صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4372 | الثلثاء 26 أغسطس 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

نكبة التجنيس مسئولية تتحملها الدولة

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

تعداد السكان وتوثيق تأصيل المواطنين في أية دولة، إنما يأتي لحفظ حقوقهم إزاء الآخرين من المقيمين، فإن لهم الأولوية في خيرات الوطن، من دون نيلٍ بالتقصير، على الآخرين حقوقهم، وكذلك بسط الإحصاءات أمام القائمين على الإدارة الوطنية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتخطيط حركة كفتي الميزان ما بين الموارد والاحتياجات، بما يلبي حاجات المواطنين في هذه المضامير، حاضراً ومستقبلاً، وبما ينقل حياتهم من حالة العوز إلى الاكتفاء، ومنها إلى الرغادة.

ومن المنظور الديني في جميعها، إن الله خلق الأرض أولاً، ثم خلق الإنسان، والعلوم وأهلها يرون أن الإنسان تطوّر عن مخلوق آخر أقل منه تطوراً، ذاك المخلوق سكن الأرض، من بعد انبلاجها نتيجة الانفجار الكوني الكبير، فكلا الفكرين الديني والعلماني، يلتقيان عند التسليم بفكرة «في البدء كانت الأرض»، ثم قطنتها جميع المخلوقات، بما في ذلك الإنسان، كلاً في بقعة من بقاعها، التي كانت له وطناً باستيطانه بها، فتناسلوا وتكاثروا، وسعوا في الأرض هجرةً واستقراراً، فكان لكل جماعة أرض يستوطنونها ويعمرونها، فتشكّلت الجماعات البشرية، كلٌّ من مجموعة من الأسر التي تنتسب لعائلة ما، ثم توسعت لتشمل العمومة والخؤولة ونسل جميعها، وهكذا إلى أن تشكلت القبيلة، وتعدّدت في قبائل استوطن كلاً منها أرضاً، وصدّت عنها اعتداءات باقي القبائل الأخرى، فَتَسَمّت هذه الأرض باسم هذه القبيلة، وتلك باسم تلك.

إلى تلك المرحلة من التاريخ، تقاسمت القبائل، أراضي البدو والحواضر، وتنازعت على الأراضي المشاع، للفوز بمائها والكَلإِ لرعي مواشيهم، وخصوصاً أيام الجفاف والقحط، فكانت الحروب بين القبائل، ونتاجاتها من النهب والسلب والسبي والعبودية، وصولاً إلى الغزوات والاحتراب، للسيطرة على الأرض بما فيها من صيد البر والبحر وثروات الأرض الطبيعية، من خلال استحواذ من قبل بعضها حتى في ظل خضوعها لسلطة مستعمر خارجي، مقابل دعم المستعمر لها.

وفي حال البحرين، إلى ما قبل أواخر أربعينيات القرن الماضي، كانت تتحكم في إدارة مناطقها المختلفة، إضافة إلى السلطة، عدة مشايخ عائلية ودينية، منها منطقتا سترة وجدحفص على سبيل المثال، وإلى أواخر الثلاثينيات من ذاك القرن لم يكن سارياً توثيق الولادات، ولا تعداد أنفس المواطنين، فكل ما يتعلق بذلك من معلومات، كانت معروفة لدى الخاصة والعامة من الناس شفاهةً، أو في مراسلات العوائل، وقد كان يسكن البحرين عدة جماعات، إضافة لمواطنيها بالولادة من الطائفتين، قدموا لطلب العيش، لوفرة الخيرات في هذه الأرض، وقد قدموا من عدة مناطق وخصوصاً عرب السواحل الإيرانية (الحُوَلَة)، وعرب الخليج، وخصوصاً العمانيين، وجماعات من الأجانب الإيرانيين وغيرهم، وبالمقابل استوطنت جماعات من مواليد البحرين مناطق في الخليج وسواحل إيران والهند وبعض مناطق سواحل أفريقيا.

إلى أن صدر قانون الجنسية البحريني لأول مرة في 8 مايو/ أيار 1937، حيث تم تسجيل كل الحائزين للجنسية البحرينية، وقد كان معتداً ومسنوداً من قبل بيت الدولة البريطانية في البحرين، بعدة جهات محلية من مشايخ ووجهاء المناطق وشيوخ الدين للطائفتين الكريمتين للإفادة بـ، أو لإصدار الوثائق الثبوتية والشهادات لإثبات ولادة أبناء البحرين بها، وبحيازة الجنسية البحرينية، وذلك حتى أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1948، حيث بدأت عملية مَرْكَزَة إدارة الدولة في يد حكومة البحرين وحكامها، بدعم وإدارة البريطانيين لأمور البحرين بالانتداب والحماية، فاقتصر من حينها أن يتحصل رعايا حكومة البحرين على جوازات السفر وأوراق الجنسية ورخص السفر، من حكومة البحرين فقط.

ثم في 20 فبراير/ شباط 1955، أصدر مستشار حكومة البحرين البريطاني، إعلاناً بأن حكومة البحرين لن تمنح الجنسية البحرينية إلا لمن تتوافر فيهم الشروط الخمسة، التي ذكرناها في مقالتنا السابقة، وقد صدر هذا الإعلان، من بعد توثيق مواليد البحرين، ليأتي الدور لمنح الجنسية، لأسباب إنسانية، فرضتها الدولة البريطانية على حكومة البحرين، لمنح الجنسية لمن يستوفون تلك المتطلبات القانونية، من غير مواليد البحرين وغير المواليد في الخارج لأب أو جد مولود في البحرين، ولكنهم استوطنوا البحرين سنوات عمرهم وملكوا بيوتهم فيها، وأنجبوا، وأصبحوا أما أن يتجنسوا بالجنسية البحرينية وأما أن يصنّفوا عديمي الجنسية، فتم منح الكثير منهم الجنسية البحرينية.

إلى هنا لا غبار ولا مآخذ على كل من حاز الجنسية البحرينية تنفيذاً لقانون 1937، بما في ذلك تفعيل منطوق المادة 5 من القانون «لحاكم البحرين أن يمنح الجنسية البحرينية إلى أي شخص يسكن البحرين ويقدم طلباً بذلك، وله أن يلغي هذه المنحة إذا انقطع ذلك الشخص عن السكن في البحرين»، وكذلك قرارات حكومة البحرين الخاصة بمنح الجنسية لعام 1955، فقد كانت تلك المرحلة تتسم بالعلاقة الطبيعية بين حكومة وشعب البحرين، رغم الخلافات السياسية التي قادتها حركة الهيئة ما بين عامي 1954-1956 وما قبلها من حراكات، لتبدأ من بعد الإطاحة بقادة الهيئة من قبل الحكومة وبريطانيا، ونفيهم إلى جزيرة سانت هيلانة، والآخرين إلى الهند، لتبدأ مرحلة من العلاقات المتوجّسة من قبل السلطة تجاه شعب البحرين، وخصوصاً في حالة تلاحمه ووحدته الوطنية، كما تبدّت في فعاليات حركة الهيئة.

ثم صدر قانون الجنسية البحرينية لعام 1963، بتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 1963، ليلغي قانون 1937، ثم تبعه تداركاً بالتعديل عليه بعد شهر وذلك في 12 أكتوبر 1963، وتبعت ذلك تعديلات أخرى على قانون الجنسية البحرينية، دراستها وتحليلها لابد وأن تلقي الضوء على التغيرات في العلاقة ما بين السلطة والشعب، وعلى ذلك ستكون لنا وقفة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/915246.html