صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4326 | الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ورقة الدكتور منصور الجمري في مؤتمر التغيير الديمقراطي، مؤتمر الوفاق، 31 أغسطس 2013

أفكار أولية حول متطلبات الانتقال الديمقراطي

لعل المقصود من “التغيير الديمقراطي” هو الانتقال إلى نظام سياسي أكثر ديمقراطية، مع اختلاف في تحديد طبيعة النظام السياسي الحالي، وطبيعة النظام الديمقراطي المراد الوصول اليه. فالنظم السياسية غير الديمقراطية هي تلك التي تتسم بالتسلط أو السلطوية، وتختلف درجة التسلط من بلد الى آخر، بين تلك الدول الشمولية التي تتسلط فيه الدولة على كل معالم الحياة العامة والخاصة، الى نظم شبه سلطوية ينحصر تسلطها في المقدار الذي يفسح لمن بيده السلطة ان يفعل ما يشاء من دون حساب حقيقي من اي جهة كانت.


ومن المهم الالتفات الى تصنيف الدول المستخدم على اساس قربها او بعدها من الديمقراطية. فمثلا هناك تصنيف «الدول الفاشلة»، وهي دول انهارت فيها النظم والقيم وأصبحت غير قادرة أو غير راغبة في حماية مواطنيها من العنف، وحكومة هذه الدولة تفشل في إدارة شئون البلاد من جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية. والدول الفاشلة على درجات، ولعلَّ من أسوأ نماذجها «الصومال» التي يكاد ينساها المرء لولا أخبار المجاعة أو أخبار شبابها الذين يمتهنون القرصنة، أو أولئك الذين يمارسون القتل لأيَّ سبب كان.


وهناك «الدول الاستبدادية» وهي دول قد تكون متطورة في مستواها المعيشي على أساس امتلاكها لاقتصاد متطور أو اقتصاد ريعي، ولكنه مستبدة. وهذه الدول تسعى إلى الحديث عن خصوصيتها وإنها يجب أن تستثنى من أيِّ تطور تاريخي له علاقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان (بحسب المعايير والمواثيق الدولية). الدول الاستبدادية قد تبحث عن أعذار ومبررات غير الخصوصية، إذ يمكنها أن تشغل أجندتها السياسية بأطروحات أيديولوجية ثورية، أو عنصرية، أو اجتثاثية لا تعترف بوجود الآخر.


وهناك «الدول الديمقراطية»، وهي التي توازن بين متطلبات التنمية وحقوق شعبها والتزاماتها الدولية، وتسعى نحو «راحة الضمير» فيما يتعلق بشأنها الداخلي وعلاقاتها الخارجية. ومثل هذه الدولة تتناغم مع بيئة عالمية مفتوحة ومتداخلة اقتصادياً وسياسياً وبيئياً، وعلاقاتها الدولية والإقليمية لا تكون على حساب شعبها، وهي تخضع داخلياً لعملية سياسية تداولية بين مكوناتها.


وهناك تفرع للتصنيف المذكور، إذ إن هناك دولاً في «طور الانتقال نحو الدولة الديمقراطية»، وهناك دول في «مسار تراجعي نحو الدولة الفاشلة». كما إن هناك دولاً لها تأثير دولي أكبر من غيرها، وقد تراها ديمقراطية في داخل حدودها، ولكنها تساند الاستبداد في خارجه… أو العكس من ذلك، إذ إنها قد تكون دولة استبدادية ولكنها تساند الديمقراطية والعدالة في خارج حدودها. هذا التناقض بين النهجين الداخلي والخارجي مكلف، وكثيراً ما ينقلب بصورة موجعة وغير متوقعة على أصحابه. وهناك «الدولة المارقة» وهي الدولة التي تخرج على القانون الدولي والعلاقات الدولية المعهودة، ولا تحترم دستورها وقوانينها حتى لو اعلنت حكومة تلك الدولة انه اعتمدت كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية.


مؤشر الديمقراطية الصادر عن الايكونوميست:

هناك عدة وسائل لقياس مستوى الديمقراطية في أي بلد، ومن أهمها “مؤشر الديمقراطية” الذي تصدره وحدة البحوث التابعة لمجلة الايكونوميست البريطانية، EIU، وهو مؤشر بدأت بنشره المجلة في العام 2006 (يصدر كل عامين) ويستسند على 60 مؤشر فرعي، وهذه المؤشرات الفرعية توزع على خمسة فئات لقياس مستوى الديمقراطية في نحو 167 بلد في انحاء العالم. والفئات الخمس تقيس مستوى “العملية الانتخابية والتعددية”، “الحريات المدنية”، “أداء الحكومة”، “المشاركة السياسية”، و “الثقافة السياسية”. وعلى اساس النتائج (من 1 الى 10)، فان كل نظام سياسي يمكن تصنيفه على اساس انه “ديمقراطي بصورة كاملة (8 الى 10 نقاط)”، “ديمقراطي بصورة معيبة (6 الى 7.9 نقطة)”، “نظام مهجن (4 الى 5.9 نقطة)”، “نظام سلطوي (0 الى 3.9 نقطة)”.


وبحسب آخر اصدار لهذا المؤشر، فان النرويج هي أفضل بلد ديمقراطي (9.80 نقطة)، بينما احتلت كوريا الشمالية المركز الأخير من 167 دولة (1.08 نقطة). كما أوضح المؤشر ان 25 دولة فقط لديها ديمقراطية كامل (يمثلون 15.0 % من مجموع الدول، و 11.3 % من سكان العالم)، و 53 دولة لديها ديمقراطيات معيبة (يمثلون 31.7 % من مجموع الدول، و 37.1 % من سكان العالم)، و36 دولة لها أنظمة هجينة (يمثلون 22.2 % من مجموع الدول، و 14.0 % من سكان العالم)، و53 دولة لديها أنظمة سلطوية (يمثلون %31.1 من مجموع الدول، و 37.6 % من سكان العالم). كما وجد التقرير ان دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتبع فئة الانظمة السلطوية، وفي هذا الاطار احتلت البحرين المرتبة 144 (2.92 نقطة).


مؤشر الحرية الصادر عن فريدوم هاوس:

هناك مؤشر أقدم للديمقراطية يرجع اليه الباحثون منذ العام 1972، وهو “مؤشر الحرية” الذي يصدر سنويا عن المؤسسة الاميركية “فريدوم هاوس”، وهو يعتمد على الدراسة الاستقصائية لتقييم مدى التقدم أو التراجع في الديمقراطية في 195 بلدا و 14 منطقة متنازع عليها، ويقيس المؤر فئتين رئيسيتين هما: “الحقوق السياسية”، و “الحريات المدنية”.


وتستند تصنيفات الحقوق السياسية على تقييم ثلاث فئات فرعية هي: “العملية الانتخابية”، “التعددية السياسية والمشاركة”، “أداء الحكومة”. وتستند تقييمات الحريات المدنية على تقييم أربعة فئات فرعية هي : “حرية التعبير والمعتقد”، “حق التجمع والانتساب للتنظيمات”، “سيادة القانون”، “الاستقلالية الشخصية والحقوق الفردية”.
ويصنف كل بلد من 1 (حرة) وهي الدول التي تسمح بحرية المنافسة السياسية ويسودها جو من احترام الحريات المدنية والحقوق السياسية واستقلالية الإعلام، الى 7 (غير حرة)، ويتم تحديد الوضع العام لكل دولة: حرة (من 1 الى 2.5)، حرة جزئيا (3.0 الى 5.0) وهي الدول التي تتسم بمحدودية احترام الحقوق السياسية والحريات المدنية والتي تعاني من أجواء الفساد وضعف تطبيق القانون والخلافات العرقية والإثنية والتفرد في السلطة، أو غير حرة (5.5 الى 7.0) وهي الدول التي تغيب عنها الحقوق السياسية وينتشر فيها عدم احترام الحريات المدنية بصورة واسعة.


وبحسب مؤشر العام 2013، فقد بلغ عدد الدول الحرة في العالم 90 دولة، والتي تمثل ما نسبته 46 في المئة من دول العالم، وما يمثل 43 في المئة من سكان العالم. وبلغ عدد الدول الحرة جزئياً 58 دولة، بما يشكل 30 في المئة من جميع بلدان العالم، وما نسبته 23 في المئة من إجمالي سكان العالم. فيما صنف التقرير ما مجموعه 47 بلداً غير حر، وهو ما يمثل 24 في المئة من دول العالم، و34 في المئة من نسبة سكان العالم، لافتاً التقرير إلى أن أكثر من نصف هذا العدد يعيش في بلد واحد فقط، وهو الصين.


اما دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا فهي تعاني من انعدام الحريات، وحصلت البحرين على درجات متدنية في الحقوق السياسية (6 من 7) والحريات المدنية (6 من 7)، كما اعتبر البحرين ضمن أكثر دول العالم تراجعاً في الحرية ما بين العامين 2009 و2013. وكانت البحرين الدولة الخامسة، بعد كل من مالي ومدغشقر وغامبيا وغينيا – بيساو، ضمن أكثر دول العالم تراجعاً في مؤشر «فريدوم هاوس» للحرية.


الافكار المتداولة حول متطلبات الانتقال نحو الديمقراطية:

الانظمة يزداد او يقل تسلطها بمقدار ما يتوافر من كوابح وقوى توازن أفعالها، ويأتي في مقدمة ذلك مايلي:

- مستوى التنمية الاقتصادية، اذ ارتبطت الممارسات الديمقراطية الناجحة بوجود طبقة متوسطة تعتمد على نشاط اقتصادي انتاجي. وبصورة عامة، فقد تطورت النظم الديمقراطية بعد الثورة الصناعية في بريطانيا والغرب. كما ان هناك من يطرح علاقة مباشرة بين امكانية التحول نحو الديمقراطية مع وجود “اقتصاد السوق”، وهذا الاعتقاد يرتكز على فكرة أن الديمقراطية واقتصاد السوق مكملان لبعضهما البعض في ارساء مبادئ وممارسات الحرية، اذ ان ثقافة اقتصاد تقوم على النزعة والمسئولية الفردية، والمفاوضات والتسوية، واحترام القانون، والمساواة أمام القانون، وهذه جميعا تعتبر من متطلبات للتحول الديمقراطي.

- نوعية الموارد الطبيعية وفيما اذا كانت تمثل لعنة، مثل النفط، لأن النخبة النافذة يمكنها أن تعيش على الموارد الطبيعية بدلا من الاعتماد على الدعم الشعبي لعائدات الضرائب. وهناك ايضا نوعية الطبقة الرأسمالية التي قد تلجأ الى استثمار اموالها في الخارج، خوفا من أن استثماراتهم يمكن أن تتلف أو تتأثر بسهولة في حالة حدوث اضطرابات او ثورة، وبالتالي فانهم غير مضطرين لتقديم تنازلات مقابل الانتقال للديمقراطية.

- مستوى التعليم، ونوعية مخرجات التعليم، بحيث يمكن للجمهور التعرف على السياسيين والبرامج المطروحة لكي لا يقع ضحية للشعبويين الذين يتخلون عن الديمقراطية ويتحولون الى طغاة حتى لو كان وصولهم السلطة عبر انتخابات حرة.

- حجم البلد، وموقعه الجيو-استراتيجي، وقدرته على استيعاب الممارسة الديمقراطية. كما ان من المهم النظر الى محيط الجوار وفيما اذا كان يوفر بيئة حميمية للتسلط او للديمقراطية.

- الثقافة السائدة لدى النخب النافذة، ولدى قطاعات المجتمع المختلفة، اذ ان الثقافة الدينية او القبيلية او الطائفية او العرقية او القومية ترسم خارطة قوى سياسية واقتصادية واجتماعية على الارض، وهذه تحدد مدى امكانية الانتقال نحو الديمقراطية، او تحبذ تسيير الامور عبر التسلط بحسب معادلات تتناسب مع الثقافة المعمول بها. الديمقراطية تنتعش في المجتمعات التي تؤمن بالتنازلات مابين الاطراف والفئات المختلفة. كما ان المجتمعات التي تنتشر فيه القيم التحررية تمهد الطريق للناس للقبول والمطالبة بحرية التعبير وتكافؤ الفرص والانخراط في الأعمال الجماعية التي تنشد البيئة الديمقراطية.

- تاريخ العلاقات الاجتماعية وطريقة حل الخلافات. اي مجتمع يتكون من طبقات وفئات وانتماءات وتشكيلات تقليدية او حديثة، وطبيعة العلاقات والتراتبية بين كل هذه المكونات تحدد مدى امكانية الانتقال الى الديمقراطية، أو البقاء على انماط التسلط بدرجات مختلفة والابقاء على الانقسامات المذهبية او العرقية. وهناك وجهات نظر مترسخة في داخل المجتمعات وهذه تحدد مدى الايمان، مثلا، بالمساواة الاجتماعية. الناس لديهم حوافز أقل للثورة في مجتمع قائم على المساواة. كما ان هناك فارق بين المجتمعات المتجانسة والتي تتشكل من مجموعة عرقية، او مذهبية، أو ذات لغة واحدة، والمجتمعات المتنوعة. كل ذلك يؤثر على امكانية التحول الديمقراطي.

- تاريخ العلاقة بين النخبة الحاكمة وفئات المجتمع، وفيما اذا كانت قائمة على اتفاقات والتزامات واضحة، أو اذا كانت قائمة على منطق القوة وحكم الواقع، كل ذلك يؤثر في طريقة التعامل مع التحديات التي يواجهها اي بلد، ويؤثر بصورة مباشرة على امكانية الاتفاق على الانتقال نحو الديمقراطية.

- المجتمع المدني الذي يتشكل من روابط وجمعيات طوعية، منظمات غير الحكومية، نقابات، أوساط أكاديمية، ومنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة، الخ، يعتبر عاملا مهما لإرساء الديمقراطية، لأن هذه التشكيلات توحد الناس حول اهداف مشتركة، وتنعش النسيج الاجتماعي وقويه في قبالة قوة التسلسل الهرمي للأجهزة الحكومية. كما ان المشاركة في الجمعيات المدنية تدرب المواطنين على مشاركتهم السياسية المستقبلية في نظام ديمقراطي، ولأن والشبكات الاجتماعية تعتمد التنظيم الأفقي فانها تبني الثقة بين الناس، والثقة ضرورية لعمل المؤسسات الديمقراطية.

- طبيعة علاقات البلد بالدول الكبرى، وبالمنظومة الدولية سياسيا واقتصاديا، اذ ان هذه العلاقات تلعب دورا محوريا في التأثير على مدى امكانية الانتقال نحو الديمقراطية، او الامساك بزمام الأمور عبر التسلط. كما ان التدخل الأجنبي قد يفرض الديمقراطية، وقد يرفض الديمقراطية.

- مقدار تفاعل البلد مع الهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان، ولا سيما مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وفيما اذا اعتمدت الحكومة الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان، وادخلتها في القانون المحلي ووضعت آليات لتفعيلها والغاء القوانين والاجراءات التي تخالفها.

- وجود مؤسسات دستورية تلتزم بالضوابط الديمقراطية المعترف بها عالميا، ويأتي في مقدمة ذلك وجود برلمان منتخب بصورة صحيحة يمثل من خلاله المجتمع، ولديه صلاحيات تشريعية ورقابية تستطيع توجيه السلطة التنفيذية ومحاسبتها. كما ان الخبرات السابقة مع الممارسات الديمقراطية مهمة جدا، لأن وجود أو غياب الديمقراطية في الماضي له تأثير كبير على امكانية الانتقال الى الديمقراطية في وقت لاحق.

- مدى انتشار الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة والمتطورة، بما يفسح المجال لسعة وسرعة انتشار المعلومة والمعرفة بين عامة الناس، وذلك على النقيض من المعرفة التي تسيطر عليها جماعات النخبة فقط. على ان الانتشار الواسع والسريع للمعلومات قد تكون له مخاطر عرضية، مثل انعدام العمق في المعرفة، او انتشار الافكار المتطرفة التي تدعو الى الارهاب والفتك بالاخرين.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/903363.html