صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4000 | الإثنين 19 أغسطس 2013م الموافق 19 رمضان 1445هـ

السيد علي الوداعي... سيرة السماحة

الكاتب: وسام السبع - wesam.alsebea@alwasatnews.com

ظل السيد علي بن سيد يوسف الوداعي (1867 – 1955م) بعيداً عن الأضواء طيلة حياته العريضة التي ناهزت الـ 88 عاماً، وقد أعرض عن الدنيا عندما أقبلت عليه، زاهداً في المناصب ومواقع الصدارة، منصرفاً إلى العلم والنشاط التبليغي والديني.

أخذ السيد علي بن السيد يوسف الوداعي مقدمات العلوم في البحرين، وهاجر بعدها إلى النجف الأشرف وحضر بحوث الخارج على كبار علمائها، ومن أبرز أساتذته السيد ناصر بن السيد هاشم الاحسائي (ت 1939)، والشيخ محسن الجواهري (ت 1936).

ومن زملائه في الدراسة الشيخ عبدالله محمد صالح آل طعان (ت 1961) والشيخ حسين بن علي البلادي القديحي، ورجع إلى البحرين وأقام في رأس الرمان إماماً وواعظاً، وكان ذا نفوذ اجتماعي كبير. وكانت له مراسلات مع المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ت 1954) حول بعض قضايا الأمة والمجتمع.

ليس في حوزة آل الوداعي ووثائقهم المحفوظة ما يشير إلى وجود شجرة نسب للعائلة التي قيل أنها ضاعت منذ سنوات مديدة، على ما نقل عن عميد العائلة وعلمها السيد علي بن السيد يوسف الوداعي، ولعل كون أسرة آل الوداعي من غير الأسر العلمية ذات التاريخ العلمي العريق كأسرتي «آل عصفور» و»آل الغريفي» اللتين يرجع تاريخهما العلمي إلى عدة قرون، قد ساهم في ضياع شجرة نسب الأسرة، فمن المعلوم أن وجود سلسلة طويلة من العلماء في الأسرة – أي أسرة - يُسهّل من عملية حفظ تاريخها سواء عبر تناقل المرويات الشفهية عبر الأجيال أو بواسطة التوثيق الكتابي لشجرة النسب؛ فقد كان السيد علي الوداعي أول شخصية علمية في الأسرة في مطلع القرن الماضي، ولم يُعرف عن تاريخ الأسرة أنها أنجبت قبل ذلك أي شخصية علمية وإن كان أفرادها من السادة الأشراف المعروفين في المجتمع البحراني ومنطقة الخليج بالورع والتدين.

غير أن سيد فضل محمد الوداعي يؤكد أنه ومن خلال ما توفر في يده من وثائق قديمة تضمنتها مكتبة جده السيد علي الوداعي أمكن التوصل إلى أن السلسلة النسبية للسادة الوداعيين تنتهي إلى سيد يوسف بن سيد محمد بن سيد يوسف بن سيد محمد الوداعي الموسوي الحسيني البارباري الجدّحاجّي الجدحفصي.

ويؤكد السيد فضل أن السلسة النسبية للعائلة تنقصها حلقة مفقودة مُشكلة من ثلاثة أو أربعة أجداد، وهذه الحلقة هي الحلقة التي استوطنت منطقة «جد الحاج»، وهي فترة لا نعرف عن رجالات العائلة فيها أي معلومات وافية، غير أن المؤكد أن العائلة تتصل بالسيد عبدالرؤوف الجدحفصي بن السيد حسين المجتهد الكبير المعروف والذي ينتهي نسبه إلى الشريف المرتضى شقيق الشريف الرضي.

وبحسب ما ينقل السيد فضل أن «آل الوداعي وآل كامل يلتقون بأكثر من 300 عام عند جدهم الأكبر السيد عبدالرؤوف الجدحفصي، لذلك فآل الوداعي وآل كامل «أبناء عمومة». ولقد كان السيد عبدالرؤوف بن السيد حسين الجدحفصي شيخ الإسلام وقاضي القضاة إبان كانت البحرين خاضعة لهرمز (بلاد فارس) وكان الفقهاء يُعينون من قبل حكومة هرمز.

وعلى رغم غياب معلومات تاريخية دقيقة عن الفترة التي أقامت فيها العائلة في قرية «جد الحاج» فترة تصل إلى نحو 80 سنة، إلا أن المعلومات المتاحة من كبار السن المعمّرين تشير إلى أن الجد السيد يوسف بن سيد محمد الوداعي هاجر من «جد الحاج» مع عائلته إلى قرية باربار تاركاً وراءه كل أملاكه بسبب قسوة الظروف. وفيما يختار السيد يوسف الهجرة إلى قرية باربار؛ يختار شقيقه مغادرة البلاد متجهاً إلى البصرة بالعراق على ما يؤكد السيد فضل.

ارتبط لقب «الوداعي» بالعائلة على الأرجح بعد جد العائلة السيد عبدالرؤوف الجدحفصي الثاني، وثمة اعتقاد بأن السيد عبدالرؤوف نفسه هو من لقب أولاده الثلاثة: أحدهم «الكامل»، والثاني «الوداعي» والثالث لا يزال مجهولاً. إلا أن مثل هذه الروايات تعوزها الأدلة القطعية التي تسند وجاهتها. ولفظ الوداعي يأتي من الوداعة أي الهدوء والسكينة.

انخرط السيد الوداعي في العمل التبليغي منذ نعومة أظفاره في مجتمع بسيط، وكان يتنقل على ظهر دابته قبل ظهور السيارات ويقصد قرى البلاد، وكانت زياراته تمتد لأيام وربما أسابيع. ويبدو أن للسيد علي الوداعي مكانة كبيرة بين علماء عصره، حيث كان موصوفاً بالورع والتقوى، حتى أوصى الشيخ محسن بن محمد العريبي (ت 1944)، وهو من أساتذة الشيخ إبراهيم المبارك، أن يصلي عليه السيد علي بعد موته. كما كان له دوره الارشادي والتوجيهي في المجتمع، وكان يكتب الأوقاف بيده، ومن ضمن الوثائق التي تملكها إدارة الأوقاف الجعفرية اليوم، وقفيتان شرعيتان كتبهما السيد علي الوداعي بخطه، إحداهما وقف «مأتم الأدرج» بالمنامة.

ويشيد كل من محمد علي التاجر والشيخ إبراهيم المبارك بالسيد علي الوداعي بما يستحق، فهو «العالم العامل، الفقيه الفاضل، الورع الصالح التقي».

سألت سماحة السيد جواد الوداعي حول موقف جدّه السيد علي الوداعي من تولّي القضاء فقال لي: «لقد حاول الشيخ عبدالله محمد صالح الطعان أن يقنع صديقه السيد علي الوداعي بتولي القضاء غير مرة، إلا أن أياً من هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح، وذات يوم قائظ استمر الشيخ عبدالله في محاولة إقناعه بتسلم القضاء ولو لبعض الوقت لحين توفر البديل، إلا أن جهود الشيخ الطعان باءت بالفشل، فقد كان السيد علي متمسكاً بموقفه الرافض لتولي المنصب القضائي، وكان يقول: «لم أنفع أمي وأبي في حياتهم، فأرجو أن لا ينالهم مني ما يسوؤهم وهم في جوار الله».

لم يعرف عن السيد علي الوداعي أنه ترك مصنفات علمية، لكن مكتبة حفيده السيد جواد الوداعي تضم ضمن مجموعة الكتب الخطية نسخة خطية من الكتاب الفقهي المعروف (معتمد السائل) للفقيه المحدث الشيخ عبدالله بن عباس الستري البحراني (ت 1270هـ / 1853م).

وقد جاء في خاتمة الكتاب المستنسخ بخط السيد علي الوداعي النص التالي: «قلمه نوّر الله تربته وأعلا في العليين رتبته (...) الراجي لعفو ربه السبحاني علي بن يوسف بن محمد بن يوسف الوداعي الموسوي البحراني البارباري ولادة ومنشأ والرأس الرماني مسكناً عفى الله عنه وعن والديه...».

انتهى السيد الوداعي من نسخ الكتاب في 11 شوال 1339هـ (13 سبتمبر 1913)، ومن الغريب أن يكون شروع السيد الوداعي في نسخ كتاب معتمد السائل وله من العمر 46 عاماً، أي قبل وفاته بـ 45 عاماً، ومن غير المستبعد عدم اضطلاعه بنسخ كتب أخرى غير كتاب المعتمد.

وفي أواخر أيام حياته، أقعده المرض، حتى توفي في 10 ربيع الأول 1375هـ/ 25 ديسمبر 1955. وعقّب السيد علي الوداعي من الأبناء واحداً هو السيد يوسف، وكان «كأبيه عزوفاً عن مغريات الحياة، واشتهر باطلاعه الواسع على الأنساب». ومن البنات أنجب السيد الوداعي السيدة «حسينية» والسيدة «هاشمية» وهي أم سماحة العلامة السيد جواد الوداعي.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/802045.html