صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4355 | السبت 09 أغسطس 2014م الموافق 18 رمضان 1445هـ

أولى مصائب أزمة البحرين

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

المتتبع لتقلبات تاريخ الوضع السياسي للبحرين، بالدرس أو بالمعايشة، يجد نفسه بين الفترة والأخرى، بصدد أزمة إنسانية أو دستورية أو سياسية أو حقوقية أو قانونية، أو بأزمة تشمل جميع هذه الأوجه، كما هي حالنا اليوم، وذلك بشكل متواتر كل بضع سنين.

وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن هناك انفصالاً بين السلطة وبين غالبية الشعب، وأنه عبر المراحل التاريخية المختلفة وتناسل الأجيال، اختلفت هذه الغالبية الشعبية، ما بين كل أزمة وأخرى، إلا أنها وصلت اليوم إلى مداها، بتوارثها في جميع الأجيال.

وعبر كل التحركات الشعبية، المطالبة بالإصلاح السياسي والحقوقي والمعيشي، منذ العشرينيات، إلى يومنا هذا، كانت رَدّات فعل السلطات تجاهها، متمثلة في المعالجات الأمنية. وهذه النظرة مرجعها التفسير المتعنت والخاطئ للتاريخ، في أصل العلاقة بالأرض، وفي كونهم لم يعتادوا خلال سنوات طويلة السؤال من أحد: «أين حقي؟» وبشكل شعبي جماعي، إلا ووجهوا بالنار والحديد.

ومسميات المراحل السياسية المختلفة دالة على أزمات الوطن، في علاقة الانفصام هذه، وأحدثها تاريخاً حركة الهيئة 1954-1956، التي كان لها ذلك الخضم الشعبي الكبير بما يقارب الإجماع، والتي تم إنهاؤها عبر البطش والاعتقال والنفي من الوطن، وإبدال تحقيق المطالب الشعبية، التي استطاعت الهيئة تنفيذها، بإجراءات تحفظ اليد الطولى للسلطة دون أدنى منازعة أو مشاركة شعبية.

ثم حراكات الستينيات 1965-1970، التي استخدمت فيها السلطات ربما للمرة الأولى، إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وأثناء الملاحقات الأمنية للناشطين الشعبيين، خشية من أن تتوسع الحراكات الشعبية بما فعلت حركة الهيئة. ثم تلتها مرحلة الاستقلال (1971)، على إثر انسحاب القوات البريطانية من الخليج، وترتيبات الوضع السياسي لدوَلِهِ، وجعل البحرين دولة مستقلة، فكانت التصريحات الرسمية، بالبدء في عهد جديد، من علاقة التكامل وشعب البحرين، بما تمخض عنه الدستور، لتنتهي الفترة من ديسمبر 1973 إلى أغسطس 1975، فترة التهدئة المخطط لها، لتبدأ مرحلة قانون أمن الدولة سيئ الصيت، والذي عانى شعب البحرين بأثره أبشع العذابات، من الاعتقال لفترات تصل إلى الخمس سنوات، من دون محاكمة، ومن بعد التعذيب في السجون، بما أودى بحياة عدد من الشهداء، الذين برأت بعض المحاكم فيما بعد، ساحتهم مما اتُّهموا به.

تلك المرحلة التي كان مخططاً لها أن تستمر طويلاً، لأكثر من ربع قرن، لعل الموت يطال شعب البحرين في نفوسهم، من أمل الحرية والكرامة.

إلا أن شعب البحرين ما فتئ أن ضاعف جهده، بما استفاده من تقييم التجارب، والتطورات الدولية في مجال حقوق الإنسان، واستثمر الضغوط الدولية على السلطة في البحرين، نتيجة سوء إدارة الدولة، وسياسات التمييز وامتلاء السجون، وكثرة المغيبين خارج الوطن، من المعتقلين والمنفيين، فدخلت البحرين في مرحلة أخرى هي مرحلة الميثاق العام 2000، والتي كانت بدايات الخلاف حولها، بما يعلمه الجميع ثم توجت بالحراكات الشعبية من جديد في 14 فبراير 2011، بما أظهر من جديد ملامح سوء الإدارة المبنية على الاستفراد بالسلطة والثروة، من تجاوز القوانين المحلية والدولية، فيما يتعلق بحقوق الإنسان، العمود الفقري لدولة المؤسسات والقانون، والمدنية الحديثة، التي رمت عرض الحائط، بما أوردته تقارير الجمعيات السياسية ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والمنظمات الدولية، وإفرازات التصرفات الرسمية بأكثر مما كان أيام قانون أمن الدولة، إضافةً إلى عدم تنفيذ تعهدات الدولة للمجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، وآخرها توصيات لجنة بسيوني 2011، وتوصيات مجلس حقوق الإنسان 2012 و2013، واتفاقية أطراف الإنتاج الثلاثة، لعودة العمال المفصولين على خلفية حراك 2011، برعاية منظمة العمل الدولية. كل ذلك على إثر الحملات الأمنية المفرطة، وإعلان السلامة الوطنية، بما تلاها من تحشيد واستفزازات طائفية، وإجراءات مازالت غير موزونة، وليست في صالح شعب البحرين بطائفتيه.

فأولى مصائب الأزمة البحرينية، العقلية التي لا ترى أي مشاركة أو محاسبة شعبية، سواء في نظام دولة المؤسسات والقانون الرسمية، أو مؤسسات المجتمع المدني، وترى السؤال والنقد والمحاسبة تطاولاً، لتستثير الطبيعة العنفية، المطالبات الشعبية الجماعية، التي ترى صوتها حرباً عليها، تستوجب أن تتملك كامل مؤسسات وأجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، لتكون حائط الصد لتلك المطالبات، وهذه ثاني مصائب الأزمة البحرينية التي سنتناولها لاحقاً.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/910668.html