صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3924 | الثلثاء 04 يونيو 2013م الموافق 19 رمضان 1445هـ

مراجعة شاملة للقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن الصحافة والتعديلات الجوهرية المقترحة بشأنه (2)

تعطيل قانون الصحافة نتاج برلمان بصلاحيات منقوصة

الكاتب: حسين محمد البحارنة - comments@alwasatnews.com

لاشك أن الإجراءات القضائية المطولة بشأن اللجوء إلى المحكمة الدستورية، لا تؤثر على إجراءات النيابة العامة المسبقة التي اتخذت ضد الصحافي المدان فيما يتعلق بالتهمة أو الجريمة المسندة إليه، سواءً بموجب أحكام المرسوم بقانون بشأن الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002، أو وفقاً لأحكام قانون العقوبات التي يحيل إليها هذا المرسوم بقانون. إن هذه الاجراءات القضائية المتخذة ضد الصحافي أو الصحافية سواءً من قبل الشرطة أو النيابة العامة والتي ستؤدي بالصحافي أو الصحافية الموجه إليهما تهمة أو جريمة مخالفة القانون، إلى التوقيف أو السجن وكذلك الفصل من العمل مع تقييد حريتهما في كتابة التقارير الصحافية أو تصوير الأحداث أو توثيقها نظراً لتوقيفهما وحجز حريتهما في التنقل والتصرف، وذلك على أساس ما نسب إليهما مسبقاً من ارتكابهما عملاً يُجرّمه قانون الصحافة والطباعة والنشر أو قانون العقوبات أو القانونان معاً، كما يشهد بذلك واقع حال الصحافيين والصحافيات الموقوفين أو المسجونين أو المفصولين من أعمالهم والمقطوع عنهم أرزاقهم المعيشية لمدة طويلة، وذلك بحجة مشاركتهم سواءً في أحداث فبراير ومارس 2011 أو في الأحداث التي تبعتها منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخه. ولا نرى داعياً للدخول في التفاصيل فيما لاقاه الصحافيون والصحافيات من معاناة وسوء معاملة أثناء أحداث فبراير ومارس 2011 وما بعدها، وفقاً لما ورد ذكره في تقرير لجنة تقصي الحقائق لسنة 2011.

وبناء عليه، ماذا ينفع اللجوء إلى المحكمة الدستورية – بالطريقة غير المباشرة والمطولة– خلال استمرار الأوضاع السيئة التي عانى منها أولئك الصحافيون والصحافيات خلال تلك الفترة. وحتى في حالة افتراض صدور حكم من المحكمة الدستورية بإلغاء مادة أو أكثر من قانون الصحافة لعدم دستوريتها، فإن هذا الحكم الدستوري سيأخذ مدة طويلة لصدوره. ناهيك انه سوف لن يُجبر الأضرار التي عانى منها الصحافيون في السابق. وعلى هذا الأساس، فإنه نظراً للقيود القانونية المفروضة والإجراءات المطولة المطلوبة – وفقاً للمرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية – على طريقة اتصال الأفراد «ذوي الشأن» بالمحكمة الدستورية، لم يتقدم أي من الصحافيين أو الصحافيات المحجوزة حريتهم أو المقالين من وظائفهم حينذاك، بالطعن أمام هذه المحكمة على دستورية أية مادة من مواد قانون الصحافة والطباعة والنشر منذ صدوره في سنة 2002، سوى الطعن الوحيد المقدم أمام هذه المحكمة بشأن المسئولية الافتراضية الذي قرر حكم هذه المحكمة بشأنه، رفع المسئولية الافتراضية عن موزعي الكتب والمجلات وذلك وفقاً للمادة 83 من قانون الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002، وبالتالي صدر قرار المحكمة الدستورية بإلغاء هذه المادة. ولكن هذه قضية مدنية لا علاقة لها بأحداث فبراير ومارس 2011 والأحداث المأساوية التي جرت للصحافيين والصحافيات بعد ذلك التاريخ وحتى تاريخه، والتي وثقها تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر بتاريخ 23 نوفمبر 2011 في فقراته السالف بيانها.

4- بعد هذه المقدمة الوجيزة، يجب أن نبين للقارئ بأن هذا البحث قد لا يلم كلياً بالتطورات التي تمت في أروقة مجلسي النواب والشورى فيما يتعلق بالمناقشات والآراء التي طرحت بشأن مشروع القانون المعروض سابقاً على المجلسين بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر. ولكن الذي نعلمه ويجب إيضاحه هنا، هو أن لدى مجلس النواب حالياً مشروعان لهذا القانون، أحدهما كان مقدّماً من مجلس الشورى ربما في سنة 2004. ولكن يجب البيان هنا أن هذا الاقتراح بقانون المقدم إلى مجلس النواب لم يكن قد تم إعداده من مجلس الشورى. ولكن هذا الاقتراح بقانون الصحافة الذي تبناه مجلس الشورى، بناء على اقتراح أحد أعضائه، كان مشروع قانون قد أعد سابقاً منذ سنة 2001 من قبل لجنة الصحافة المنبثقة من «لجنة تفعيل الميثاق» التي أنشئت سابقاً بمرسوم ملكي رقم (6) لسنة 2001. وقد زاولت هذه اللجنة عملها لفترة وجيزة لغرض إعداد بعض التشريعات المهمة التي لها علاقة بتفعيل المبادئ الأساسية التي تضمنها ميثاق العمل الوطني المصدق عليه بالأمر الأميري رقم (17) لسنة 2001. ولكن «لجنة تفعيل الميثاق» سرعان ما اندثرت بعد توقف عملها فجأة ودون صدور بيان رسمي بإنهاء عملها أو بإلغائها، كما كان يجب. كما لم يصدر تقرير رسمي يبين الأعمال أو المشاريع التي أنجزتها على صعيد التشريع، أو التي تولت تلك اللجنة مراجعتها خلال المدة القصيرة من عمرها. ولكنها استطاعت أن تنجز مشروع قانون للصحافة الذي ظلّ طيّ الكتمان إلى حين إخراجه بعد إنشاء مجلس الشورى في 14 ديسمبر 2002.

أما المشروع الآخر فهو مشروع قانون تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب في سنة 2008 كمشروع بتعديل بعض مواد المرسوم بقانون الحالي لسنة 2002. وقد حظي هذا المشروع بإدراجه على جدول أعمال مجلس النواب في بداية الفصل التشريعي الثالث خلال شهر فبراير 2010، ولكن لم يتم أي نقاش أو أية مراجعة جدية بشأنه، كما لم يجر نقاش جدي بشأن الاقتراح بقانون المقدم من مجلس الشورى في 2004، كما أسلفنا. ولا شك أن تأخير مراجعة وإقرار تشريع جديد مهم كقانون الصحافة والطباعة والنشر لمدة ست سنوات حينذاك لهو دليل على بطء التشريع وعرقلته من مجلس النواب المنتخب الذي لا يملك سلطة تشريعية ورقابية كاملة تمكنه من إصدار تشريع مهم للجمهور وللجسم الصحافي بخاصة كهذا القانون الذي ظل على جدول أعمال هذا المجلس لمدة ست سنوات سابقاً ولا يزال لم يناقش حتى هذا الفصل التشريعي الثالث ونحن الآن قد أنهينا الثلث الأول من سنة 2013.

5- إن التعديلات الجوهرية والأساسية التي يجب أن نطرحها على المجلسين أو على مجلس النواب بالذات (والتي يتضمنها القسم الثاني من هذه الدراسة) فيما يتعلق بمراجعة المرسوم بقانون الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002، تتضمن باختصار، مراجعة المواد الأساسية التالية في هذا القانون:

(1) بعض مواد الفصل الثاني من الباب الثاني من القانون، وبخاصة المواد 4(ج)، 17، 19، 20، 22، بشأن السلطة المطلقة والفضفاضة لوزير الإعلام فيما يتعلق بتفويضه بإصدار قرار يمنع بموجبه تداول بعض المطبوعات، حسب تقديره الشخصي وبدون صدور حكم قضائي مبرر بأسبابه القانونية وذلك في ظل أحكام المادتين24،23 من الدستور والقيود المفروضة على هاتين المادتين بموجب حكم المادة 31 من الدستور فيما يتعلق بصيانة «جوهر الحق أو الحرية».

(2) بعض مواد الفصل الثالث من الباب الثالث، وبخاصة المادتان 51،50 من القانون بشأن الشروط التعجيزية التي تفرضها الوزارة على حرية إصدار صحيفة سياسية مستقلة، الأمر الذي يؤدي واقعياً إلى تقييد إصدار الصحف السياسية، فيما عدا تلك الصحف المسندة مالياً من الجهات الرسمية والتي تدور في فلك الحكومة، كما هو واقع الحال.

(3) أما أهم فصل في هذا القانون فهو الفصل السادس من الباب الثالث الذي يتعرض للمسئولية الجنائية عن الجرائم التي تقع بواسطة النشر في الصحف. ويتناول هذا الفصل المواد 68-75 التي تجرم – بدون وجه حق – رئيس تحرير الصحيفة والكتاب المحرّرين فيها.

ويجب أن نؤكد في هذا البحث على أن هذا الفصل المتعلق بالمسئولية الجنائية بالذات هو معترض عليه محلياً وصحافياً ودولياً. كما أن هذا الوضع المعترض عليه قانونياً، يدعونا إلى المطالبة برفع المسئولية الجنائية عن رؤساء تحرير وكتّاب ومحرّري الصحف والاكتفاء بالغرامة فقط في حالة الأحكام الصادرة بشأن أفراد هذه الفئة من الصحافيين نظراً لأن هذه الأحكام الجنائية ضد الصحافيين عموماً لا تتفق مع أحكام المادتين 24،23 من الدستور بشأن حرية الرأي والتعبير، ناهيك عن تعارضها مع المادة 31 من الدستور المتعلقة بجوهر الحق. كذلك، أن هذه الأحكام – وبالذات الأحكام الصادرة بشأن المسئولية الافتراضية لرئيس أو مدير تحرير الصحيفة – لا تتفق مع المادة 20 (ب) من الدستور فيما يتعلق بمبدأ «شخصية العقوبة». أما المادة 75 من الفصل السادس من القانون وكذلك المادة 83 منه فتتناولان نصوصاً مشددة ومعيبة دستورياً، ولهذا يجب إجراء تعديلات جوهرية عليهما أيضاً.

6- هذه مقترحات وتوصيات تتضمنها هذه الدراسة للمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر. إن هذا القانون، بطريقة إصداره – في حالة غياب السلطة التشريعية – وبأحكامه المتشددة والمجحفة، قد خلف ضده زوبعة من الانتقادات الصحافية المحلية والدولية لا حصر لها.

وعموماً، إذا كانت لنا كلمة أخيرة نقولها في هذه المقدمة فيما يتعلق بهذا المرسوم بقانون بشأن الصحافة والطباعة والنشر (موضوع القسم الثاني من هذا البحث)، فهي أن الحكومة قد تسرّعت في إصداره قبل شهرين فقط من تاريخ أول اجتماع لمجلسي النواب والشورى في 14 ديسمبر 2002، حين كان يجب أن يؤجل مشروع هذا القانون إلى ما بعد هذا الاجتماع للمجلسين، وخصوصاً أنه لم يكن يوجد فراغ قانوني بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر وذلك لوجود قانون سابق في هذا الشأن، وهو المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979 بشأن المطبوعات والنشر الذي لا يقل شدّةً عن القانون الحالي بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر. كما أنه لم يكن هذا القانون بالذات من القوانين التي كانت حالة الضرورة تقتضي إصداره مسبقاً وقبل تاريخ أول اجتماع للمجلس الوطني في 14 ديسمبر 2002. كذلك لم يكن هذا المرسوم بقانون من القوانين المطلوبة «لإنفاذ التعديلات الدستورية» التي أجريت على دستور سنة 1973، وذلك خلافاً لما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور التي تضمّنت تبريراً – غير مقبول قانونياً وفقهياً – لضرورة إصدار حزمة المراسيم بقوانين لسنة 2002 قبل تاريخ أول اجتماع للمجلس الوطني.

وفي هذا الصدد يجب أن نبين بأن الحكومة رأت بعد صدور دستور سنة 2002 بإرادة أميرية، أن تشرّع رزمةً من القوانين على شكل مراسيم، وفي غياب السلطة التشريعية، تلزم مقدماً بموجبها مجلسي النواب والشورى بهذه الرزمة من المراسيم بقوانين كخطة عمل أو خارطة طريق لممارسة أعمالهما التشريعية والرقابية المستقبلية في ظل القيود التي تفرضها أحكام هذه المراسيم بقوانين على هذين المجلسين المتساويين في عدد أعضائهما. ومن هذه المراسيم بقوانين، المرسوم بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر الحالي والذي يتضمنه القسم الثاني من هذا البحث. (يتبع)


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/778379.html