صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3231 | الثلثاء 12 يوليو 2011م الموافق 19 رمضان 1445هـ

«الوفاق» والمسئولية الوطنية

الكاتب: عبيدلي العبيدلي - Ubaydli.Alubaydli@alwasatnews.com

دون الحاجة للدخول في التفاصيل، وبعيداً عن الخوض في المسببات، ونكء الجروح، ونكتفي، عوضاً عن ذلك، بالانطلاق من النتائج التي آلت إليها نقاشات المحور السياسي في «حوار التوافق الوطني»، عندما وردت في مداخلات أحد المشاركين، إساءة مقصودة، وغير مقبولة للطائفة الشيعية، الأمر الذي «أرغم» جمعية الوفاق على إعلان مقاطعتها للجلسة، وانسحابها من المشاركة في «الحوار». بالطبع لم تعلن الوفاق مقاطعتها الشاملة، الكلية رسمياً، واكتفت حتى الآن بالانسحاب من تلك الجلسة فحسب.

أمام هذه الحالة التي ولدها الانسحاب «الوفاقي»، لابد من التأكيد على مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالحوار وآداب الحوار.

القضية الأولى، يشترط أدب الحوار على المشاركين فيه، عدم التلفظ بما يمكن أن يساء فهمه، دع عنك استخدام التعابير الصريحة القذف، التي تستفز المشاعر، والتي تولد الضغينة بين المتحاورين، دون أن يكون لها أية إضافة «حوارية» تبرر استخدامها. الخدمة الوحيدة التي يقدمها مثل هذا السلوك غير المتوافق مع آداب الحوار، هي تسميم الأجواء، وتأجيج العواطف ضد بعضها البعض، وبالتالي جر طاولة الحوار نحو منعطفات متشنجة، تجرده من أهدافه، وتفقده قيمته السياسية. بل، وما هو أسوأ من ذلك كله، تنجح، بوعي أو بدون وعي من صاحبها، في زرع الأحقاد، ونشر الشكوك، بدلا من الوئام والسلام بين الأطراف المتحاورة، مما يضع صاحب السلوك، فردياً كان أم مؤسساتياً منظماً، في مصاف لا يريد أن يرى نفسه بينها. ومن هنا فليس هناك من مجال لتجاوز الحالة السلبية التي ولدها استخدام مفردات غير مقبولة، قادت، بقصد أو بدون قصد، إلى دفع «الوفاق» إلى الانسحاب. بالمقابل لا يعطي ذلك الوفاق المبرر لانسحابها، مجرد استخدام تعبير غير لائق.

القضية الثانية، تتعاظم مسئولية المشاركين في الحوار، ومن يسعى إلى الوصول إلى توافق بشأن الأمور المختلف حولها فيه، طردياً مع مساحة الحيز السياسي الذي يشغله كل طرف من الأطراف المختلفة. فكلما اتسع نطاق الحضور الجماهيري، ومن ثم الثقل السياسي الذي يتمتع به ذلك الطرف، كلما كبرت معه مسئوليته المباشرة، وغير المباشرة، في إنجاح الحوار، وإزالة العقبات من الطريق الذي يسلكه، أو إفشاله، ومن ثم زرع الشوك في طريق من يسلكه. ومن هنا فبقدر ما تبيح الإساءة لجمعية الوفاق الحق في الانسحاب، بقدر ما يحول مستوى المسئولية الملقاة على عاتق الوفاق دون انسحابها، ويلزمها بالبقاء، حرصاً على إنجاح الحوار، طالما قررت الاشتراك فيه، رغم التحفظات التي أبدتها بشأنه.

القضية الثالثة التي ندعو «الوفاق» إلى التوقف عندها، هي أن ترى وبعين المسئولية الوطنية السيناريوهات المحتملة، فيما لو أصرت هي، على التمسك بقرار الانسحاب، ورفضت العودة إلى طاولات الحوار. حينها ستضع «الوفاق» الحوار، وهي أحد الفرق الأساسية العاملة فيه، أمام مجموعة من السيناريوهات، ومن أهمها وأكثرها احتمالاً هي:

1. جمود الحوار، عندما تصر الوفاق على موقفها غير المشارك، ويرى الآخرون، شاؤوا أم أبوا أن عليهم الانقطاع عن مواصلة جلسات الحوار. يصبح عدم الاستمرار هنا وبدون «الوفاق» نوعاً من الاستجابة القسرية، لواقع مفاجئ، التي لا يمكن أن تقود إلى النهايات التي يعمل من أجلها الجميع. شلل الحوار هذا، يعني فيما يعنيه، العودة إلى المربع الأول، أو نقطة الصفر. ومن ثم تتبخر كل الجهود التي بذلت، من أجل انتشال البحرين من الأزمة السياسية، ومستتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية المتولدة عنها. وتضع الجميع أمام حائط ليس في استطاعة أي منهم القفز من فوقه.

2. استمرار الحوار، دون مشاركة «الوفاق»، عندما يصر الآخرون على مواصلة أعمالهم، غير مبالين بشغر مقاعد الوفاق. حينها يعرج الحوار، ويتكئ على قدم واحدة فقط، فتأتي نتائجه معاقة، ونهاياته مشوهة، نظراً لغياب أحد مكوناته الأساسية. ينبغي أن تقرأ الوفاق لوحة الحوار بشكل صحيح وشمولي، كي تستطيع رؤية تلك القوى التي لها مصلحة مباشرة في استمرار الحوار في غياب كامل للوفاق. ليس القصد هنا تضخيم دور الوفاق، بقدر ما هو تشخيص طبيعة الدور الذي تمارسه.

3. انقسام داخلي في صفوف «الوفاق» بين مطالب بالعودة إلى طاولة الحوار، والمشاركة فيه، وآخر يصر على المقاطعة والعزوف عن حضور جلساته. حينها تنتقل معركة الوفاق من ساحاتها الخارجية، إلى مواقعها الداخلية. وتجد الوفاق نفسها بدلاً من معالجة صراعاتها الخارجية، تلتفت نحو الداخل، لرأب الصدع المفاجئ، من أجل إنقاذ الجسم الوفاقي والخروج به معافى، دون حتى أية جروح سطحية، لكونها مؤذية جداً في هذه المرحلة.

أمام كل ذلك، من الطبيعي أن تكون الخيارات أمام الوفاق شبه محدودة، وجميعها تقود نحو خيار استراتيجي واحد تفرضه مسئولية الوفاق التاريخية، على المستويين «الوطني» و»الطائفي»، وليس هناك أي تناقض بينهما أمام مثل تلك الحالة التي نتحدث عنها، وهو عودة الوفاق، انطلاقاً من تلك المسئولية، إلى طاولة الحوار.

لاشك أن الخيار في غاية الصعوبة، ويطالب الوفاق بأن تعض على الجراح بالنواجذ، وأن تلعق تلك الجراح في صمت وألم، من أجل هدف وطني واحد، هو المساهمة بعيداً عن أي تعصب طائفي، أو تخندق مذهبي، ومن منطلقات وطنية صرفة، مصرة على إنجاح الحوار، الذي لا يمكن أن يحقق أهدافه كاملة في حال مقاطعة الوفاق له


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/572271.html