صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4461 | الأحد 23 نوفمبر 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

العناق المرتقب

الكاتب: محمد عبدالله محمد - Mohd.Abdulla@alwasatnews.com

اليوم تشرَئِبُّ أعناق العالم نحو فيينا (أو جنيف). فالأجل المضروب لإبرام اتفاق «تاريخي» بين إيران ودول خمسة زائد واحد هو الرابع والعشرون من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. نعم، قد يُمَدَّد الموعد حتى مارس/ آذار المقبل حسب بعض التسريبات، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري قال بأن الجهود القائمة الآن هي للاتفاق وليست للتمديد.
كُتِبَ كثيرٌ عن هذه المفاوضات، وخُمِّنَ بشأنها الكثير أيضاً. وبعيداً عن التشاؤم أو التفاؤل حولها والذي يُبديه الروس والغربيون والإيرانيون، فإن ما يجب أن يُعلَم لنا جميعاً أن هذه المفاوضات هي مفاوضات من نوع خاص. وإذا ما أردنا استيضاح أمر خصوصيتها فيجب علينا أن نتجنَّب الإجمال والعموميات فيها لنركز على حقيقتها من خلال ذكر تفاصيلها الدقيقة، وبالتحديد طبيعة القوى المتفاوضة. هذا هو المدخل السليم لفهمها.
وبلغة الأرقام والجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد، فإن إيران تفاوض دولاً تصل مساحتها إلى زهاء الـ 47 مليون كيلومتر مربع. وبها من البشر ما يربو على الملياريْن و206 ملايين إنسان، وتستولي على اقتصاديات عملاقة تبلغ قيمتها 46 تريليون دولار من أصل 60 تريليون دولار هو حجم الاقتصاد العالمي كله. هذه هي الصورة «الصاعقة» للأطراف المتفاوضة والتي تمنحنا القدرة على تلمّس حقيقتها وحجمها الصحيح.
فالتساؤل المطروح هو: كيف لإيران أن تتفاوض مع هذه القوى الكبرى لوحدها وعلى ماذا؟ بمعنى ماذا يملك الإيرانيون من أوراق كي تأتي إليهم تلك القوى وتجلس معهم طيلة اثني عشر عاماً، في مفاوضات شاقة تجاوزت جولاتها العشر، فضلاً عن مئات الاجتماعات الفرعية على مستوى الخبراء والأطراف الوسيطة، وتتشارك فيها الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعقول الرديفة في الغرب (والتي تحدثنا عنها بالتفصيل في مقال سابق)، وتقلق من مآلاتها دول عديدة كـ «إسرائيل»؟
بل إن التساؤل الأكثر هو: ماذا تريد تلك الدول الكبرى بمساحاتها الشاسعة وباقتصادياتها الفلكية من إيران التي لا تزيد مساحتها عن 1.648.195 كيلومتر مربع (أي 3.5 في المئة فقط من مساحة تلك الدول) وشعبها عن الـ 80 مليون نسمة (أي 0.003 في المئة من شعوب تلك الدول) واقتصادها عن 338 مليار دولار (أي 0.7 من اقتصادياتها)!
الحقيقة، أن تفسير ذلك ضروريٌ جداً لفهم «الصفقة الكبرى» بين إيران والغرب، والتي لها بَرَّاني وجَوَّاني. الأول نووي والثاني استراتيجي، لكن ذلك التفسير أيضاً لا ينطوي على استسهال في القراءة، لأن القضية معقدة جداً ومتداخلة إلى الحد الذي يعني أنك تبحث عن إبرة في كومة قش، كما كنا نُشبِّه البحث عن الحقيقة فيما مضى وإن كانت نسبية.
الغرب لا يأتي إلى إيران لكونها ثوريةً أو متشددةً، أو أنها البلد الثامن عشر من حيث المساحة في العالم، بل هو يأتي إليها باعتبارها مركز التحكّم في نقاط القارة الآسيوية الحيوية جنوب ووسط وغرب آسيا. هذا يعني أنها مدخل لأفغانستان وباكستان بل وشبه القارة الهندية وبنغلاديش والصين، فضلاً عن العراق ومنطقة الهلال الخصيب.
لم تكتفِ إيران بهذا الموقع أو أنها استخدمته كمتلقي جغرافي سلبي عبر الانكفاء على ذاتها، بل إنها مدَّت أذرعاً في دائرة ممتدة، وصلت إلى مضيق مالاكا بين ماليزيا واندونيسيا وحتى جبل طارق في الغرب. بل إن الإيرانيين اليوم يتواجدون بشكل مباشر (سياسي وعسكري وأمني) في عدد من الدول كالعراق وسورية، وهما من أهم المناطق الغربية التي تتوسَّط قارَتَيْ آسيا وأوربا. وقد اعترف قادة في الحرس الثوري بأنهم يتواجدون فعلاً هناك، سواء عبر القتال المباشر، أو عبر إنشاء مصانع للصواريخ كما في سورية.
اليوم بدأ النفوذ الإيراني يمتد أكثر باتجاه مناطق فلسطينية أخرى غير غزة، حيث يتم التلويح بين الفينة والأخرى على لسان مسئولين إيرانيين بتسليح المنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية. كما وصل النفوذ الإيراني إلى مداه في اليمن بعد سيطرة الحوثيين، فضلاً عن مناطق القرن الإفريقي ووسط وشمال القارة السمراء، وآسيا الوسطى، وشمال وجنوب حوض الأمازون.
هذا الامتداد جعل طهران جزءًا من المشكلة لكنها أيضاً جزء من الحل، كونها تحولت إلى واحدة من عظام الرقبة في قوس التفاصيل للعديد من الدول والمناطق. وإذا ما عرفنا أن التواجد الغربي هنا هو من أجل تأمين مصالحه فهو يرى بأن جزءًا من مصالحه قد يتعزز أو يستقر من خلال طهران. وهو أمر إن حصل فهذا يعني أن كثيراً من الأمور قد تتبدل.
أيضاً، هناك ترتيبات أخرى أبعد من الجانب السياسي والأمني، وهو المتعلق بالجانب الاقتصادي. فالشركات العالمية العملاقة لها حساباتها أيضاً، كون طهران لازالت سوقاً تقليديةً لأنشطتها. فعلى سبيل المثال، ينتظر شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة لصناعة الطائرات عقدٌ بقيمة 500 مليار دولار لتحديث كامل الأسطول الجوي المدني لإيران، متبوعاً بعقود الصيانة وقطع الغيار الخاصة به. وهو عقدٌ لا يُتوقع أن لا تقوم شركة «بوينغ» بالعمل على إتمامه، بعد تدخلها لإزالة العقوبات المفروضة على إيران.
هذا الأمر ينسحب على شركات عملاقة أخرى كشركات النفط العالمية مثل «أكسون موبايل» و»شل» و»بي بي» و»شيفرون» التي بدأت منذ مدة في مد خيوط استعلام للاستثمار في إيران. هذه أجزاء «ممكنة» لملامح الرؤية الجديدة للغرب نحو إيران، دون أن يعني ذلك، أن طهران ليس لها حاجة ماسَّة للولوج إلى الاقتصاد العالمي من أوسع أبوابه وتحرير أموالها المجمَّدة، والخروج من محبسٍ مزعج يُسمَّى العقوبات.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/938862.html