صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4264 | السبت 10 مايو 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

قضية مسجد صعصعة... تساؤلات في عهدة الدولة

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

«نَذُرعَلِي آرَيّـِقـْكُم في صعصعة»، هذه العبارة بلفظها بالطريقة المحرقية، التي توارثتها أمهاتنا عبر الأجيال، فلا أخال أحداً أياً كان، أن ينجح في محو تلك الثقافة، وتلك الصلة الاجتماعية والتكامل المواطني، ما بين كامل مساحات الوطن من قرى ومدن البحرين، من الذاكرة الجمعية لدينا أو من الاستخدام الجمعي التواصلي، مع تأكيد الاحترام والتكامل والعلاقة الأهلية وذات الأصالة والاستدامة، لجميع الألسن البحرينية الأخرى الأصيلة وأهلها.

هذه العبارة أطربت وشنّفت آذان الكثير من رجال ونساء البحرين، من جيلنا وأجيالٍ من قبلنا، وإن تأثرت وانحسرت عادة النذور، بحكم التطور الاجتماعي، فلا يختلف اثنان حول مسجد صعصعة، أو ربما المساحة من الأرض الطيبة، والقبر الذي تحويه، إبان النذر بالنذورات لصعصعة؟ أو حول موقع بنائه في قرية/منطقة عسكر؟ ناهيك عن تاريخه الممتد إلى عصر النبوة وتاريخ الخلفاء الراشدين الأربعة.

ويعلم الجميع مغزى ذاك النذر، الذي يجمع الأهل والأصدقاء والمحبين، في زمن صافٍ بالود والتواصل، لاقتسام ما تيسّر من الزاد، بالتواجد المُتعنّي له ارتحالاً، إلى بقعة أرض تُبارك الجمع، بصفاء نفوس التواصل والتكامل والمحبة والاحترام، وتجعل هذه السمة الإنسانية الجامعة لكل البحرينيين، في احترامهم وتقديرهم، لصاحب القبر ومقامه ومسجده، تجعل تَوسُّل الاجتماع حوله وفيه، سواءً بالصلاة أو بالزيارة، لكي تريح النفوس من ضغائن نفرٍ حقَّت عليهم المحاسبة الجنائية، إذ تنبري لتُفرِّق، عبر المس المستهجَن لمعتقدات الناس، بالهدم والتخريب، وهم يسرحون فرحين بإفلاتهم من المحاسبة والعقاب.

حين تم الاهتمام التراثي لبيت الشيخ عيسى بن على، وبيت سيادي في المحرق، وقد كانا متهالكين، كانت أولى الخطوات فرض الحراسات على مداخلهما، لحمايتهما من العابثين على مدى زمن طال، ثم بدأ العمل في معالجة تقوية العواميد وترميم الجدران من الداخل والخارج، ومن حين الافتتاح لكليهما كمعلم تاريخي، توافرت الحراسة لكليهما على مدار الساعة.

لذا نتساءل، ما مغزى الإجراء الذي إتخذته وزارة العدل والشئون الإسلامية، في حق مسجد صعصعة بن صوحان في عسكر، بإغلاق مداخله ونوافذه، بالطوب والإسمنت، بمثل ما يكون لبيت آيل للسقوط، ريثما يتم هدمه لتبقى أرضه مشاعاً ربما لمواقف السيارات أو للإهمال، فمثل هذا الإجراء لا يكون لغرض الحفظ لمعلم معتقد ديني أو تاريخي، ومن يقول بذلك فليعذرني بأنه قتير بأمور التراث، وبتصرفات إدارات أجهزة الدولة، المختصة بها في حال مسجد صعصعة، من حيث قيمته الدينية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووزارة العدل والشئون الإسلامية وإدارة الأوقاف الجعفرية، ومن حيث قيمته التاريخية والتراثية، إدارة التراث والسياحة بوزارة الثقافة، فهكذا تصرّفٌ لا ينم إلا عن التخلي عن الدور المنوط بالدولة ووزاراتها وإداراتها المعنية، عبر الصمت حيال قرارات وممارسة الجهات الأخرى الماسة عن سوء النية، للنيل من المسجد في قيمته الدينية الإسلامية والتاريخية بالتشويه ومن ثم الطمس. فنزع تلك المداخل والنوافذ، وغلقها بالطوب، أحال مقام المسجد إلى بناء مهجور يخشى الناس زواحفه، أفهكذا ترى الدولة قدر وتاريخية وتراثية قبر ومقام ومسجد الصحابي الجليل، بمعاصرته للنبي (ص)؟ ولماذا لم تتعنّى النيابة العامة ووزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية بالبحث والتقصي والقبض والتقديم للعدالة، لمن مس المقام بالتخريب، وإلا فهل هو تشجيعٌ وإضافة إلى ممارسات التعدي على معتقدات وأماكن العبادة لطائفة أصيلة في المجتمع؟ وما الحال والإجراء الرسمي، لو طال التخريب بمثل ما طال مسجد صعصعة، مساجد ومواقع تراثية أخرى، لذات الطائفة أو الطائفة الأخرى، أو أي موقع جامع للتراث الوطني مثل متحف البحرين الوطني، أو بيوت التراث في المحرق أو طريق اللؤلؤ، أو مسجد الخميس، فهل ستغلق أبوابها ونوافذها بالطوب، كوسيلة وحيدة لحمايتها، إلى أن يأذن الله وتصحو الدولة من سباتها لتقوم بالترميم والصيانة؟

لا نستطيع أن نخالف معيار العقل، ومنطق حقوق الحريات الدينية من جانب، ولا نستطيع من جانب آخر تخطي وجوبية المساواة بين المواطنين، لكي نقر لأي كان، لا الأفراد ولا الدولة، في أن تتعدى على التراث والتاريخ الوطني، بمعيار ما تحب وتكره، فالتاريخ هو التاريخ، شاء من شاء وأبى من أبى.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/884349.html