صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3267 | الأربعاء 17 أغسطس 2011م الموافق 19 رمضان 1445هـ

بين احترام الموت والخوف منه

الكاتب: سوسن دهنيم - Sawsan.Dahneem@alwasatnews.com

الاحترام أكبر درجة من الخوف. الاحترام فهم واستيعاب وتقدير ومعرفة بموضوع الاحترام. الخوف من شعور... مكان... زمان... شخص... مجموعة... دول... كيانات... سياسات، لا يحمل القدر نفسه من الفهم والاستيعاب والتقدير والمعرفة.

الخوف منطلقه القوة المتجاوزة لقوتك وكفاءتك وقدرتك على المواجهة. مواجهة موضوع القوة.

الموت أحد الموضوعات التي نختزن لها كمّاً وافراً ومهولاً من الخوف لا الاحترام. قليلون منا هم الذين يحترمون الموت. ولو حدث أن تم احترامه لكانت المراجعات بعده أفضت إلى مدن فاضلة وكيانات فاضلة وعالم فاضل في عمومه. الخوف لا يولّد احتراماً. خوفك ممن يجاوزك قوة وسطوة لا يعني في أقل درجة احترامه في الدرجة الأقل. أنت تمقته وتحيل ذلك المقت إلى خوف هو بمثابة حصب أو حطب جهنمك. جهنم خوفك منه. لا احترام في الأمر. الاحترام احتواء لروحك وذاتك في حدوده المتزنة. احتواء بالمفهوم الإيجابي. الاحترام وقوف على الصنيع ووقوف على امتياز الفعل وفرادته ووقوف على ذروة الحس ووقوف على قمة انجذابك لموضوع الاحترام. على النقيض من الخوف. أنت تتوارى خلف عجزك بالخوف من طرف وموضوع الخوف، وليس بالضرورة عجزك. ربما تصطنع العجز لاعتبارات تفاصيلها لن تحرف الموضوع عن اتجاهاته ومساراته.

قليلون هم الذين يحترمون الموت في عالمنا اليوم ولا يخافونه. عالم فائض بالغفلة والسهو واللهو والغياب شبه الكلي عن الحركة في جانبها النقيض من الحياة. والقلة أولئك يحافظون على توازن الحياة بيننا. توازن بمعنى الالتفات والإلماعات التي لا تفوتهم لتنبيهنا وإنذارنا. من البدهي القول، إن الخوف من الموت نفي لكل شجاعة يمكن أن تتولد في أي فرد منا، وفي الوقت نفسه يمكن القول، إن احترام الموت يحوي قَدْراً هائلاً من الشجاعة والمواجهة. شجاعة فهمه واستيعابه وتقدير حركته ومعرفته ومباغتته، ومواجهته في جاهزية الوعي والإدراك بأنه زائر لا ضوابط له في الحضور بالمفهوم الأرضي من حيث إنذاره وتنبيهه ولفت النظر إليه. يكفي أنه يضع من الإنذارات والتنبيهات ولفت النظر وبشكل يومي ما يجعل الواحد منا أكثر إدراكاً لمعناه وفلسفته وقدرته على المباغتة. المباغتة موهبة الموت الأولى لا يجاريه فيه أي معنى أو مفهوم في وعينا العام والخاص. العام في حركة الموت الدائبة من حولنا بامتداد العالم، والخاص فيما تطالنا من تلك المباغتة باختطاف وغياب أحبة كانوا بالنسبة إلينا عصب العالم من حولنا. عالمنا الخاص.

نواري عشرات الأصدقاء والأحبة في طرفة عين وعام، وينصب احترامنا للموت بشكل لحظي وآني بتتبعنا ومعايشتنا لتلك الطقوس بشكل مباشر وحي. أن نشهد مواراة من نحب. ثمة احترام لحظي وخوف طاغ. طغيان الخوف ذاك هو الذي ينسينا الدرس وينسينا الفارق بين الاحترام والخوف.

الموت بالنسبة إلى الغافلين نكتة ضائعة. والنكتة لا احترام لها وخصوصاً إذا أمعنت في مجونها وغفلة مضامينها والانفصال عن حركة الوجود وحقيقته والموت والمزاح الذي لا يعرفه والإخطار المسبق الذي ليس من مهامه.

احترامك للموت هو تسلح يمنحك احترام الموت لك. احترامه لك في الطريقة والمكان والزمان الذي يختاره في مباغتته واختياره لك.

تظل في قلعة صامدة بدأبك على احترام الموت؛ وتظل في عراء منتهب بخوفك منه من دون سجل يقدم هيبتك له.

في الفضاء العام من الممارسة السياسية اليوم؛ تظل مشكلة النظم السياسية المستبدة أنها في حل من احترام الموت عدا الخوف منه، والدليل أنها تمارس وبشكل يومي فعل الإماتة من الباطن. كأنها مكلفة به؛ بل هي قاتلة للحياة من حولها. معنية بحياتها هي والمنتفعين من وجودها وامتيازاتها. وقبالة توهم التكليف الذي اطلعت عليه وباشرته، لا مكان لاحترام أي كائن عداها؛ عدا المنتمي إليها، وعدم احترام الموت أو الإماتة التي تمارسها تجعلها بمعزل عن تلك القيمة؛ لكنها في الصميم من الخوف. الخوف من أن تنتبه على نفاد صلاحيتها من الوجود؛ ما يجعلها أكثر موهبة في الذهاب طويلاً في التفويض الوهمي والمصطنع لممارسة فعل الإماتة.

الإماتة انسجام مع حس وحقيقة الخوف أكثر منه انسجاماً وملاءمة مع وعي الاحترام لحقيقة الموت وما بعده


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/584028.html