صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3600 | الأحد 15 يوليو 2012م الموافق 19 رمضان 1445هـ

هو من الرعيل الأول من المشرفين الاجتماعيين... عبدالعزيز السمَّاك:

فريق «الحطب» في الخمسينات كان مثالاً للتعايش بين كل الأديان والمذاهب (1-2)

ولد ضيفنا في فريق الحطب بالمنامة (والذي يسمى حالياً فريق كانو) في منتصف الأربعينات. رباه خاله المرحوم الحاج إبراهيم بن الحاج محسن الخور، وقد ارتبط بخاله وبالعمل في دكانه، حيث كان لديه دكان في الفريج، والدكان وقتذاك هو الملتقى لأهل الحي، وكذلك للشراء والتزود بالحاجيات. ومن ذكرياته، أو من أجمل الذكريات، هو أن ذلك الفريق الذي تربى فيه في تلك الفترة، يعتبره اليوم من أفضل الأماكن التي يمكن أن تذكر بالخير، لأن هذا الفريق كان فيه كل ما تفكر فيه من الطوائف التي عاشت في البحرين العرب، السنة، والشيعة، والعجم، والهنود بجميع طوائفهم، وكذلك فيه المسيحيون، واليهود، فكان الفريق مجمعاً، وملتقى لجميع هذه الطوائف وهذه الأجناس، وكلهم يعيشون مع بعض، ويلعب أطفالهم مع بعض، بكل ما تصوره بساطة الحياة في تلك الحقبة، حياة بسيطة، جميلة، وأجمل ما فيها، أن البيوت مفتوحة على بعضها بعض. في حديثنا مع ضيفنا عبدالعزيز السمَّاك (بوفواز).. ما يحلو في هذه السطور:

ما هي قصتك مع المرحوم عبدالله الشروقي (بو سعدالدين).. هل هو من سجَّلك في المدرسة؟ وكيف؟

- لعلني آخذك إلى معلومة مهمة تتعلق بذهابي إلى المدرسة.. فمن أجمل الذكريات أن من أخذني للمدرسة هو المرحوم عبدالله الشروقي، وكان يعمل في بلدية المنامة حتى آخر لحظات حياته.. أخذني مع ابنه سعدالدين الشروقي، وهو من سجلني في المدرسة، ومنذ ذلك اليوم، في أوائل الخمسينات، التحقت بالدراسة، وتربيت مع سعدالدين الشروقي، والمدرسة كانت تضم مرحلة (الحضانة أو الروضة)، وبها صفان.. والحديث هنا عن المدرسة الشرقية في بيت العريض، وكنا في تلك المرحلة في مدة عامين نكمل الروضة أو الحضانة، ثم ننتقل من الروضة إلى المدرسة الغربية التي هي الآن مدرسة أبي بكر الصديق، وفي تلك المدرسة كانت الدراسة موزعة على فترتين صباحاً ومساءً، وكان مديرها آنذاك المرحوم حسن جواد الجشي أي في العام الدراسي (1945 – 1955)، ويتوجب على الطالب في المدرسة الغربية أن يدرس أربعة أعوام ابتدائي، إلى أن يحصل على الشهادة الابتدائية، وقد أخذتها في العام 1958، وكانت مراسيم إتمام الشهادة الابتدائية في ذلك الوقت، وكأنها إتمام الثانوية في هذا العام.

من الروضة إلى معلم ابتدائي

جميل أن نعود إلى مرحلة الطفولة، كما هي الحال مع كل ضيوف حديث الذكريات.. فزدنا؟

- لم تكن المرحلة الإعدادية قد أدخلت في مراحل الدراسة بعد آنذاك، فبعد المدرسة الغربية، تم نقلنا إلى مدرسة المنامة الثانوية التي تقع مقابل حديقة الأندس، فيها درست لمدة عامين دراسة عامة، وعامين تخصص، واخترت تخصص معلمي الابتدائي، وتخرجت.. طبعاً خلال تلك الفترة.. تعرف الأمور التي تمر علينا، نظراً لظروفنا الحياتية، فقد دخلنا الكثير من الأعمال ونحن نتعلم وندرس، فقد كنا في العطل الصيفية نعمل.. أنا في فترة من الفترات عملت عامل بناء لتوفير احتياجات الدراسة، وكذلك عملت مع الوالد في سوق السمك، وكذلك عملت مساعد سباك في بناية الزامل بالمنامة، وكل هذه الظروف، بلا شك لها دور في صقل شخصيتي، بالإضافة إلى العمل مع خالي.

أذكر المدراء الذين مروا علينا في الحضانة، ومنهم المرحوم الأستاذ محمد أحمد جاسم، والأستاذ المرحوم علي تقي، وكذلك من الزملاء من أذكرهم جيداً، ولي علاقة قوية بهم، فمنهم من عمل وتقاعد في قوة دفاع البحرين كالصديق عبدالرسول حميد لطف الله، ومنهم الصديق جعفر رضي، والصديقين عبدالعزيز لطف الله، والمرحوم السيد جلال، ومنهم أصدقاء الدراسة واللعب، مثل ابن عمي، وصديقي المقرب منذ أيام الطفولة حتى الآن مهدي صالح النهاش، وشقيقه علي صالح النهاش، وكنا في نفس المرحلة العمرية، أضف إلى ذلك عدداً من الجيران الذين أذكرهم تماماً، منهم الفنان عبدالكريم العريض، وهو جار المنزل، وكنا نلاحظ أنه يقيم المعارض، وكان يرسم اللوحات في داخل الفريق، وكان من الرسامين الموهوبين منذ صغره، فمن الأشياء التي أذكرها، أنه رسم باب بيتنا بالمنامة (دروازة قديمة)، كانت من بين عشرات اللوحات التي كان يعرضها في محل له لبيع اللوحات في شارع الشيخ عبدالله ويشتري منه السوَّاح الأجانب، والزوار الذين يحبون التراث، والهندسة المعمارية البحرينية القديمة، وقد رسم العريض كل زوايا الفريق.. كان يأتي فيأخذ زوايا معينة، ويقوم برسمها، وتظهر بصورة جمالية رائعة، وكان لديه فكر فني متقدم، ومن الأشياء الجميلة، أنه حين نجلس معه وكأنك جالس مع مؤرخ، فيتكلم عن التاريخ بكل سلاسة.. وليس التاريخ العربي فقط، بل حتى الأوروبي، وعن الحرب العالمية الثانية.

وكان من جيراننا كذلك أشقاؤه صالح وطاهر العريض، وجيراننا من جهة الشرق بيت (عتيق)، وهؤلاء جيران طوال ملازمتنا الفريق، وعندنا من الشخصيات الذين نذكرهم الحاج عبدالمحسن المخرق، الذي اشتهر بأنه حين يمشي في الفريق لها هيبة، وكان الأطفال الصغار، من بنات وصبية، يهربون حيث يرونه مقبلاً.

شخصيات (منامية) أحببتها

الحاج محمد المخرق، و(بوصالحين)، و(مرزق).. من هم بالنسبة لك بوفواز؟

- هم من الناس الذين أحببتهم من الشخصيات المنامية.. اذكرهم.. كالحاج محمد المخرق، أذكر أنه من الشخصيات التي تراها بهيبة خاصة، حيث يمشي في الفريق ولا تسمع له صوت! وحتى إذا تحدث فإنه يتحدث بصوت هاديء، على العكس من الحاج عبدالمحسن المخرق، وكان في الفريق ابن عم زوجتي، بوصالحين! ولست أدري سبب هذه التسمية، مع أن ابنه الأكبر كان اسمه (جعفر).. والحاج بوصالحين هو المحامي حسين النهاش، وهناك أيضاً جيراننا بيت القيدوم.. على العموم.. وقتذاك لم نكن نشعر بالغربة، ولا واحد من الناس يشعر بالغربة في الفريق، بل يشعر بأنه بين أهله، وهذا الشعور بين هذه العوائل إلى اليوم، حيث تربطنا بهم علاقات قوية، وإذا التقينا مع الأحياء منهم، أو مع أولادهم في المناسبات، نرى أنفسنا كأننا مع العائلة.

وهناك عوائل كثيرة كان لها دور مهم في الفريق.. من تلك الشخصيات الأخ (مرزوق)، صاحب المخبز الوطني، واسمه (مرزق أحمد)، فهذا الشخص دائماً أذكره بأنه صاحب خير، وصاحب فضل في الفريق، وكان يعطي ويقدم دون أن يمن على أحد، فهو من الناس الذين كانوا يعطون ولا يأخذون، إلى أن اختاره الله وهو واقف على رجليه، وهو يعطي للمآتم الحسينية، ولم يرد محتاجاً.

نهم القراءة مع «كليلة ودمنة»

حدثنا عن لقائك في المكتبة مع المرحوم محمد حسن صنقور، وكتاب «كليلة ودمنة»؟

- بالنسبة لفترة الشباب، بدأت أعشق القراءة، وأنا في الحقيقة أعشقها منذ كنت في المرحلة الابتدائية من قبل، وفي ذلك الوقت، الحالة المادية لم تكن تسمح بشراء الكتب، وأتذكر أنني نُصحت من بعض الزملاء أن أذهب إلى المرحوم الأستاذ محمد حسن صنقور، وكان هو المسئول عن المكتبة العامة بوزارة التربية والتعليم، وهي مقابل المدرسة الشرقية، وقد ذهبت إليه، وطلبت منه أن أستعير كتباً، وأشارك في المعارض، فقال لي «أنت صغير»، فقلت له «ثق بي»، وأذكر أول كتاب أعطاني إياه وهو كتاب «كليلة ودمنة»، وقال «اذهب واقرأه»، ومن هنا بدأت سلسلة القراءة، إلى أن وصلت إلى المرحلة الثانوية.. كانت الهواية الأساسية هي القراءة، وكنت بدأتها بالقصص، ثم تنوعت بعد ذلك، ففي تلك المرحلة، وحين نصل إلى المرحلة الثانوية في الستينات، هي بداية الحركات التحررية والسياسية في الوطن العربية، بالإضافة إلى أننا نعيش في بيئة دينية، إلا أنه تكونت عندنا في هذه الفترة الكثير من الإرهاصات. وبدأت تتحسن الأوضاع حين بدأت العمل سنة 1962 كمدرس، واشتريت الكثير من الكتب، وكنت مولعاً بقراءة الأدب الغربي، وهو أمر له دور في الفترة المهمة من حياتي.

كنا نعمل، أنا ومن هم من جيلي، حتى ونحن ندرس، لتوفير قوت يومنا، وتكاليف دراستنا، ولهذا، فمن الأفكار التي جاءتي حين دخلت معهد المعلمين في العام 1961، هي إنشاء مدرسة في الفريق، في بيتنا كونه كان كبيراً، وفيه حوش كبر (غرفة كبيرة من سعف النخيل)... فأسست مدرسة كبيرة، وكانت المدرسة مختلطة بنين وبنات، وبعضهم إلى الآن يذكرون بعضهم بعضاً، وبعضهم تزوجوا من بعض، وكذلك كانوا من جميع الطوائف، والكل يأتي ويدخل هذه المدرسة، واستمرت عامين.. أو بالأحرى موسمين صيفيين... وكنت لا أستطيع تدريس الأعداد الكبيرة، فاستعنت ببعض الطلاب من الصفوف العليا، لتدريس الصفوف الدنيا، وكانت الدراسة تسير بسلاستها وجمالها.

في المدرسة.. وكان يطلق عليها (مدرسة الفريق).. كنت أدرس المناهج المدرسية، مع التركيز على المواد الأساسية، ولم أدرس الاجتماعيات، ولا العلوم، لكن كنت أدرسهم اللغة الإنجليزية، الرياضيات، والعربية، وهي ابتدائية، فكان طلبة الفصول العليا يفرحون بتجربة تدريس الصفوف الدنيا.. يضحك.. ثم كان فيها فترة (فسحة).. وكان الطلاب يقضونها في التجوال بين دكاكين بيت (بن رضي)، ثم يعودون مرة ثانية إلى المدرسة، ولم يكن أحدهم يخرج إلى الفسحة ويهرب.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/688339.html