صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3573 | الإثنين 18 يونيو 2012م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ملف الأطباء المحرج جداً

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

من الملفات التي ستبقى عالقةً بالذاكرة الشعبية لعقودٍ مقبلة، وتدخل باب الأدب والسياسة والغرائب والعجائب والفنون، ملف الأطباء الذي ابتدأ بمعالجة الجرحى والمصابين... وانتهى إلى التعذيب والمحاكم والسجون.

في هذه الحادثة الغرائبية التي لم تكن تخطر على قلب بشر، تحوّلت مجموعةٌ من خيرة الكوادر الطبية البحرينية، إلى مجموعةٍ من القتلة والسفاحين الذين يتلذذون بتوسعة جروح المصابين، ويتعمدون قتلهم لتشويه سمعة الدولة والأمن العام. ودخلت روايات أكثر خرافيةً على طريقة أجاثا كريستي، بادعاء بعض وسائل الإعلام المحلي تعمّد الأطباء جلب أكياس الدم لنشرها على ملابس الجرحى للتهويل من الإصابات. والمؤسف أن هذه الخزعبلات وجدت من يصدّقها ويدافع عنها حتى بعد أن أسقطتها محكمة الاستئناف العليا!

هذا الملف سبّب للدولة - ولايزال - الكثير من الحرج والإرباك، بعدما أصبح لقمةً يغص بها آكلها. وفي الأشهر التي بدا فيها الاهتمام بالحدث البحريني في الإعلام العالمي يخبو، برز ملف الأطباء ليعيده إلى السطح، حيث تفاعلت معه عواصم الدول الكبرى، ومنظمات حقوق الإنسان والاتحادات النقابية وروابط الأطباء في بقاع شتى من العالم.

استهداف هذه الشريحة ذات التعليم المتقدّم، بهذه الصورة البالغة السوء، وتشويه سمعتها وتلفيق التهم الباطلة ضدها، كان سيدفعها حتماً إلى مقاومة هذا الظلم بشراسة. وهذه الفئة تتوافر لديها كل مؤهلات الدفاع عن النفس، من امتلاك الحجة البالغة والمنطق العلمي، والنفاذ السهل لوسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة الوصول إلى وسائل الإعلام العالمية، صحفاً وفضائيات، لطرح قضيتها بأكثر من لغة ولسان، فضلاً عن الشعور العميق بالظلم والتواطؤ والخذلان.

قبل أشهر كتبت: لو كنت مستشاراً للحكومة لنصحتها بإخلاص، بإنهاء هذا الملف في أقرب فرصة، لكن يبدو أن هناك من يرى المضيّ فيه إلى الشوط الأخير، حتى لو انتهى بالاصطدام بجدارٍ أسمنتيٍّ مسدود.

كانت هناك فرصة أولى تمت إضاعتها في التخلص من هذا الملف المزعج، حين صدر تقرير لجنة تقصي الحقائق بزعامة البروفيسور المصري محمود شريف بسيوني. وضاعت فرصةٌ أخرى حين بعثت بعض الاتحادات والجامعات الطبية مناشداتٍ لإطلاق سراح الأطباء وتبرئة ساحتهم مما لُفّق ضدهم. وضاعت الفرصة الثالثة يوم الخميس الماضي حين أصدرت محكمة الاستئناف العليا أحكاماً بسجن نصف الطاقم الطبي، رغم تبرئة النصف الآخر، وإسقاط التهم الكبرى التي لم تعد مقبولة لدى الرأي العام المحلي والعالمي، كاحتلال مجمع السلمانية الطبي وحيازة الأسلحة والذخائر والتسبّب في وفاة جرحى عمداً.

في تلك الفترة، مهّدت بعض الجهات الطريق لاستهداف الأطباء، وجرى ترويج قصة الأسلحة، ولكن دخل عامل التقنية الحديثة على الخط. فقد جرى تداول صور ولقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تبيّن قيام أشخاص مجهولين بتكسير زجاج عددٍ من السيارات في مواقف السلمانية ووضع أسلحة داخلها. ورغم أن ذلك أحبط هذه المحاولة، إلا أن هناك جهات صحافية وتلفزيونية استمرت في المخطط ووجدت شريحةًً من الجمهور يصدّقها رغم ضعف الحبكة الروائية.

هذا الحدث يطرح إشكاليةً فكريةً وثقافيةً كبرى في المجتمع البحريني المعاصر، عن قابلية تصديق الطرح الخرافي في وقتٍ كنا نظن أننا تجاوزنا منذ عقود، الخزعبلات وقصص «أم حمار» و «أم الخضَر والليف» التي كانت الأمهات يحشين عقول أطفال الجيل الماضي بهذه القصص الخرافية قبل النوم.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/676060.html