صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4351 | الثلثاء 05 أغسطس 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

فلتسقطْ المحاصصة أيّاً كانت ولتبقَ المواطنة المتساوية

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

رؤيتنا لحل أزمة البحرين، مبنية على مبادئ العدالة والمساواة، وعلى مبادئ حقوق الإنسان، بعهودها ومواثيقها الأممية، والمبادئ الدستورية والديمقراطية للدولة المدنية الحديثة، ومن أبرزها حقوقياً وسياسياً، قاعدة المواطنة المتساوية للشعب مصدر السلطات جميعاً. ورؤيتنا نابعة أيضاً، مما يمليه علينا الضمير الإنساني والوطني، الذي يجعلنا لا نميل، لا خياراً ولا جبراً، إلى أصحاب مذهب أو طائفة أو دين، فليس في ضمير وجداننا الإنساني والسياسي، سوى المواطن والإنسان.

والمتتبع للأحداث والمواقف والسياسات، ما بين السلطة ومواليها، وبين المعارضة وقواعدها الشعبية، كطرفين أساسيين بما استخدماه، من غالبية قواهما وأدواتهما البشرية والسياسية والحقوقية، وبما رفد بداية بروز الأزمة الدستورية والسياسية والحقوقية، على السطح بما تجلت به في فبراير 2011، وبما رفد تاليها بمرحلتها المتأخرة في 2013- 2014، والتي بدأتها المعارضة الشعبية، في بيان الجمعيات السياسية، بعقد العزم على مقاطعة انتخابات الفصل التشريعي الرابع، المزمع إجراؤها أواخر العام 2014، استكمالاً لموقفها العملي باستقالة أعضائها الجماعية من مجلس النواب، إثر التعاطي الرسمي مع أحداث الاعتصامات والتظاهرات في دوار اللؤلؤة، وإعلان حالة السلامة الوطنية، وما تبعه من استخدام العنف المفرط، بما طال القتل في الشوارع وفي المعتقل وإفلات المتجاوزين من العقاب، والاعتقالات الجماعية، بما فاق طاقات السجون الإستيعابية، والتعذيب في سجون التوقيف لانتزاع اعترافات المتهمين، والفصل الجماعي من العمل ومقاعد الدراسة الأساسية والجامعية، على خلفية طائفية وسياسية، للعمال والموظفين والمدربين والمهندسين ومدراء الإدارات والمدراء العامين، والطلاب والمدرسين وأساتذة الجامعات، كما طال الفصل والاعتقال خيرة الاستشاريين والأطباء البحرينيين، نتيجة أدائهم واجبهم، الذي يمليه عليهم قسمهم الطبي، لمعالجة الجرحى والمصابين جراء الحوادث في تلك الفترة.

ولا يمكن أن ينسى المرء الممارسات الخاطئة الدالة على البغض والتمييز الطائفي والسياسي، للتلفزيون الرسمي ووضع الدوائر الحمر، وهو مؤسسة حكومية، استخدمها أيضاً وزراء لسَوْقِ أدلة اتهام باطلة حول تخزين الأطباء للسلاح في سقوف مستشفى السلمانية، وإدعاءات أخرى. وقد أبطلت تلك الإدعاءات «لجنة بسيوني» والمحاكم المدنية فيما بعد، تلك المحاكم التي لم تعتد بشكوى المعتقلين جراء التعذيب، ولم تحقق في دعاواهم، وأصدرت أحكامها بناء على لوائح الادعاء التي أوردتها بعض الأجهزة، وبشهادة شهود سريين لم ير القضاة منهم إلا حبر أقلامهم، على أوراق شهاداتهم. وقد شجّع مثل هذا الوضع بعض مرضى النفوس، على سب المعتقد ومسّ العرض لطائفة، عبر المنابر والقنوات الرسمية، في ظل تغاضي السلطة عن محاسبة ممارسيها، فأفلت الجناة من المحاسبة والعقاب.

وقد قرأنا وأقرأتنا المعارضة، قرارها مقاطعة انتخابات 2014 وما يليها من انتخابات أخرى، على المستويين النيابي والبلدي، مع استمرار الحراك الشعبي السلمي للمطالبة بالحقوق الدستورية، ما لم تستجب السلطة للمطالب الشعبية، المتلخصة في تحقيق نظام دولة المؤسسات والقانون، والعدالة والمساواة بين المواطنين، وترجماتها العملية على مستوى الحالة الدستورية، في تساوي السهم السياسي والحقوقي، وتساوي الصوت الانتخابي لكل مواطن؛ وفي الفصل الفعلي بين السلطات وتحديد صلاحيات كلٍ منها دون تداخل، ودون انصياعها لتعليمات أصحاب النفوذ، أو أي كان من خارجها؛ وعلى مستوى المبدأ الدستوري «الشعب مصدر السلطات جميعاً»، في انتخاب سلطات الدولة وفي مقدمتها السلطة التنفيذية (الحكومة)، والسلطة التشريعية كاملة الصلاحية للتشريع والرقابة، وحق الشعب عبر آلية دستورية للإستفتاء على أي وضع سياسي أو حقوقي، أو على أي سلطة أو جهة أو جهاز، حكومياً كان أو تشريعياً أو قضائياً، للقرار في حقه بالحل والإبدال، في حال ارتأت غالبية الشعب حيده أو أفراده عن الدستور أو أصل مهام إنشائه، الأمر الذي لا يستقيم إنسانياً ولا دستورياً وقانونياً وحقوقياً، ما لم تُشرف على العملية الإستفتائية والإنتخابية، هيئة شعبية منتخبة انتخاباً حراً مباشراً، أو إيكالاً لمؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية، السياسية والقانونية والحقوقية، برئاسة السلطة القضائية.

والتجارب علمتنا، وجوب النص المباشر في الدستور بما يفيد، أنه في الأوضاع غير الطبيعية كالكوارث وحالات السلامة الوطنية والطوارئ، في مثل هذه الحالات فقط، يحق عبر القرار الجماعي، التدخل في الشأن الداخلي، لفرض حالات الأمن والسلامة للمواطنين والمقيمين، دون الميل إلى أي طرف، وإفساح المجال للسياسيين والحقوقيين، للتواصل والحوار واتخاذ القرارات التي تبقي الوطن في الحالة الدستورية، كما أرادها الشعب بما صاغه نوابه في مجلس دستوري أو تأسيسي، من نصوص دستورية وبآلية الدستور، أو الدعوة لانتخاب مجلس دستوري لتعديل الدستور بما نقص فيه.

ولينظر المرء إلى السياسة العامة منذ الاستقلال العام 1971، في ظل دستور 1973، ومرحلة قانون أمن الدولة، ثم في ظل دستور 2002، المبني على الميثاق الذي وافق عليه شعب البحرين بنسبة %98.4، وإلى يومنا هذا، وما ترتب عنها من ضنك على المواطنين، في الخدمات المعيشية والسكانية والصحية والتعليم، والحقوق المدنية والسياسية، وسياسات التمييز والإستئثار بثروات الوطن، بما استشرى معها ممارسات الفساد وسرقات الأملاك العامة، وأوصل الدين العام للدولة إلى الرقم الخطير، وبما أفرز من مؤسسات دولة تدار كمُلك خاص.

والحل يلزم الاعتبار لجزئيات كثيرة بدءًا من الدستور العقدي، وانتخاب الحكومة والمجلس النيابي الواحد، على قاعدة الوطن دائرة انتخابية واحدة، والصوت المتساوي لكل مواطن... وهو أعقد بكثير مما يظنه البعض، عبر الاستبشار بفكرة «المحاصصة»، ولم يلحظوا أنها محاصصة بين أطراف ثلاثة، لا جديد فيها منذ وعينا على الدنيا، إلا أن ما أفرح المستبشرين، هو رفع نسبة المحاصصة عدداً لطائفتهم، على مستوى التشكيل الحكومي والتمثيل النيابي، كما رفضها المستاءون نتيجة تقليص نسبة المحاصصة لطائفتهم عدداً، عمّا هو قائمٌ لهم، بما يقلّل من نصيبهم في الاستئثار بالقرار والثروة، وبما يرفلون فيه من تمييز على حساب الآخرين. وكلا الفريقين ظلم نفسه وظلم صاحبه المواطن الآخر، فالقسمة طائفية ما بين الشيعة والسنة والعائلة الحاكمة، بما يستثني جماعات من المواطنين، المتجردين من الطائفية وأتباع الديانات الأخرى، وبما يُدخل البحرين في حالة مثل الحالة العراقية أو اللبنانية من الصراع الطائفي، ليس بين الطائفة والأخرى فحسب، بل أيضاً في داخل كل طائفة بين فروعها، وتبقى الجهة الأخرى هي الأكثر تماسكاً ونفوذاً. والحديث مازال متصلاً.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/909625.html