صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4028 | الإثنين 16 سبتمبر 2013م الموافق 18 رمضان 1445هـ

الشيخ الحلي... ثمانية عشر عاماً بحرينية

الكاتب: وسام السبع - wesam.alsebea@alwasatnews.com

ثمانية عشر عاماً كان الفقيه النجفي المعروف الشيخ عبدالحسين الحلي (ت 1956) قد عاشها في البحرين قاضياً للتمييز الشرعي الجعفري في المحاكم الشرعية بطلب من الحكومة وبترشيح من المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم (ت 1970). ولكن كيف عاش هذا الشاعر الفذ في البحرين؟ وكيف كانت صلاته بشعراء وأدباء البحرين؟ وما النشاطات التي قام بها خلال القسم الثاني من حياته الطويلة في البحرين؟

كانت للشيخ الحلي مواقف وطنية كثيرة منها اشتراكه في الثورة العراقية الكبرى والنداء الذي وُجّه لإعلان الجهاد المقدس حيث اشترك فعلاً في حمل السلاح مع المقاتلين والذود عن حمى الوطن، وستظل قصيدته التي تحمل عنوان «الحنين إلى الوطن» شاهداً على ذلك. وهي القصيدة التي نالت الجائزة الأولى في مسابقة إذاعة لندن الشعرية أوائل الأربعينيات.

حفلت حياة الحلي منذ قدومه إلى البحرين العام 1936 وحتى يوم رحيله العام 1956، بالكثير من المبادرات والجهود، فعمل على وضع الأسس القويمة للتمييز الشرعي أو فتح مدرسة لتعليم الفقه، تخرّج منها عددٌ من علماء البحرين الفضلاء، منهم الخطيب السيد محمد صالح السيد عدنان الموسوي والسيد علي بن إبراهيم كمال الدين، والشيخ محمد علي بن زين الدين الدرازي.

ومن تلك الجهود مساهماته الأدبية في نادي العروبة، وحضوره المستمر لمواسم الأدب والثقافة والشعر ، بالإضافة إلى خطاباته ومساهماته بعد ذلك في مجلة «صوت البحرين» وإذاعة لندن العربية وغير ذلك .

وقد استغربت خلو الكتاب الجميل الذي أصدرته جمعية العاصمة للثقافة الإسلامية قبل أسابيع (ملامح: وجوه المنامة) من ذكرٍ لشخصية الشيخ الحلي الذي ملأ حياة المنامة صخباً ونشاطاً وعلماً وشعراً، وهو وإن كان عراقي المولد، إلا أن دوره في النهضة الثقافية والأدبية في البحرين غير منكور.

كما إن مجالسه في منزله كانت عامرةً بالزوار من علماء وأدباء ورجال الفكر كإبراهيم العريض ومحمد دويغر وحسن الجشي، وأساتذة المدارس حيث كان يأنس بمجالسة الشباب المتعلّم، بالإضافة إلى مشايخ العلم وطلابه .

وقد نقل لي سماحة السيد جواد الوداعي أنهم كانوا يتردّدون على مجلس الشيخ عبدالحسين الحلي (قاضي محكمة التمييز) كل جمعة من كل أسبوع في داره بالمنامة، وأكد أن الفضل يرجع للحلي في تنظيم أمور القضاء وحفظ «هيبة القضاء» والنأي به عن الأهواء الاجتماعية وإيقاف مسلسل «العزل» الذي كان فاشياً قبل نزول الشيخ الحلي إلى البحرين، كما حدث مع عزل الشيخ خلف العصفور والشيخ عبدالله الطعان والشيخ علي بن جعفر الستري التغلبي.

ولقد نسج الحلي مع أقطاب الحركة الثقافية والأدبية في البحرين روابط صداقة عميقة، فقد كتب في جريدة «البحرين» لصاحبها عبدالله الزايد (ت 1945) مقالةً فيها فتوى عن «إباحة الغوص في رمضان»، كما كان الحلي يراسل مجلة «صوت البحرين» التي كان معجباً بها وقريباً من أعضاء التحرير فيها، ونشر بعض قصائده فيها .

وقد بسط تقي محمد البحارنة (زوج ابنة الشيخ الحلي) في محاضرةٍ له ألقيت في جمعية التاريخ بمملكة البحرين في أبريل/ نيسان 2003، تحدّث فيها بإفاضة عن كتابات ومخطوطات الشيخ عبد الحسين الحلي، ضمنها كتابه الشيق «أحاديث وسير». ومما أشار له البحارنة في مقالته المطوّلة عن الحلي؛ أن للحلي أبحاثاً ومقالات عديدة نشرتها الصحف والمجلات العربية، فقد كان له ظهور متميّز على صفحات المجلات في العراق خصوصاً، كالبحث الذي نشرته مجلة «الاعتدال» النجفية الصادرة في يوليو/ تموز 1935، يصحّح فيها أخطاء تاريخية وردت في محاضرة للمستشرق الفرنسي ماسنيون عن الكوفة، والتي نشر خلاصتها الدكتور زكي مبارك في مجلة «الحديث» الحلبية، فيما يتعلق بتمصير الكوفة وأنساب العرب .

يذكر تقي البحارنة أن عدد العناوين التي تركها الحلي كمخطوطات بلغت 15 عنواناً بعضها في حكم المفقود، ولكن يبقى تحقيقه لنسخةٍ مشوّهةٍ من ديوان «مهيار الديلمي» وإكمال ما نقص منها وتصحيح على ما وقع فيها من أغلاط محل تقديرٍ وإشادةٍ من الباحثين. وقد وصف الأديب جعفر الخليلي صبر الحلي على معاناته في تحقيق هذا الديوان قائلاً: «إن ملكاته في التحقيق والبحث كانت موضوع إعجاب الجميع، بحيث عرف أكبر العلماء والمؤلفين من معارفه قيامهم بعرض مؤلفاتهم عليه قبل دفعها للطبع سواءً كان موضوعها في علم الفقه، أو علم الأصول أو في التاريخ الإسلامي أو علم الرجال، وقد ورد في الأخبار من هذا القبيل بشهادة من أقرباء المجتهد والمرجع الديني السيد محسن الحكيم أن الشيخ الحلي كان مكلّفاً بإعداد الرسالة العلمية للسيد محسن وكتابتها نيابةً عن السيد محسن الحكيم».

ومخطوطات الحلي التي كتبها بيده وربما قرأها شفاهاً على تلامذته، معظمها في الفقه الشرعي، إذا استثنينا مخطوطة ديوان الشعر وبعض الأبحاث الاجتماعية والأدبية. وللشيخ الحلي مؤلفات ومصنفات كثيرة منها ما هو موجود ومنها ما فُقد أو تفرّق، وكلها مخطوطة لم تطبع. وسبب عدم نشر كتب الحلي قدومه إلى البحرين وتركها لدى من لم يعرف لها مقداراً فتلف منها وتبعثر الشيء الكثير .

وقد كتب الحلي ترجمة لحياته بخط يده، وكما يؤكد أكبر أولاد الشيخ في البحرين (محمد هادي الحلي) أنه أرسل ديوان والده بخط يد الشيخ مع ما أرسله من مؤلفات في الفقه الشرعي إلى إخوانه في الحلة بعد أن نقلها بخط يده.

وحين تحدثت مع (أبي أسامة) تقي محمد البحارنة عن الشيخ الحلي، صمت برهةً وقال: «الشيخ الحلي لم يأخذ حقه من التكريم والاهتمام الذي يستحقه كفقيه لامع». لقد انغمس الحلي في الحياة الاجتماعية في البحرين، وأسس له أسرةً فتزوّج وأعقب ولدين (محمد هادي وفائق) وثلاث بنات، تزوّجن بعد وفاة والدهن، فواحدة اقترنت بالأستاذ البحارنة، وأخرى بالوزير الأسبق ماجد الجشي، والأخيرة بمستشار رئيس الوزراء محمّد المطوع.

توفي الشيخ عبد الحسين في منزله بالمنامة إثر مرض عضال، وتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة المنامة في يوم 15 مارس/ آذار 1956 بعد حياةٍ حافلةٍ بالعلم والأدب والشعر والكتب والطموح العالي. رحل الحلّي بصمتٍ لكن حياته لازالت دفتراً لم تُجمع أوراقه المبعثرة بعد.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/810863.html