صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4432 | السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الانتخابات المفرّغة وإحباط الشباب

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

من الساعات الأولى لنزولك في العاصمة التونسية، تونس، تدرك أن حزباً إسلامياً مثل النهضة من الصعب أن يحكم مثل هذا البلد، بسبب حالة التغريب التي كرّسها النظام السابق أولاً، ولأن الشعب التونسي خرج في ثورته للمطالبة بالحرية والكرامة والخبز، وليس لاسترجاع «الخلافة» أو تطبيق نظام حكم إسلامي.

ومن الساعات الأولى أيضاً، ستدرك وجود مشاكل كبرى يعاني منها الشباب التونسي، حيث يلف طوال النهار في الشارع الرئيسي الذي شهد أحداث الثورة (شارع بورقيبة)، أو يقعد في المقاهي المنتشرة على طرفيه، أو يجلس على عتبات المسرح البلدي. في مقدمة هذه المشاكل البطالة التي تصل إلى 800 ألف عاطل، بينما يتخرج في الجامعة 150 ألفاً سنوياً، يُضاف أكثرهم إلى طوابير العاطلين، كما يحدث عندنا في البحرين ودول عربية أخرى.

وتحتاج إلى 24 ساعة أخرى فقط، لتكتشف أن هناك إحباطاً عاماً شاملاً في صفوف الشباب التونسي، وكل تلك الانطباعات الشخصية تأكدت من صحتها بعد متابعتي للبرامج الحوارية التي تبثها القنوات التلفزيونية التونسية، قبل أسبوع واحد من الانتخابات التي تنطلق اليوم (الأحد 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014). بل وزاد تأكيد تلك الانطباعات ما كان تطرحه الفضائيات العربية المستقلة من متابعات وتغطيات للحدث التونسي.

القضية الأبرز التي يناقشها المتحاورون هي «المال الفاسد»، الذي يجري ضخّه للتأثير على نتائج الانتخابات، في لعبة صراعات حزبية كبرى، ستفسد العملية الانتخابية حتماً. فمن يدفع للإتيان بمرشحين معينين، إنّما يخدم مصالحه الفردية أو الحزبية، والتي تكون دائماً على حساب الغالبية الصامتة أو الضائعة من الشعب. فليس هناك من يتبرّع بالمال الانتخابي، حكوماتٍ أو أحزاباً أو رجال أعمال، قربةً إلى الله تعالى وابتغاء الأجر في الآخرة!

على الأرض، تشاهد بوضوح عدم وجود اهتمام في الشارع بمتابعة الانتخابات، خصوصاً من جانب الشباب الذي يشعر بإحباط كبير، حيث لم تحقق له الحكومات الأربع المتعاقبة بعد الثورة (القائد السبسي، حامد الجبالي، علي العريض ومهدي بن جمعة) حتى الحد الأدنى من طموحه أو تطلعاته. وفي وقتٍ انخرطت الأحزاب القديمة في صراع مرير على الكراسي، كانت فلول الحزب الحاكم السابق تستجمع قواها للعودة بقوةٍ إلى الحكم.

الطبقة السياسية في تونس كما في دول عربية أخرى، تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها «لعبة سياسية»، أو مناورة للالتفاف على الخصوم ومحاصرتهم. ويجري الحديث عن ضخ ملايين الدنانير لشراء الأصوات، في بلدٍ يوجد به عددٌ كبيرٌ من العاطلين وشريحةٌ واسعةٌ من الفقراء. وهي لعبةٌ قذرةٌ، ستدفع الحكومات بسببها الناس إلى كراهيةٍ شيء اسمه الديمقراطية، وتدفع بكثيرين من الشباب إلى الالتحاق بحركات العنف والعبث والقتل المجاني.

الحكومة المتعبة حريصة على نجاح الانتخابات، للخروج من هذه المرحلة الانتقالية المضطربة إلى مرحلةٍ أكثر استقراراً، وقد سمحت للرقابة الدولية لمراقبة مدى شفافية الانتخابات وسلامة إجراءاتها، فهناك 9600 مراقب من داخل وخارج تونس، للتأكد من سلامة الحملات وسير العملية الانتخابية، وستقوم برفع تقارير دورية بشأنها.

المؤكد حتى الآن أن الانتخابات ستعيد إنتاج القوى السياسية الحاكمة نفسها أو تدويرها، مع الإبقاء على القوى الشبابية بعيدةً عن القرار، وبالتالي إعادة إنتاج الأزمة أو استمرار الأوضاع الجامدة كما هي. فمازلنا كدول عربية، لا نريد ديمقراطية تمثل الشعب مثل بقية أمم الأرض، وإنّما نريد ديمقراطيةً مدجّنةً للهواة والمخصيين.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/931233.html