صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3432 | الأحد 29 يناير 2012م الموافق 19 رمضان 1445هـ

اقتصاد السوق والأخلاقيات... أسئلة وتساؤلات!

الكاتب: منبر الحرية - comments@alwasatnews.com

يعترف معظم المراقبين والخبراء الاقتصاديين بأن الأزمة المالية التي تعرض لها العالم وبشكل خاص الدول الرأسمالية، لم تخرج عن دائرة الأزمات الدورية التي لا تسلم منها السوق الحرة والاقتصاد الرأسمالي بحكم آليته ونظام عمله. وأكثر ما أكدته الأزمة المالية هو الدور المؤثر والضروري للدولة في الرقابة على السوق وضبطه. وكما رأينا فإن البنوك المرتبطة بالدولة لم يشملها اهتزاز السوق والأزمة المالية الخطيرة، خلافاً لبنوك الاستثمار أو التي تقدم القروض للسكن التي لا تخضع لأية رقابة من قبل.

وعند الحديث عن هذا الموضوع فلابد أن يدخل الفيلسوف الأسكتلندي آدم سميث على الخط، إذ إن أنصار الأخير من دعاة السوق الحر أكدوا في تطبيق نهجهم على جانب واحد من أفكار سميث والتي طرحها في كتابه المعروف «ثروة الأمم» الذي ألفه العام 1776. ففي هذا الكتاب ركّز آدم سميث على أهمية السوق الحرة في تطور واستقرار النظام الرأسمالي. إلا أن «سميث» نفسه عاد ودقق في أفكاره عندما ألّف كتاباً آخر تحت عنوان «نظرية المشاعر الأخلاقية»، ركز فيه على العامل الأخلاقي وليس على أنانية المنافع الشخصية في المجتمع الرأسمالي، والذي يتطلب تدخل الدولة لتفعيل هذه الأفكار.

الدوافع الأساسية التي تحرك الحياة الاقتصادية لدى آدم سميث تتركز في المصلحة الذاتية، حيث يمثل السعي إليها‏ بصورة فردية وتنافسية‏‏ مصدر القدر الأكبر من الخير العام‏،‏ ومن أشهر أقواله: «إننا لا نتوقع غذاءنا من إحسان الجزار أو صانع الجعة أو الخباز،‏ وإنما نتوقعه من عنايتهم بمصلحتهم الخاصة‏، نحن لا نخاطب إنسانيتهم‏،‏ وإنما نخاطب حبهم لذواتهم‏»،‏ حيث إن الفرد‏ في هذه الحالة، شأن غيرها من الحالات، تقوده يد خفية نحو تحقيق غاية لم تكن جزءاً من مقصده،‏ وبفضل هذه اليد الخفية،‏ وهي أشهر استعارة في الفكر الاقتصادي‏، فإن الشخص الذي يجمع الثروة لنفسه،‏ والذي كان موضع ارتياب وشكوك وسوء ظن أصبح بسبب مصلحته الذاتية عاملاً من أجل المصلحة العامة. بينما إذا ما نحينا جانباً ما أثبته التاريخ من رؤية سميث المتعلقة بأفضلية اليد الخفية في تحقيق المصلحة العامة‏، فقد كشفت الأزمات الدورية لاقتصاد السوق الحرة (وخاصة الأزمة المالية العالمية الأخيرة) ما قادت إليه اليد الخفية من اختلالات في توزيع الثروة وإخفاقات في تخصيص الموارد‏. وبغض النظر فيما إذا كانت نظرية سميث قابلة للترجمة والتطبيق في كل زمان ومكان، وأيضا بمنأى عن مواقف واجتهادات بعض الاقتصاديين التي أشارت إلى أن هذه النظرية كانت قد أسهمت في تكريس الفقر العالمي، فإنه من المشروع السؤال حول ما آل إليه واقع الحال وما خص قانون المنافسة ومنع الاحتكار، هل تمكن هذا القانون من الوقوف بوجه الأزمة المالية العالمية وجشع التجار... إلخ؟ إن هذا ما يستحق تحليلاً لاحقاً لإخفاقات السوق الحرة.

وبالإتكاء على ما تقدم، فإن ما شهده العالم نتيجة الأزمة المالية جعلت النظريات الرأسمالية واقتصاديات السوق الحر تقف على المحك، وأن ما واجهها هو بلاشك الأخطر في تاريخها منذ القرن التاسع ‏عشر، وهي تسعى جاهدة في تصحيح مسارها بنفسها، تماماً كما فعلت في أزمات سابقة لا تقل تفاقماً وخطورة، ‏واعتماداً على قوانينها هي بالذات.

أما الأخلاق بمختلف نصوصها وفلسفاتها فإنها من بين أهم المكتسبات التي بدأت تفقد حضورها شيئاً فشيئاً بفعل تأثير ثقافة العولمة واقتصاديات السوق الحر وما تملكه من قوة جذب وإغراء.

وكما هو معروف فإن الأخلاق عبارة عن مجموعة القواعد السلوكية للأفراد، في المجتمع «وهي التي تميز مفهومهم، عن «العدل واللاعدل»، الخير والشر، الشرف والإهانة... إلخ، وعلى خلاف القواعد القانونية، فإن القواعد الأخلاقية ليست مدونة، لكنها مدعومة بقوة الرأي العام، التقاليد، الأعراف، التربية وقوة المشاعر الباطنية للأفراد، فهي بهذا المعنى، تحدد اتجاه الناس فالقواعد الأخلاقية تتطور مع المجتمع، تحت تأثير التغيرات المحلية، الوطنية والدولية، في الاقتصاد، السياسة وخاصة علاقات الإنتاج، وهي بهذا المعنى، تبرز مع التناقضات الطبقية التي تعبر عن المصالح الطبقية. ففي المجتمعات البرجوازية وكما هو حاصل في العالم الرأسمالي البرجوازي «اقتصاد السوق» وبوصفها عنصراً من البنية الفوقية، تمارس الأخلاق تأثيراً في كل الجوانب الحياتية والمجتمعية. وبفضل العلاقات التي تخلقها بين الناس، العمل والملكية، فهي تؤثر في النشاط الاقتصادي.

هنا يبرز الحديث عن الأخلاق الرأسمالية التي تلعب دوراً نفعياً «احتكارياً»، في تطور المجتمع. ومهمتها الاجتماعية الأساسية هي: الدفاع وتغليب المصلحة الخاصة «الاستغلال» التي هي قاعدة الرأسمالية المتجددة، في ثوب العولمة الاقتصادية. ذلك أن الرأسمالية تتحدد عن طريق المصلحة الخاصة، فهي التي تفرق بين الناس وتحولهم إلى أعداء متنافسين أو متصارعين، من أجل أقدس مقدسات الرأسمال وهي الربح، لذلك، ففي سعيهم الحثيث نحو الربح، فإن الرأسماليين «أفراد ومؤسسات» يدوسون على كل القيم الإنسانية، فمصير الناس الذين يوجدون في محيطهم، بلدهم أو المجتمع الإنساني برمته، لا يعنيهم مطلقاً، إنهم يضعون مصالحهم الأنانية، فوق كل اعتبار.

أما الفردانية المطلقة، فهذا هو المبدأ الأساسي، للأخلاق الرأسمالية. «فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان» أو «كل لمصلحته والدين للجميع» وهذه هي القواعد التي تنبني عليها الأخلاق الرأسمالية ومن ثم النظام الاقتصادي العالمي، الجديد أو المتجدد.

هذا وعلى رغم توقعات المحللين وخبراء الاقتصاد بأن الرأسمالية ستنجو من الأزمة المالية حتى وإن أدت إلى ركود كبير، ونظراً لعدم وجود بديل لم يتم إثبات عدم موثوقيته بصورة معمقة. كون البدائل السوفياتية، والماوية، والإيطالية الميركنتلية... وغيرها، تمثل بدائل غير فعالة على أقل تقدير! إلا أنه من الإنصاف القول أيضاً أن الرأسمالية بعد ‏سبتمبر/ أيلول 2008، لن تكون كما كانت عليه قبلها، ويرجح الخبراء أن نظريات حاكمة للنظام الرأسمالي «دعه يعمل دعه يمر» ‏و «اليد الخفية» ستجري إعادة صياغتها من جديد، والأرجح لصالح دور أعلى لـ «رأسمالية الدولة» التي تعزز فرصها ‏وحظوظها عمليات التأميم الجزئي والكامل لمنشآت وبنوك عملاقة، ولصالح دور تنظيمي أعلى للدولة في ‏الحياة الاقتصادية.‏

والأرجح أن التداعيات الاجتماعية الكارثية للأزمة الاقتصادية العالمية، ستفرض على «نظريات السوق» بعداً ‏اجتماعياً جديداً.

خلاصة الحديث، أنه وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة لن يكون لرأس المال وحده وكذلك السوق الحر، ‏الكلمة الفصل في تقرير مصائر البشرية. فالليبرالية الاقتصادية غير المقيّدة وغير المنضبطة إلا لقوانين السوق وقواعده، ما عادت نظرية يمكن ‏الدفاع عنها طويلاً.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/625336.html