العدد : 4239 | الثلثاء 15 أبريل 2014م الموافق 09 رمضان 1445هـ
بخلاف من يدّعي قولةً إن مؤامرة خارجية كانت وراء إشعال منطقتنا العربية بنيران ثورات الربيع؛ فإن المؤامرة الأكيدة التي وقعت كانت لإجهاض الربيع وتفريغ الثورات من أهدافها الحالمة.
هذا الربيع الذي احتضنته الشعوب العربية كأمٍ والهةٍ على مولودها، لتحقيق قيم العدالة والمساواة في أقطارنا المعتلة، ولاستنشاق نسائم الحرية التي ظلّت فقيدةً في عالمنا العربي بقرار النخب الحاكمة، أصيب في قلبه وصار يترنح ذات اليمين وذات الشمال دون قدرة على بلوغ الأهداف التي انطلق من أجلها.
إن ربيع العرب الثوري قلمت أظفاره مصالح الدول الكبرى، والدول العربية المانحة التي أعادت بأموالها قولبة الأنظمة الديكتاتورية السابقة في ملابس جديدة، وتصدّت لقيادة الثورات المضادة وسرقة تضحيات الشعوب.
ولأن الدول الكبرى تخلت عن دورها عقوداً طويلة في العمل على تقويم الأوضاع المعوجة في عالمنا العربي لخاطر مصالح بلدانها ولو كانت على حساب الشعوب؛ صار من المحتم أن لا تتوقع من هذه الشعوب فيما لو خليَّ بينها وبين إرادتها الحرة بأن تبقى أمينةً على مصالح الدول الكبرى في المنطقة، فالعلاقة بين الطرفين بفعل تراكم التجارب أصبحت عدائيةً بلا ريب. وبات من المسلّم به تورط الدول الكبرى المتصدّية وبعض الأنظمة العربية، في سلب ثورات الربيع من محاسنها والوقوف سداً منيعاً في وجه الشعوب لتحقيق آمالها المشروعة.
وإذا كانت الأولى تسعى لحفظ مصالحها وترتيب أوضاعها في المنطقة لأطول فترة ممكنة؛ فإن الأنظمة التي تدفع بسخاء تعمل على احتواء الثورات لمنع اللهيب من الاقتراب لأراضيها.
من جهةٍ أخرى، فإن سرقة الربيع العربي في بعض زواياه إنّما تمّ على يد أبنائه لا سواهم. وأول ضياع سجّله الربيع العربي هو غياب مشروع البناء ما بعد الثورة، ليس عند تلك الحشود التي خرجت وفق عفويتها فحسب، بل وحتى عند القوى والأحزاب التي كانت منظّمةً بأيدلوجياتها ومرجعياتها وهياكلها الإدارية منذ عشرات السنين. وفي هذا الاتجاه، جاءت تجربة حكم الأخوان المسلمين في مصر مروّعةً للغاية، وذلك عندما تسلّموا قيادة هذا البلد المليوني المتنوع ببرنامج حزبي لا وطني.
وعلى الرغم أنهم أكثر الأحزاب قدماً وانتشاراً وحضوراً في مصر، إلا أنهم بدوا وكأنهم صُدِموا بتسلمهم القيادة، ولم يكن لهم مشروع قادر على الاستمرار، وفشلوا في البناء بعد الثورة، وخسروا فرصةً تاريخيةً ذهبيةً قد لا تكون قابلةً للتعويض على المدى القريب والمتوسط.
ومع شديد الأسف فحتى حكومات الربيع التي نالها قدر أكبر من الاستقرار؛ فإنها لا تتعامل مع قضايا المنطقة والعالم وكأنها حكومات وُلدت من رحم الثورات، وإنّما أعادت رسم منطقها وشبكة علاقاتها بتقليدية سابقيها تماماً دون تغيير. وحتى أولئك الذين كانوا أعلنوا مناصرتهم لثورات الربيع في كل قطر عربي عندما كانوا في موقع المعارضة، استبدلوا مواقفهم عندما وصلوا سدّة الحكم وقرّروا الانحناء للعاصفة. ولا عزاء للربيع.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/876609.html