاة والديهما، برفقة أخيهما محمد باقر الذي لن تفترق عنه حتى اليوم الأخير.

عائلة علمية شهيرة، أنجبت الكثير من العلماء، واختار لها أبوها الفقيه السيد حيدر اسم «آمنة»، الذي يفيض طهراً وحباً وجلالاً، ومات عنها وهي في عامها الثاني، ليتكفّلها أخوها إسماعيل الذي يكبرها بتسعة أعوام، حيث تتلمذت على يديه.

تعلّمت مبادئ القراءة والكتابة والنحو والرياضيات في بيت العائلة، بالإضافة إلى المنطق والفقه والأصول. ومع انتقال الأخوين إلى مدينة النجف الأشرف للدراسة، كانت قدراتها الكتابية بدأت تتفتح، حيث ألفت مجّلة خاصة خطتها بيدها وهي لم تتجاوز الحادية عشرة. وفي النجف بدأت دراسة القرآن الكريم والتفسير والفقه والأصول، وأمدّها شغفها بالقراءة والاطلاع بخلفيةٍ صلبةٍ من المعرفة والثقافة الأصيلة.

تجربة اليتم المبكر انعكست على حياتها عطفاً وحناناً، وبذلاً وعطاءً، فكانت تمسح على رؤوس الأيتام، وتواسي الأرامل، الذين ستتضاعف أعدادهم في العقود الثلاثة التالية، مع تولي حزب البعث السلطة في الستينيات، واندفاع الدولة العراقية في اتجاه تكريس ديكتاتورية الحزب الواحد، وتوريط البلد في حروبٍ عبثيةٍ أهلكت الحرث والنسل.

مع نهاية الخمسينيات، كانت الحركات الإسلامية قد بدأت بالانتشار في عددٍ من البلدان العربية الكبرى، مع تنامي المد القومي. وفيما بدأ نجم الحركات اليسارية بالصعود، بدأت استجابة الإسلاميين للخطر بردّات فعل أولية، فنشأت منتدياتٌ ثقافية وتشكلت جماعات علماء، مع الاستفادة من المواسم الدينية. ورفد ذلك حركةُ تأليفٍ نشطة، أمدّت الساحة بالكثير من المجلات والكتب المهمة، وبرزت أسماء جديدة في سماء التأليف، في مصر والشام والمغرب، حتى نتاج الحركة الإسلامية في شبه القارة الهندية. أما العراق فبفضل خصوصيته التاريخية، فقد أمدّ الساحة بالكثير من الكتّاب والخطباء والشعراء والروائيين. في هذه الفترة كانت القصة من الأنواع الأدبية الجديدة التي تلقى إقبالاً كبيراً، قبل انتشار التلفزيون ودخول عصر الفضائيات.

في تلك الفترة (مطلع الستينيات)، نشرت بنت الهدى أول مقالٍ لها، وفي 1966 بدأت تنشر انتاجها في مجلة «الأضواء»، التي تصدرها جماعة العلماء. كان اهتمامها الأكبر بالقصة، باعتبارها قالباً فنياً لتوصيل الفكرة وتبليغ الأفكار الاسلامية والتوجيه الأخلاقي، في وقتٍ كان التوجّه الإسلامي يواجه تحديات تتراوح بين القمع السياسي، والتخلف الاجتماعي، في واحدةٍ من الفترات الانتقالية التي مرّت به المنطقة.

في هذه الفترة، ساهمت بنت الهدى في الدعوة للالتزام بالخيار الاسلامي، فنظّمت المحاضرات والندوات للفتيات، وأشرفت على مدارس نسائية في الكاظمية والنجف، حيث دأبت على التنقل بين المدينتين لتلك الغاية. وكرّست قلمها في سبيل الدعوة للالتزام، من خلال الأدب، وعلى رأسه القصة. وأثمر هذا الغراس عدة مجموعات قصصية: «ليتني كنت أعلم»، «لقاء في المستشفى»، «امرأتان ورجل»، «الباحثة عن الحقيقة»، و»ذكريات على تلال مكة»، حيث اعتبرت رائدة القصة النسائية الاسلامية.

في تلك الفترة كانت التيارات الفكرية تتصارع على مقولة «الفن للفن»، إلا أن بنت الهدى كانت تقول بوضوح في مقدمة إحدى مجموعاتها القصصية: «ولئن كانت هذه القصص القصيرة من نسج الخيال فهي منتزعة من صميم الحياة التي تحياها الفتاة المسلمة، وأي فتاة سوف تقرأ فيها أحداثاً عاشتها بشكل أو بآخر وسوف تجد الموقف الايجابي الذي تفرضه وجهة النظر الاسلامية في الحياة».

لم تكن بعيدة عن حركة المجتمع وتياراته الفكرية والسياسية، وكان لها شعرٌ يعبّر عن هموم ذلك المجتمع المضطرب، حيث تقول:

أنا كنت أعلم أن درب... الحق بالأشواكِ حافل

خالٍ من الريحان ينثر... عطره بين الجداول

لكنني أقدمت أقفو السير... في خطو الأوائل

فلطالما كان المجاهد... مفرداً بين الجحافل

وهي أبياتٌ تذكّرك بقاموس الشاعرات المناضلات مثل فدوى طوقان. ولذلك حينما سألتها الكاتبة المصرية المعروفة بنت الشاطئ في زيارتها للنجف ذات يوم: «من أي كلية تخرجتِ؟»، أجابت بثقةٍ وهدوء: «من مدرسة العائلة». لاشك أنها كانت تتوقّع أن تجيبها أنها خريجة إحدى الجامعات.

في أواخر السبعينيات، ومع اشتداد قبضة حزب البعث الحاكم، تعرّضت القوى العراقية المختلفة للمزيد من الضغط، وفي المقدمة أخوها المفكر الاسلامي الكبير محمد باقر الصدر. وفي لحظةٍ تاريخيةٍ كئيبة، دخلت حرم الإمام علي (ع)، وأخذت تخاطبه بقولها: «الظليمة الظليمة يا جداه يا أمير المؤمنين. لقد اعتقلوا ولدك الصدر، أشكو إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد».

كان هذا هو الاعتقال الأول، حيث أطلق سراحه بعد ردة فعل الجماهير، أما في المرة الثانية والأخيرة، فقد اعتقلت معه يوم الخامس من أبريل 1980، وأعدما بعد أربعة أيام، لتتحقق نبوأتها الصادقة: «إن حياتي من حياة أخي وسوف تنتهي حياتي مع حياته إن شاء الله».

أمس التاسع من ابريل، احتفل العراقيون بذكرى رحيلها الثلاثين، وبذكرى سقوط تمثال الرئيس السابق في ساحة الفردوس. ولله الأمر من قبل ومن بعد


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/536604.html