صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3332 | الجمعة 21 أكتوبر 2011م الموافق 19 رمضان 1445هـ

كيفية الحصول على الجنسية «الإسرائيلية»

الكاتب: محمد عبدالله محمد - Mohd.Abdulla@alwasatnews.com

قبل أيام أبرِمَت صفقة للأسرى، بعد مفاوضات دامت لأكثر من أربعة أعوام. طرفا الصفقة هما حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل، قضَت بأن تفرِج تل أبيب عن 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل إفراج حماس ولجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام عن الجندي الإسرائيلي/ الفرنسي الأسير، جلعاد شاليط، وهي المنظمات التي قامت بأسره خلال عملية الوهم المتبدد قبل خمسة أعوام في المنطقة الواقعة بين رفح الفلسطينية وإسرائيل.

المهم في تلك الصفقة، هو قراءة ما ورائيات تفاصيلها، والتي قد لا يعيرها البعض اهتماماً لازماً. فالصفقة قضت بإطلاق 1027 أسيراً فلسطينياً على مرحلتين. الأولى أن يتمّ إطلاق سراح 477 أسيراً، والثانية أن يتم إطلاق سراح 550 أسيراً من الأمنيين وليس الجنائيين بعد شهرين من تسليم شاليط، على أن يكون أولئك الـ 550 متنوعين مناطقياً وفصائلياً، مع مراعاة صحة الأسير ومحكوميته.

من تفاصيل الصفقة، أن تل أبيب وافقت على إطلاق سراح 54 أسيراً من أصل سبعين كانت ترفض إطلاقهم سابقاً. وقلَّصت عدد الأسرى المبعَدين من 280 إلى 40 أسيراً، مع إطلاق سراح 46 أسيراً من القدس، و5 أسرى من مناطق الـ 48 كانت إسرائيل ترفض إطلاق سراحهم. كما سيتم الإفراج عن 29 أسيرة فلسطينية، و279 أسيراً من المحكومين بالمؤبد، بينهم واحد من الجولان و25 من الأسرى الفلسطينيين ممن تعتبرهم إسرائيل «قتلة كبار» لا تغتفر أعمالهم.

من التفاصيل الأخرى في الصفقة، أن وزارة العدل الإسرائيلية قامت بنشر أسماء الأسرى الفلسطينيين الـ 477 المقرر إطلاقهم ضمن المرحلة الأولى من الصفقة على موقع الإنترنت التابع لمصلحة السجون الإسرائيلية لكي يتاح للراغبين من أسَر العائلات الثكلى الإسرائيلية (كما تسميهم وزارة الأمن الإسرائيلية) الالتماس للمحكمة العليا خلال 48 ساعة من النشر ضد أي من المشمولين في القائمة حيث يُحتم القانون الإسرائيلي هذا الإجراء كي يكتسب إقرار الحكومة صفقة التبادل صبغة قانونية ورسمية.

كذلك، فإن عناصر من الجيش الإسرائيلي التقوا شاليط فور تسليمه إلى السلطات المصرية وأخضعوه لفحوص طبية شاملة، قبل التوجه به إلى قاعدة عسكرية في منطقة تل أبيب ليلتقي أسرته، كما التقى رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال بيني غانتس ذوي الجندي للترتيب لعودة شاليط، الذي رافقه سيكولوجيون عسكريون حتى يتأقلم من جديد مع بيئته. كما منع الجيش ممثلي وسائل الإعلام الاقتراب من شاليط، وقام طاقم تصوير خاص بالجيش بتوثيق عودته إلى إسرائيل في شريط وزَّعه لاحقاً على وسائل الإعلام.

كلّ هذه الترتيبات الإسرائيلية المبالغ فيها، هي من أجل أحد مواطنيها الذين أسروا لمدة خمسة أعوام. هنا، ربما ليس من الصحيح ولا من المنطق أن نتعلَّم من إسرائيل أخلاق المعارك، لكننا يُمكن أن نتعلَّم منها كيف تهتم بمواطنيها. ومادام قابيل قد اهتدى بغراب ليواري ذنبه في قتل أخيه هابيل فلا ضير فيما سوى ذلك إذاً، «فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ»(المائدة: 31).

من سجون أبي غريب، إلى غوانتنامو، ومروراً بسجن بوكا، إلى سجون الداخل العربي، حيث سجناء الرأي، ترى كيف يُعامَل السجين العربي في وطنه، فضلاً عن معاملته، أو الاهتمام به وهو في خارج أرضه. عشرات من العرب والمسلمين يقبعون في سجون الأرض من دون أن يسأل عنهم أحد، في حين يتحوَّل السجين الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي وخلافه، إلى عنوان أيّ مفاوضات تجري بين حكومات تلك الدول وأطراف الأسر. نتذكر الرهينة البريطاني فرانس بارنار في الصومال، إلى الرهينة الإسبانية في مالي آليسا غاميز، مروراً بالرهينة الفرنسية لدى فارك إنغريد بيتانكو، فضلاً عن الأسرى الأميركيين الثلاثة في إيران شين باور، وسارة شورد، وجوش فتال.

هذه هي حقيقة أوزان البشر. ففي بلد ما يُساوي الفرد قيمة ما يساويه الآلاف أمثاله من بلدان أخرى، في حين لا يساوي آخر سوى عفطة عنز مع شديد الأسف، حتى ولو كان في بلده ووطنه. بل الأكثر من ذلك، فقد تتساوى فردة حذاء، أو قبعة عسكرية لمواطن من إحدى الدول مع المئات من الأفراد من دولة أخرى بلحمهم ودمهم، كما جرى في عملية التبادل في لبنان. وربما تتساوى صور مواطن أسير، مع قيمة العشرات من الأفراد الآخرين، كما جرى في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2009 عندما أطلقت إسرائيل سراح 20 أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو يتضمن معلومات عن حالة جلعاد شاليط.

ليس غريباً أن نتذكر أيضاً، أنه وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1983 أطلقت إسرائيل سراح 4700 أسير فلسطيني ولبناني من سجن أنصار في الجنوب اللبناني، و 65 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين كانت تحتجزهم حركة فتح، بمعنى أن كلّ جندي إسرائيلي كان يساوي 794 من الفلسطينيين واللبنانيين. هذه أحوال البشر ومنازلهم، على رغم أنهم من صلب واحد وأب واحد ودم أحمر. هنا، أتذكر ما كان يقوله ابن السَّماك: لولا ثلاث لم يقع حَيْفٌ ولم يُشهَر سَيْف: لقمة أسْوَغ من لقمة، ووجه أصْبَح من وجه، وسلك أنعم من سلك


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/602744.html