صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4386 | الثلثاء 09 سبتمبر 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

المنامة الحاضنة الرئيسة للمكتبات التجارية

الكاتب: منصور محمد سرحان - comments@alwasatnews.com

شهدت المنامة في سنوات الخمسينات من القرن العشرين بروز الصحافة بشكل مكثف والتي منها: صوت البحرين، القافلة، الوطن، الميزان، والخميلة. وكان أبناء المنامة هم غالبية الكوادر العاملة بتلك الصحف، وهم غالبية قراء تلك الصحف، إضافةً إلى أبناء مدينة المحرق. وقد سبق إصدار الصحف قيام بعض أهالي المنامة من التجار بجلب أحدث المطابع، ومنها المطبعة الشرقية لصاحبها عيسى الزيرة، التي جلبها إلى البحرين العام 1952، وكانت تقوم بطباعة نشرات ومطبوعات شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو).

وعندما تم افتتاح إذاعة البحرين اللاسلكية العام 1955، ساهم أبناء المنامة في تغذية الإذاعة بكتاباتهم وإعداد البرامج وتقديمها. وكانت الدكتورة بهية الجشي أول امرأة بحرينية من العاصمة انضمت إلى الإذاعة مقدمة بعض البرامج.

كانت المنامة الحاضنة الرئيسة للمكتبات التجارية منذ عشرينات القرن الماضي حتى يومنا هذا. وقد شهدت سنوات الخمسينات والستينات وجود مكتبات تجارية أهمها: مكتبة التاجر، والمكتبة الكمالية، والمكتبة الوطنية، والشركة العربية للوكالات والتوزيع، ومكتبة البحرين، ومكتبة الجيل الجديد، ومكتبة الماحوزي التي اشتهرت ببيع المواد القرطاسية ومكتبة أوال. وكانت تعتمد تلك المكتبات على أبناء المنامة كقوة شراء باعتبارهم الطبقة المثقفة في البلاد.

تميزت المنامة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين بأسواقها المختلفة، والتي منها الأسواق التقليدية التي كانت تعج بالمتسوقين في الصباح وحتى المساء من جميع مناطق البحرين دون استثناء، باعتبارها السوق الوحيدة التي تتوافر فيها كل ما يطلبه المتسوق. ومما زاد من أهمية أسواق المنامة في تلك الفترة عدم وجود أسواق في الخمسينات بصورة خاصة في جميع مناطق القرى، إضافةً إلى وجود بضعة دكاكين في بعض المدن الصغيرة آنذاك كالرفاع والحد، الأمر الذي جعل المنامة وجهة المتسوقين من جميع مناطق البحرين في تلك الفترة المحددة.

وكان كل من يريد الترويح عن النفس من أبناء مناطق البحرين في تلك الفترة بالذات يتجه إلى أسواق المنامة حيث يقضي ساعاته بالتجوال في شوارعها المختلفة والاستراحة في مقاهيها. وأصبح كل من يبحث عن التجارة واستثمار المال أو طلب الرزق يتجه إلى العاصمة المنامة، باعتبارها المركز التجاري والاقتصادي المهم، وكانت مركز كبار تجار اللؤلؤ والذهب، ومقر وكالات الشركات الأجنبية.

ومن بين أسواقها المشهورة شارع التجار، وشارع باب البحرين، وسوق الطواويش، وشارع الشيخ عبدالله، وسوق الأربعاء الشبيهة بسوق الخميس حيث يعرض أهالي القرى في سوق الأربعاء بعض صناعاتهم اليدوية، مثل المديد والحصر، والمراوح والسلال وغيرها، إضافةً إلى عرض الدواجن وبعض المنتجات الحيوانية وبعض الثمار والفاكهة المحلية.

وبالقرب من سوق الأربعاء تقع سوق الحدادة (الصفافير)، وسوق المواد والأثاث المستعملة (المقاصيص)، وقد شيد في الستينات مبنيان متشابهان في الشكل والمساحة ومنفصلان بالقرب من المكان الذي تقام فيه سوق الأربعاء، واستخدم المبنيان لبيع الخضار والفاكهة والمواد التموينية الأخرى.

عرفت المنامة بعض العوائل الثرية المشهورة كعائلات: المديفع، والعريض، والزيرة، والمؤيد، وجواهري، وكانو، والبحارنة، وجواد، وفخرو. وقد لعبت تلك العوائل دوراً مشرفاً في بناء المؤسسات والشركات التجارية والمالية التي كان لها أثرها في نهضة البحرين الاقتصادية.

شهدت المنامة في الجانب الترفيهي ازدهار دور السينما في تلك الفترة المحدودة، حيث توافرت جميعها في منطقة واحدة تحدها مقبرة السنّة من الغرب الملاصقة لبناية الكويتي وفندق الشرق الأوسط حالياً من الشرق، ومقر وزارة التربية والتعليم من الجنوب حيث تواجدت دور السينما التالية: الوطني، الأهلي، الزبارة، أوال، البحرين، والحمراء. وازدهرت هذه المنطقة من المنامة في الليل حيث تبدد أنوار المقاهي والمطاعم ودور السينما ظلمة الليل التي كانت تغطي سماء المنامة.

وتعج هذه المنطقة بالناس من مختلف مناطق البحرين الذين يأتون لمشاهدة الأفلام، كما ازدهرت حركة الباعة المتجولين الذين يعرضون الفول السوداني وبعض الحبوب المجففة، حيث يتسلى مشاهدو الأفلام حينذاك بتناولها داخل السينما كعادة انتشرت بين الجميع. أما سينما اللؤلؤ فقد تواجدت على البحر قرب مستشفى النعيم، وهي السينما الوحيدة التي تفتح عصر يوم الجمعة من كل أسبوع، إضافةً إلى عرضها الأفلام في الليل حيث عرفت هذه السينما بالذات بعرض أفلام «طرزان» و»رعاة البقر».

كانت المقاهي الشعبية في داخل المنامة وفي شارع «رصيف خمسة» عامرة على الرغم من حرارة الجو في الصيف لعدم وجود مكيفات هواء بها، كما تعاني في الشتاء من البرودة باعتبار الكثير منها مقاهٍ مفتوحة. وكان مرتادو المقاهي يقضون أوقات فراغهم بالاستماع إلى الأغاني من المذياع الذي عادة ما يكون صوته مرتفعاً إلى أعلى درجة أو من خلال «الجرامافون» السائدة في تلك الفترة. كما يمارس البعض من المرتادين بعض الألعاب والتي منها الشطرنج والدامة وغيرها من الألعاب المسلية، الأمر الذي جعل لهذه المقاهي في الخمسينات والستينات ميزتها الخاصة.

من بين الأمور التي اشتهرت بها المنامة تنظيم «المعرض الزراعي والتجاري» في خمسينيات القرن العشرين في حديقة الأندلس، وهو المعرض الذي كان يتم افتتاحه سنوياً على يدي صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك. وكان المعرض يزدحم بالزوار من جميع مناطق البحرين من أول يوم افتتاحه حتى آخر يوم. وكان سكان العاصمة وغالبية أبناء البحرين ينتظرون بكل شوق موعد افتتاح هذا المعرض في كل عام.

شهدت حديقة الأندلس في الستينات تنظيم ما يعرف بمدينة الملاهي أو مدينة الألعاب، حيث أن معظم المشاركين من لبنان وجمهورية مصر العربية. وتنتشر الألعاب المسلية والألعاب البهلوانية والسيرك، والأغاني والموسيقى التي تغطي مساحة الحديقة. كما تزدان الحديقة ليلاً بالأنوار الملونة التي كانت عنصر جذب للمواطن، إضافةً إلى وجود المقاهي والأكلات اللبنانية الشعبية.

توجت المنامة نشاطها الترفيهي بافتتاح الحديقة المائية الرائعة بالقرب من منطقة القفول، ما أدى إلى زيادة وسائل الترفيه بها وجعلها قبلة جميع أبناء البحرين. ولا عجب في ذلك، فقد شهدت المنامة أول حديقة حيوان في منطقة الخليج العربي تسمى «الباغشة»، وذلك في ثلاثينيات القرن العشرين.

تلك هي مدينة المنامة في فترة كنت شاهداً عليها، وقد تغنى بها الشعراء والأدباء والكتاب من أبناء البحرين، فأُلّفت عنها الكتب... كما أن تلك المعطيات تبرهن على صحة ودقة اختيار الكاتب الصحافي المعرف ابن المنامة إبراهيم بشمي عنوان كتابه الذي أصدره العام 1994 تحت عنوان مثير ومتميز «المنامة شانزليزيه الخليج».


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/919317.html