صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4384 | الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

النخبة تختفي... والطبالة ترتقي

الكاتب: خالد جناحي - .

يجب أن تكون الطبقة المتوسطة هي الشريحة الديموغرافية الأكبر في أي بناء مجتمعي سليم، وهي ما تضفي على هذا البناء صفة وهوية المجتمع. وعندما تتآكل الطبقة المتوسطة، فإن ذلك يعني تآكل نسيج ووجود المجتمع كأفراد تباعاً. وكما هو معتاد، تشكل شريحة النخبة قادة هذا المجتمع، فهم من يرسمون الخطوط العريضة للمستقبل من خلال الإلهام وتحديد الاتجاهات والقيادة، وباختفاء شريحة النخبة يختفي مستقبل المجتمع.

ومن المؤسف أن شريحة النخبة قد بدأت تختفي من مجتمعاتنا، حيث تم استبدالها تقريباً بجيش هزلي من «المتملقين». حيث إن هذه السلالة من الطفيليات على حدود معرفتي هي جديدة نسبياً.

ويذكرنا دور هؤلاء الأفراد بما تقوم به فرقة الطبالة التقليدية. حيث إن دور الطبالة هو قرع الطبول من أجل جذب الانتباه لحدث رئيسي معين. وهو ما يعد دوراً ثانوياً وصاخباً للغاية، كما أنه متأصل في الكثير من ثقافات منطقة الشرق الأوسط منذ زمن بعيد، حيث كان يتواجد في المعتاد وبشكل حصري في أوساط صناعة الترفيه. أما اليوم، فيبدو أنه قد أصبح دوراً أساسياً في جميع الأوساط والقطاعات التي يمكنني التفكير بها في الشرق الأوسط.

حيث يتم استبدال حكمة النخبة بالجعجعة الهزلية المخجلة (أو بالأحرى الوقحة) لفئة الطبالة في جميع أنحاء المنطقة. وفي الحقيقة، ربما تحظى دول الخليج بأعلى تعداد للطبالة في العالم، وهي بالتأكيد وصمة عار حتى وإن كانت ستدخلنا موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

فاليوم يبدو أن نخبة مجتمعاتنا، أو معظمها على الأقل، لا تلبي المعايير التقليدية الراسخة التي عُرفت بها نخبة المجتمع المبجلة منذ القدم. وبدلاً من ذلك، فهم يبدون جميعاً كما لو كانوا مجموعة من المستنسخين المتملقين على الدوام. فلم يعودوا هم هؤلاء الأفراد الذين يطرحون الحلول الفريدة للتحديات المعاصرة؛ ولا من يقدمون النقد البناء؛ أو طرقاً جديدة لإنجاز المهمات؛ ولا من يمنحون الإلهام ويقودون المجتمع؛ وبالتأكيد هم ليسوا هؤلاء الأفراد الذين يناقشون أو يعترضون على الأوضاع الراهنة. حيث احتل هؤلاء الطبالة الهزليون من الأفراد المتملقين مكانة النخبة في وقتنا الحاضر، للموافقة وليس للمواجهة، وليكونوا تابعين لا قادة، وليصفقوا بطريقة هزلية ويتبعوا بشكل أعمى طوال الوقت.

ولابد أن هذه هي واحدة من أقدم المهن في التاريخ، ولكن من المثير للقلق أن يستولي ذلك على شريحة النخبة في مجتمعاتنا. كما أنه لا يوجد أدنى شك في أن ذلك الدور يشكل مهنة للبعض. ومن هنا فقد أصبح ذلك واحداً من العناصر الأساسية ومحفزاً قوياً للانحطاط والتدهور الذي تشهده المنطقة. وأنا لا أتحدث هنا عن الإطراء البريء، أو حتى الإعجاب الصادق والموجود في جميع الثقافات، والذي قد يكون له أثره الإيجابي، بل أعني ذلك السلوك الطفيلي لبعض الأفراد الذين يتعلقون بأصحاب السلطة، ويتغذون ويعيشون على نفوذهم من دون بذل أي شيء في المقابل، تماماً كما تمتص البعوضة الدم من الكائن المضيف. ومثل هؤلاء الأشخاص يتواجدون فقط من أجل تعزيز مكاناتهم في السلم الاجتماعي، وذلك على حساب الجميع بما في ذلك أسيادهم. أما ما هو مخجل أكثر فهو أن مصاصي الدماء هؤلاء غالباً ما يأتون من الطبقات العليا في المجتمع، بعضهم بحكم المولد والبعض الآخر من خلال تحقيق إنجازات مميزة.

وهناك استثناءات بالطبع، ولكن الوضع الإجمالي يشير إلى أننا نتراجع إلى الخلف. فمن الواضح أننا نحتفي بالطبالة ونكافئهم ونشجعهم، بينما نعاقب أو نضطهد أو نقصي النخب الحقيقية.

لذا فإنني أعتقد أن علينا جميعاً أن نقلق بشأن هذا الأمر لأنه لا يعد بمستقبل مشرق أبداً، فربما يكون اختفاء الطبقة المتوسطة مأساة، ولكن اختفاء النخبة هو حتماً أمر كارثي ومروع.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/918690.html