صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4190 | الثلثاء 25 فبراير 2014م الموافق 18 رمضان 1445هـ

بَلاهُ... هَرْجٌ تهرجونه

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

ربما يكبر المرء حين يلوذ بعناوين الحديث، ليترك الهرج والمرج لمريديه، يتداولون ويتناقلون به حكمة حكيمهم، وتكون لهم مَنهل الفكر والمواقف، إلا أن أسلوب اللوذ بعناوين الحديث، من جانب آخر، قطعاً يضع صاحبه موضع المساءلة والمحاسبة، خصوصاً من بعد التكرار الممل، ليجد المُريدون قول صاحبهم يُماثل قول الخصم، فتضيع الفوارق، التي كانت بمثابة «الزنبرك النطاط» الذي يُظهر المهرج من بين العاملين في السيرك السياسي.

عناوين الحديث جمعت مطالب قيادات موالاة الفاتح، وامتزجت بمطالب جمعيات المعارضة الوطنية، ومن هنا جاء عنوان حديث موالاة الفاتح عن اتفاقها بما نسبته 80 % من مطالب المعارضة، الأمر الذي استفز المريدين، واستحثهم على السؤال: أين نحن حماة الوطن والسلطات، كما أسميتمونا وطربنا لذلك، من أولئك «الخونة، من السنة والشيعة» المناصرين للجمعيات المعارضة، كما علمتمونا؟

سؤال مشروع من قواعد موالاة الفاتح لقياداتهم، خصوصاً أن عناوين المشتركات جاءت في أهمها كما التالي: الحفاظ على الوحدة الوطنية ونبذ الفرقة، احترام جميع الأديان والمذاهب، الشعب مصدر السلطات، حكومة تمثل الإرادة الشعبية وتخضع لمحاسبتها، دوائر انتخابية عادلة، قضاء عادل ومستقل ونزيه، مجلس نواب يختص بالرقابة والتشريع، محاربة الفساد وسرقات المال العام، لا للمحاصصة الطائفية...إلخ.

فجاء جواب القادة الفطاحل، لإثبات المنفي ونفي المثبت، وكشفوا عن عوراتهم الفكرية والفهمية واللغوية، للثوابت السياسية والديمقراطية الإنسانية، وعارضوها بفهمهم المشوب بالجهل لفحوى الثوابت الوطنية، ولضياعهم بالتيه ما بين هذه وتلك، لم يجدوا لقواعدهم من وسيلة إقناع عقلي، فخاطبوهم هكذا وبالنص:

«نهنئ جماهير الفاتح العظيم» لاحظ أن العظيم مذكر مفرد، بما لا يعود وصفه إلى الجماهير ذاتها، التي ربما في تقديرهم أنها ليست عظيمة، أو ربما العظمة والتعظيم ليست في أساسها حقاً للجماهير... ثم موضوع التهنئة «الذكرى الثالثة لانطلاق انتفاضته المباركة»، أيضاً انتفاضته وليس انتفاضتها، (أي ليس للجماهير)، ولكننا هنا، ولأخذ الموضوع على مختلف احتمالاته، فلربما هي نتيجة عمليات النسخ واللصق (كوبي أند بيست) عن عبارة سابقة استخدمت فيها مفردة «شعب» أو «جمهور» بدل «جماهير»، وعلى هذه أيضاً مآخذ التقاعس، عن الدرس والتحليل والربط بالمتغيرات، وفيه الدليل على الجمود اللازم للأوامر، والخشية من الخروج عليها.

أما موضوع مفردة «الانتفاضة»، لوصف تجمع جماهيري يتيم لم يتكرّر، جمع مواطنين كراماً ومقيمين أفاضل، وعاملين في بعض أجهزة الدولة، لقاء الأماني بالوعود الرسمية، ولِسُوَيعاتٍ من يومٍ، محروسةً بقوات الأمن، إنّما ذلك هو «شيء ما» إلا أن يكون «انتفاضة»! وتلك المفردة (الانتفاضة) -حسب رؤيتهم- لتضخيم الذات الذابلة، أنها كانت ولم تزل «ضد قوى الظلام الانقلابية»، وهي تلك القوى السياسية الوطنية المعارضة وجماهيرها، من الوفاق، وعد، المنبر الديمقراطي، القومي، الوحدوي، والإخاء، فقد يتراءى للسامع أن سيف «انتفاضة الفاتح» قد لعب فيهم قتلاً عن يمين وعن شمال، وأصدق ما يقال عن ذلك، قول الأستاذ عبدالحسين عبدالرضا: «سدَّحت ربعي يا براون». اعذرونا! فللمفردات معانيها، فإما أن يكون القول والفعل بها، وإلا فهي مسخٌ من عقلٍ مسخ.

الثوابت الوطنية، من عروبة البحرين ودينها الإسلام واستقلالها وسيادتها، وحكمها ونظام حكمها في المملكة الدستورية على غرار الممالك العريقة، السيادة فيها للشعب مصدر السلطات، واحترام الدستور والقوانين في دولة المؤسسات، والانتماء الخليجي والعربي، واحترام جميع الأديان والمذاهب ومكونات المجتمع، كل هذه العناوين جميلة، وهي ما قامت على المطالبة بها انتفاضة 14 فبراير 2011، وما زالت إلى اليوم من فبراير 2014، فما هي مشكلة جمعياتكم «جمعيات الفاتح» ضد الجمعيات الوطنية المعارضة وجماهيرها؟

فموضوعة العنف الذي ساد الشارع كما تصفون، لم تأتِ به تلك الجمعيات، بل بدأت الطرف الآخر في التصدّي للحراكات الشعبية عبر الممارسات المفرطة القوة، التي أدت إلى استشهاد مواطنين، وعلى إثره تصاعدت الحراكات، فصعَّد الطرف الرسمي من التجاوزات، بما طال التعذيب في السجون والمعتقلات وأماكن التوقيف، وقد استشهد على أيدي المعذبين أيضاً عدة مواطنين.

ثم هناك المداهمات والاعتقالات خارج إطار الإجراءات القانونية، التي طالت النساء والأطفال، بما وصل إلى آلاف المعتقلين، عدا عن المختفين قسراً. وهناك الفصل الجماعي من الأعمال على خلفية الرأي والموقف السياسي والطائفة، وقد شمل عدة آلاف أيضاً، كل ذلك لم تروا فيه خطأً ولا تجاوزاً وانتهاكاً للقانون، فكان حرياً بكم دراسة وتحليل أسبابه وبواعثه، وجمع كل مظاهر ممارساته وأضرارها، لتجدوا جلياً أنه منذ حراك هيئة الإتحاد الوطني في الخمسينات، بالحراكات الشعبية الجامعة، فقد شكّلت تحدياً للسلطة ومطالبة بالمشاركة في القرار والتوزيع العادل للثروة، فكان هناك مخطط لتفتيت الإجماع المطالِب بأن يكون الشعب مصدر السلطات، عبر تفتيت انتمائه المواطني إلى الانتماءات المذهبية والأصولية والمناطقية، ليكون أول مخططات التشطير هي الفرز إلى سنة وشيعة، ليستتبعها تقريب بعض من أفراد هذه وتلك للسلطات، لتكون هاته الأفراد صوتاً وسوطاً بيدها، وظيفتها التشطير والفرقة وخداع الجموع كما تفعلون. وهكذا فعلت أيضاً للمواطنين من أصول إيرانية وبهرة وغيرهم، وعزلتهم في مناطق بعينها، ولكن من هو أرمد العينين مثلكم، لا يرى كيف توزّعت مدن وقرى وأحياء البحرين، بما نراه اليوم من فرز يستتبعه التمييز الطائفي، إضافةً إلى انعزال المواطنين الجدد، ممن تناسيتم أضرار تجنيسهم، على الهوية الوطنية وعلى الإفقار الوطني في توازع الثروات، ودوافع تجنيسهم الحقيقية، بما يمنع على المواطنين شرف الدفاع عن الوطن وحفظ أمنه، نتيجة العزلة القائمة وعدم الثقة بين السلطة والشعب، دافعكم الوحيد في ذلك هو انتماؤكم كقيادات إلى الموالاة، والشعب لا تودونه إلا رعيةً كما أنتم. وهكذا أنتم قادة جمعيات الفاتح، تُخَوّنون كل من تصدى لمخططاتكم، من داخلكم وخارجكم، وهو ما أنتم عليه اليوم من تخوين كل من عداكم.

ماذا تبقى مما نقوله لكم، لفضح أننا كاشفون انتماءكم وتبعيتكم، وأنكم مجرد أدوات، فمن ينادي باحترام الدستور والقوانين وأحكام القضاء، في دولة القانون كما تدّعون، يتوجب عليه احترام ما يمنحه الدستور والقوانين من حقوق للمواطنين، وسلطات للملك وغيره من المؤسسات، فلا يمكن الجمع بين احترام الدستور وبين المنع على الملك سلطته التي منحه إياها الدستور في العفو الخاص، ما لم يثر ذلك شبهة خيانتكم للدستور ونظام الحكم. ولنا في كشف مستوركم مواصلة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/860936.html