صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4257 | السبت 03 مايو 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

سوءات تغييب النظام والقانون

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

يعتقد البعض أن العلاقة بصلة القرابة أو العلاقات الشخصية أو المصلحية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، تستوجب له على الآخرين تمييزه، بالتسهيل غير المبرر، أو التغاضي له عن سوءات ونواقص، أو عن أقوال وأفعال مكروهة أخلاقياً وإنسانياً، أو مُجرّمة بالقانون، وكذلك يعتقد البعض أنه طالما تبوأ منصب المراقب أو المدير أو مركز اتخاذ القرار، بات هو الآمر الناهي، من دون المناقشة والمحاسبة، إلا أن الأسوأ من كل هذا وذاك، هو الموظف الذي لا يستبصر علو شأنه ومقامه، إلا من خلال ممارساته المتعالية على مرؤوسيه في العمل وعلى مراجعيه من المواطنين، ما لم يكونوا من مقربيه، وهناك أيضاً الأكثر سوءاً، ذاك الذي يستغل منصبه في العمل على إفادة مقربيه دونما وجه حق، أو إفادتهم بالتسبيق على المواطنين الآخرين، المستحقين ولهم الأولوية بحسب نظام تقديم الخدمات في مجال عمل صاحبنا، هذه الممارسات وغيرها، هي من الممارسات المذمومة بمعايير الدين والأخلاق والقانون، ويستنكرها الناس، إلا أنها تسود لدى بعض الأفراد في المجتمع الذي يفتقر إلى نظام المؤسسات والقانون.

وفي المقابل هناك تسهيل الإجراءات والتيسير على المواطنين، بما يحفظ لهم كرامتهم، حين التقدم لنيل خدمة مستحقة للمواطنين، بدلاً من الغلظة لهم في القول، والتصعيب عليهم في صغائر تفاصيل الإجراءات، فبإمكان الموظف والمسئول، متى ما وجد أن طلب المراجع مكتمل الأركان القانونية والمستندية الأساسية، وأن المُراجع مبدي الاستعداد لتسديد الكلفة المادية بما يتطلبه النظام والقانون، إلا أن المراجع ربما يحتاج التسريع في تجهيز معاملته، لدواعي السفر مثلاً، فماذا يضير الموظف أن يراعي حاجة المواطن، فيجتهد له في خدمته، أو ربما المعاملة تحتاج من ضمن المستندات صورة ضوئية عن بطاقة الهوية، من بعد إطلاع الموظف على الأصل، وقد سبق للمراجع إحضارها بالأمس واطلع عليها الموظف المعني، إلا أن الطلب كان ناقصاً مستنداً غيرها، فاستكمله المراجع في اليوم التالي، ولم يحضر بطاقة هويته الأصلية اعتماداً على أن هذا الإجراء قد تم استيفائه بالأمس، فماذا يمنع الموظف الذي تعامل مع المراجع بالأمس، من أن يزكي له الطلب، وكذلك أحياناً يقر النظام بدائل لاستكمال الإجراءات وللخدمات، فمن الواجب على الموظف الملتزم بالنظام، أن ينصح المواطن المراجع بهذه البدائل من باب التسهيل، ولا يمنع عليه العلم بها.

هذا على الصعيد العام من السوءات، أما على صعيد الممارسات الأمنية وحقوق الإنسان، إزاء التعاملات الرسمية للدولة في مواجهة الحراكات الشعبية، فجديدها كما قديمها، فمن بعد حراكات الخمسينيات والستينيات وإبان مرحلة قانون أمن الدولة من العام 1975 والتي امتدت الى أكثر من ربع قرن، أسقطت السلطات الحاكمة طوالها، ميزان العدل ونظام قياسه وتطبيقه، فقد أسقطت الدستور والمجلس الوطني، فماذا تبقى من السلطة التشريعية؟ وهي المنوط بها مهام التشريع والرقابة على الحكومة، وفق معايير الدستور الذي تم تغييبه، فاستفردت السلطات الحاكمة بجميع السلطات، من دون رقيب ولا حسيب،

واستهلت عهدها لتلك المرحلة بمحاكمة من اتهمتهم باغتيال الشيخ عبدالله المدني، من اليساريين المحسوبين على جبهتي التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية في البحرين، من أجل غرضين، الأول الشقاق المجتمعي ما بين الدينيين والعلمانيين، والثاني ضرب القوى السياسية العلمانية اليسارية، والتي جاءت نتيجتها أي المحاكمة، أن تصدر المحكمة حكمها ببراءة من فقد حياته تحت التعذيب ومن فقد إحدى عينيه كذلك.

ثم جاءت مرحلة الميثاق لعشر سنوات، انتهت بأواخر العام 2010، لتقطع مرحلة عدم الاستقرار، والتجاوزات الحقوقية والقانونية للربع قرن السابق، لتعود من جديد الممارسات ذاتها في مرحلة قانون أمن الدولة، حين التصدي والمواجهة للحراكات الشعبية العارمة في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011، واستمرت ومازالت وبأسوأ منها، على رغم أن دستور 2002 قائم، فلم تنزجر به السلطات، ولم تلفت له بالاً، بل تجاوزت نصوصه ونصوص القوانين بالحض على الكراهية وممارستها على طائفة وتخوينها، عبر الوسائل الإعلامية والصحافية، ووسائل التواصل الاجتماعي الرسمية وشبه الرسمية، وهدم مساجدها والتعدي على أصول فقهها وعلى فقهائها، كما اتبعت في حق أفرادها سياسات التجويع، بالفصل من العمل، بما دأبت على ممارستها تكراراً في تاريخ محاربتها للحراكات الشعبية.

فلو رصدنا تجارب شعب البحرين في سياسييه وقادته وقواه الوطنية، في تاريخ البحرين السياسي القديم والحديث، لما وجدنا ما يُفَرِّق اليوم عن الأمس، في الممارسات الرسمية، من حيث التعاملات الأمنية وحالات السلامة الوطنية والطوارئ، وكل قصص ممارسات التجاوز لعهود حقوق الإنسان، والاعتقال خارج القانون، والتعذيب والقتل في السجون، وإسقاط وسحب الجنسيات والنفي السياسي، والفصل من الأعمال، الخ، وكل ما نعايشه اليوم من مآسٍ، وخاصة بث الكراهية الطائفية لطائفة، بسياسة وقرارات رعناء، لتحقيق العزلة الطائفية بين طائفتي المجتمع، لمواجهة المد الشعبي العارم والجامع الذي تطلبته المرحلة، وذلك عبر تحريك أبواق السلطة لرسم ما توده، ولكن السلطات عجزت عنه، إنما يؤكد لجميع الأجيال، في جميع قطاعات المجتمع وقواه السياسية، أن هذا هو شعب البحرين، لن تنال منه الأزمات.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/882028.html