صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4049 | الإثنين 07 أكتوبر 2013م الموافق 19 رمضان 1445هـ

المؤرخ سالم النويدري... التاريخ يسع الجميع

الكاتب: وسام السبع - wesam.alsebea@alwasatnews.com

ما يزيد على عقدين من الزمان والموسوعة التاريخية التي وضعها المؤرخ البحريني سالم عبدالله النويدي «أعلام الثقافة الاسلامية في البحرين خلال 14 عاماً»، تحتل مكانةً بارزةً في المكتبة التاريخية البحرينية، وغدت من المصادر الكلاسيكية في هذا الباب، فهذه الموسوعة التي جاءت في ثلاثة مجلدات و2192 صفحة، غطّت جوانب تاريخية وسياسية واجتماعية من خلال الترجمة لحوالي 587 علماً من أعلام الثقافة الإسلامية، وهي صفحات ساهمت في سدّ فجوات عميقة وواسعة من تاريخ بلدنا، كُتبت بروح موضوعية منصفة، وكشفت عن مثابرة وصبر عجيبين لكاتبها.

مناسبة الحديث عن قامة رائعة كالنويدري، المؤرخ البحريني الشيعي الذي أنصف أهل السنة، ولم يسع إلى إلغاء الآخر لتأكيد وجوده كما فعل ويفعل مؤرخون أو منتحلون لهذه الصفة، وهو منهجٌ سبقه إليه الشيخ محمد علي التاجر (ت 1967) في كتابه «منتظم الدُّرّين»، وسار عليه المؤرخ النويدري في موسوعته لأنه وجد أن شرط الدخول في مضمار البحث التاريخي يستلزم التحلي بمجموعةٍ من المزايا الفكرية والنفسية، أبرزها التجرّد من الانحيازات المذهبية والآراء المسبّقة، وهي اختباراتٌ فشل فيها بعض من كتب في تاريخ البحرين.

يقول النويدري في مقدمة موسوعته أنها اشتملت «على أعلام من الطائفة السنية في البحرين، إلى جانب إخوتهم في العقيدة من أعلام الطائفة الشيعية، خاصة في القرنين الـ 13 و 14 هـ. وقد دأبت كتب التراجم وغيرها على ذكر الأعلام من طائفة معينة حسب انتماء المؤلف المذهبي وإهمال ما عدا ذلك. وقد اقتدينا في ذلك بالمرحوم الأستاذ التاجر في كتابه الموسوعي (منتظم الدرين) الذي لم يهمل ذكر الأعلام الخليجيين والبحرانيين لاختلاف مذاهبهم، كما فعل الكثير سواه».

تتعاظم أهمية هذا الطرح الأكاديمي الموزون والملتزم بالروح العلمية الرصينة حين نعاين مستوى الانفلات الحاصل في منهج البحوث والمقالات التاريخية الحالية التي تجعل أكبر همها تجريد الآخر من أصالته التاريخية والتشكيك في جذوره وتقزيم - وأحياناً نفي - أدواره الثقافية عبر التاريخ، وهي كتابات محكومة بعقدة النقص ويغمرها الإحساس المزمن بـ «الهشاشة» و»الانهزام» النفسي.

شغل سؤال التاريخ عقل النويدري منذ سبعينيات القرن الماضي، وبدأ مطلع الثمانينيات في التفكير في الكتابة عن علماء البحرين، ساعياً إلى لمّ شعث المعلومات المتناثرة في المصادر التاريخية القديمة والوثائق المخطوطة، وهكذا شمّر عن ساعد الجدّ نحو العام 1982 في جمع المادة العلمية لموسوعته أعلام الثقافة الاسلامية، هكذا نعرف أنه عمل على تصنيف هذا العمل الوثائقي الضخم في عشر سنوات!

هكذا سنجد على سبيل المثال الشيخ محمد النبهاني (ت 1950) عندما يكتب عن التركيبة المذهبية للمجتمع البحريني يذكر أن أهل البحرين يتمذهبون بمذهب الإمام مالك بن أنس، ومن كان منهم شافعياً فأصله من فارس، ومن كان منهم حنفياً فأصله من الهند أو من بغداد، ومن كان منهم حنبلياً فأصله من نجد. ولم يسعفه الحظ والقدرة على التحقيق إلى رؤية أبعد من ذلك!

وهناك من يكتب عن أعيان البحرين ورجالاتها ومعالمها التاريخية وتراثها الثقافي والديني والاجتماعي بهذا النفس المستفز، ساعياً إلى بناء ذاكرة تراكمية مزيفة سطحية ومجتزأة. والنتيجة أن التاريخ يتحوّل من مجال علمي تهذّبه وتنعش ذاكرته الأقلام المتريثة والنزيهة؛ إلى مجالٍ لتصفية الحسابات السياسية وتكريس حالة الخصومة وبأثر رجعي!

الحديث عن المؤرخ سالم عبدالله النويدري المولود في المنامة العام 1945، هو حديثٌ عن الأمانة العلمية، وعن الصبر الطويل على أداء التزام وطني وديني تجاه حقائق التاريخ ونفض الغبار عن تراثنا العريق والمنسي. هو حديثٌ عن النموذج النقيض لمن يعتبر الكتابة في التاريخ نزهةً عبثيةً يتشاطر فيها المراهقون ويمارس فيها البعض بهلوانياته السمجة.

لم يكن «أعلام الثقافة الإسلامية» الذي كتبه في مهجره الطويل في ريف دمشق هو العمل الوحيد للنويدري، فقد رفد المكتبة البحرينية بعددٍ من الإصدارات والدراسات المهمة، مثل كتابه الذي يُعد من الدراسات الأصيلة في مجاله «أسر البحرين العلمية: أنسابها، وأعلامها، وتاريخها العلمي والثقافي»، وإعداد وتحقيق «ديوان ديك العرش» نظم الخطيب حسن آل ماجد، و»الكلمة السواء... بحث حول الإسلام والمسيحية». كما شارك في بعض الكتب التي صدرت حول تاريخ البحرين، فهو عضو في الفريق العلمي الذي أعد «موسوعة تاريخ البحرين» التي صدرت في أربعة مجلدات بإشراف محمد حسن كمال، كما شارك في وضع كتاب «المسجد ذو المنارتين» مع نخبةٍ من الباحثين.

ومنذ أن حصل النويدري على ليسانس في الآداب من جامعة بيروت العربية (1971)، إلى أن منح درجة الدكتوراه في الثقافة على مجموعة الأعمال المنجزة في الدراسات التوثيقية من أكاديمية يونيفرسال universal academy - لندن (2003) انغمس في النشاط العلمي وزاول تدريس العلوم اللغوية، والدراسات الإنسانية في حوزة الإمام في دمشق، من منتصف الثمانينيات حتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، وحوزة النور الأكاديمية في مملكة البحرين قبل أن يتفرغ بشكل كلي إلى الكتابة قبل نحو سنتين.

للنويدري، إلى ذلك، مجموعة كتب تنتظر الطبع أبرزها «الشيخ جعفر أبو المكارم: حياته العلمية والأدبية والاجتماعية»، «مناطق البحرين: معجم جغرافي»، و»نظرات في لهجة البحرين وأصولها اللغويّة في المعجم العربي»، و»التحف الأوليّة»، وهي منظومةٌ تربو على ألف بيت في المقامات الدينيّة ومراقد العلماء في البحرين، و»في خطى الدمستاني» وهو مربعة شعرية في نظم مقتل الإمام الحسين على نهج المربعة الدمستانية الشهيرة. وأخيراً ديوان شعري بعنوان «موكب الخالدين».

وكان لصحيفة «الوسط» قبل نحو خمس سنوات (الأربعاء 16 أبريل 2008) وقفةٌ تكريمية للمؤرّخ النويدري في احتفال حضره عددٌ من الشخصيات الثقافية والاجتماعية والإعلامية تثميناً لدوره في حفظ تاريخ البحرين من خلال مؤلّفاته.

يريد النويدري أن يعطي درساً عملياً استوحاه من تجربه شيخه التاجر... «التاريخ يتسع للجميع» وكذلك الأوطان.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/817359.html