صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3370 | الإثنين 28 نوفمبر 2011م الموافق 18 رمضان 1445هـ

ملاحظات تاريخية واقتصادية على تقرير بسيوني

الكاتب: محمد حميد السلمان - comments@alwasatnews.com

ونحن نطل من النافذة الثانية على تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق نقف في هذه الإطلالة عند بعض تفاصيل التقرير في جانب آخر، وهو الجانب التاريخي. فمع أن الأمر الملكي رقم 28 المؤرخ في 29 يوليو/ تموز 2011 والصادر بتكليف اللجنة بعملها لم يتضمن ضرورة كتابة خلفية تاريخية واقتصادية ودينية عن البحرين؛ إلا أن التقرير وضعها ضمن الفصل الثاني من فصوله وأفرد لها الصفحات من 29 حتى 41. ويبدو من صياغة هذا الجزء أن لا أحد من أعضاء اللجنة، مع احترامنا لهم، هم من كتب هذا الفصل لعدم إلمامهم بتاريخ جزر البحرين أساساً ولما يتطلبه ذلك من جهد بحثي علمي موثق جداً ربما لم يكن هناك متسع من الوقت لهم لينجزوه. ولذا يلاحظ على هذا الجزء من التقرير، وهو مهم بقدر أي جزء فيه وإلا لما كُتب، أن المعلومات الجغرافية التي جاءت تحت رقم أولاً: معلومات أساسية عن البحرين، هي غير صحيحة. ولا نشير إلى ذلك اعتباطاً بل استناداً إلى معلومات جهاز المساحة والتسجيل العقاري لمملكة البحرين والتي صارت ضمن المناهج المدرسية والجامعية في المملكة اليوم. فتحت عنوان «جزر البحرين وإجمالي مساحتها في أغسطس/ آب 2008» يذكر جهاز المساحة بأن عدد جزر أرخبيل البحرين يصل إلى 84 جزيرة وجُزيرة، منها 51 جزيرة طبيعية و33 جُزيرة اصطناعية. بينما يفتتح التقرير معلوماته عن البحرين بقوله «توصف البحرين جغرافياً بأنها أرخبيل يتكون من ثلاث وثلاثين جزيرة»! وهذه المعلومة قديمة جداً منذ أيام الحماية البريطانية قبل الاستقلال في الستينيات وقد عفا عليها الزمن. ثم يضيف خطأ آخر حين يضع مساحة جزر البحرين الحالية (84 جزيرة وجُزيرة) وهي نحو 760 كم مربع على أنها مساحة تلك الجزر الثلاث والثلاثين. ومعلومات أخرى مشوشة في الموضع نفسه حين يذكر أن أقرب الدول المجاورة للبحرين هى فقط قطر والسعودية وإيران، مع أن دولة الإمارات وعُمان والكويت هي أقرب مسافة براً من المسافة البحرية بين البحرين وإيران.إما إذا نظرنا لخريطة الخليج العربي، بعيداً عن المقاييس الجغرافية، فسنجد أن جمهورية إيران الإسلامية تقع شمال شرق البحرين وليس جنوب شرقي البحرين كما يذكر التقرير.

أما في الفصل الثاني فنقرأ عنوان: لمحة تاريخية عن البحرين. وهذا أيضاً تتخلله أخطاء تاريخية لا يغفل عنها إلا غير المتخصص في هذا المجال. فالتقرير يدّعي بأن البحرين بقيت تحت حكم الخلافة الإسلامية منذ العام 629 ميلادية حتى وصول البرتغاليين للخليج والسيطرة على جزر البحرين، وهذا مُناف للحقائق التاريخية تماماً. فجزر البحرين لم تستمر تحت حكم الخلافات الإسلامية الكبرى وليس خلافة واحدة طوال تلك المدة (الراشدة، الأموية، العباسية، العثمانية) ناهيك عن الصغرى. فأين الحركات الانفصالية والدول المناهضة التي قامت ضد الخلافة الإسلامية واتخذت إمّا من البحرين مقراً لها أو كانت البحرين ضمن سيطرتها كالدولة القرمطية. ثم أن البحرين لم تكن يوماً ما تابعة للخلافة العثمانية ولا أُرسل لها أي مسئول عثماني يتولاها حتى يذكر بأنها بقيت تحت حكم الخلافة الإسلامية بهذا التعميم. وهنا وجب التنويه ليس من باب أن التقرير كتاب تاريخ ولكن من باب الأمانة العلمية والحقيقة التي جاء التقرير ولجنته للبحث عنها في البحرين، أليس؟

أضف إلى ذلك، استعانة التقرير بمرجع ليس متخصصاً في موضوع تبعية البحرين إسمياً للحكم البرتغالي في الخليج وكان بشكل متقطع بين أعوام 1521 - 1602. ولذا أطلق على فترة الحكم تلك مصطلحاً خاطئاً وهو «احتلال» القوات البرتغالية للبحرين في الفترة من 1521م إلى 1602م. والصحيح هو غزو البرتغاليين للبحرين عام 1521 وليس احتلالاً، لأنها كانت تابعة أساساً لمملكة هُرمز قبل سيطرة قبائل الجبور عليها، وما حدث بين يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من العام 1521 على يد المدعو (أنطونيو كوريا) هو إعادة الغزو وإعادة السيطرة عليها باسم الهرامزة. ولذا لم يكن هنا في البحرين أي حاكم أو مسئول برتغالي قط برفقة قوات برتغالية لإدارة أمور البحرين طوال تلك الفترة، وبسبب المرجع غير المتخصص حدث هذا الخطأ التاريخي. كما أن حاكم البحرين العام 1783 هو الشيخ نصر آل مذكور من قبيلة المطاريش العُمانية، وكان يدفع إتاوة سنوية لحكام فارس وهذا كان عنوان الولاء السياسي في قاموس تلك الفترة من الأوضاع السياسية في الخليج. والغريب في الأحداث التي وقعت في البحرين وحولها بين أعوام 1783 - 1811، أن التقرير تغافل عن كل الكتب والبحوث الحديثة والتقارير البريطانية التي ملأت مئات الصفحات عن جزر البحرين، واستعان بكتابي فؤاد خوري «القبيلة والدولة»، وكتاب (Juan Cole) الموسوم بـ (Sacred Space and Holy War: The Politics, Culture and History of Shiite Islam)، ولا نعلم ما هو السبب في ذلك!. ثم في ص 33 يذكر التقرير أمراً يبعث على التساؤل، وهو أن مجلس التعاون الخليجي الذي تم إنشاؤه العام 1981 ما هو إلا منتدى لتنسيق السياسات في مختلف المجالات بما في ذلك الأمن والتنمية الاقتصادية. ولسنا ندري كيف يكون مجرد (منتدى) ملزم في قراراته كافة دول المجلس وهو ليس بجامعة ولا اتحاد بأي شكل من الأشكال؟ فهل هو عطب في الترجمة من الإنجليزية إلى العربية كما هي بقية الأخطاء في ترجمة التقرير من وإلى اللغتين وليس من الانجليزية إلى العربية فقط، حيث أن بعض أسماء الكتب وكتابها تُرجمت خطأً من العربية إلى الإنجليزية في النسخة الإنجليزية من التقرير المذكور. كما أن هناك فقرة مهمة جداً ضمن الخلفية التاريخية في ص 34 تحت الرقم 51 حيث يذكر التقرير فيها وجود عدد كبير من رعايا خمس دول ضمن المنظومة العسكرية وهي (العراق، الأردن، سورية، باكستان، اليمن)، ولسنا ندري لماذا أوردها التقرير بهذا التفصيل.

ومرة أخري ضمن نفس الخلفية التاريخية الاقتصادية نجد خطأين وليس واحداً في موضوع اكتشاف النفط في الخليج والبحرين. حيث يذكر التقرير أن البحرين كانت أول دولة عربية في منطقة الخليج يتم اكتشاف النفط الخام فيها العام 1931. والصحيح أن البحرين هي أول دولة عربية خليجية ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي يكتشف فيها النفط مبكراً وليس ضمن الخليج وإلا أين نضع العراق العربي الخليجي وقد تم الاكتشاف النفطي الأول فيه، وهو حقل كركوك الضخم، في العام 1927 بعد منح امتياز نفطي لشركة نفط العراق بعامين؟ ثم أن نفط البحرين لم يكتشف عام 1931 وإلا لأصبحت كل معلومات طلبة البحرين والخليج عن النفط في البحرين خاطئة. فاستناداً لتقرير شركة نفط البحرين الوطنية لعام 1992 بعنوان «من اللؤلؤ إلى النفط: ستون عاماً من النفط في البحرين»، يذكر أن النفط الخام اكتُشف في البحرين في 2 يونيو/ حزيران 1932 من بئر رقم 1 عند سفح جبل الدخان والذي بدأ التنقيب فيه في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1931


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/611337.html