صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4406 | الإثنين 29 سبتمبر 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

اليمن السعيد هل يعود سعيداً؟

الكاتب: رملة عبد الحميد - comments@alwasatnews.com

في دراستنا للتاريخ القديم، كانت صفة «السعيد» مضافة لليمن دون غيره، وكان يصوّر على أنه جنة الله في أرضه، وأنه يحتفي بشخوص لها بصماتها في التاريخ والحضارة، فاليماني في لغة التاريخ لا تقف عند حد الوصف بقدر التميز.

ما يميّز اليمن أنه بلد جمعي قائم على هبات مجتمعية، مؤثرة ومحركة على الداخل والخارج على حد سواء. اليمن ليس سعيداً بخيره بل بقدرته على الإحياء من جديد، رغم قسوة حياته بقسوة جباله. كنت أظن أن ذلك كان تاريخاً ولّى، لكني اكتشفت أن اليمن عصي أن يطوي العرب سجله.

اليمن الدولة القابعة جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، سمّاها الإغريق بالعربية السعيدة، في حين أشار العرب إلى اليمن لأنها يمين الكعبة، مساحتها حوالي 527,970 كيلومتر مربع، يعيش فيها قرابة 25,408,288، غالبيتهم في الأرياف، وتشكّل القبائل قرابة 85% منهم. شهدت اليمن حضارات تاريخية بدأت من أواخر الألفية الثانية ق.م، حيث قامت مملكة سبأ ومَعيَّن وقتبان وحضرموت وحِميَر، وتعاقب على حكم اليمن عدة دول وخلافات، آخرها دولة الإمامة الزيدية التي أسقطتها ثورة عبدالله السلال.

يعتمد الاقتصاد اليمني على موارد محدودة من النفط والغاز والزراعة التي لم تستغل جيداً. وفي حكم علي عبدالله صالح الأخير الذي استمر أكثر من ثلاثين سنة، انغمست البلاد في الفساد السياسي والابتزاز المالي والصراعات القبلية المسلحة، وخلّف ذلك ثقلاً كبيراً على المجتمع اليمني الذي يعد نصفه أميّاً، مع مؤشر تنمية منخفض، إذ جاء بالمرتبة 133 من 169 دولة شملها تقرير العام 2010، كما احتل المرتبة الثامنة في قائمة الدول الأكثر هشاشةً للعام 2014.

في العام 2011، قام الشباب اليمني الذي يمثل قرابة 75% من السكان، بالثورة مطالباً بإسقاط نظام صالح، لكن ما حدث في اليمن ينظر إليه المراقبون أنه لم يكن ثورة شعبية فحسب، بل صراع سياسي بين مراكز القوى القبلية والعسكرية التي خلّفها النظام من تقديم قوى ودحر أخرى.

مشكلة اليمن أن من كانوا مع النظام من شخصيات وأحزاب، انقلبوا عليه وانضموا إلى الثورة وقدّموا أنفسهم كبديل! ولذلك لم يكن إلا تغييراً للأسوأ، فهم لم يكونوا يحملون نوايا أو مشاريع لتغيير حقيقي.

اليمن كانت على أبواب تحوّل تاريخي، فتدخلت فيه قوى إقليمية بقوة، وعلى الرغم من المبادرة الخليجية التي حمت علي صالح وأسرته من الملاحقة القانونية، وجاءت بعبد ربه منصور هادي إلى سدة الرئاسة، إلا أنها لم تنهِ الصراع، بل تسابق حزبا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، إلى السيطرة على مؤسسات الدولة الرئيسية والوحدات العسكرية، ودخل الأخير في صراع مع الحوثيين في مناطق مهمة من محافظتي الجوف وعمران، على الرغم من تولّي المبعوث الأممي جمال بن عمر - دبلوماسي مغربي - مهمة الإشراف على الفترة الانتقالية برئاسة هادي، وعلى سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني اليمني، الذي بدأ في 18 مارس/ آذار 2013، وانتهى في 25 يناير/ كانون الثاني 2014 بالتوقيع على ما سمي بـ «الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل»، والتي تنص على دولة اتحادية من ستة أقاليم، ولكل إقليم حكومة وبرلمان لإدارة مختلف شئون الإقليم، على أن تتولّى الحكومة الاتحادية إدارة شئون الأقاليم.

مرت ثمانية أشهر دون تغيير الواقع، وزاد من تعقيد المسألة قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية، لذا تقدّم الحوثيين (أنصار الله) المشهد السياسي، بعد تغلبهم على حزب الإصلاح، ففي 18 أغسطس/ آب 2014، دعا عبد الملك الحوثي للاحتشاد ضد قرار الحكومة، مطالباً بتغيير حكومة باسندوة، وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. ولم يكن في نية الحكومة الرضوخ إلا عندما فرض الحوثيون الأمر بسيطرتهم على صنعاء وعلى عددٍ من المباني الحكومية وبعض المراكز العسكرية، فوقّع الفرقاء السياسيون اتفاق السلام الذي ينصّ على تشكيل «حكومة كفاءات» في غضون شهر، إلا أن الحوثيين في المقابل رفضوا التوقيع على الملحق الأمني للاتفاق.

اليمن السعيد اليوم أمام مفترق طرق، فهل يمسك الحوثيون بزمام الأمر لتغيير بوصلة اليمن أم أن في الأفق شيئاً مغايراً يأخذ اليمن بعيداً؟ وهل سيطول به المقام بألا يكون سعيداً؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/924849.html