صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4464 | الأربعاء 26 نوفمبر 2014م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الحصَّة في الحياة... معرفة موقعك من العالم

الكاتب: جعفر الجمري - jaffar.aljamri@alwasatnews.com

في القاموس أو المعجم، سنجد مفردة «حصة»، تحتوي عدداً من المعاني التي لا تختلف في مُؤدَّاها، منها، نصيب، قسط، سهم، مقدار. وتعني أيضاً: الفترة من الزمن. في الانسجام بين البشر؛ في حياتهم الطبيعية؛ في نظر كل منهم إلى الآخر بمحبة واعتزاز وحرص وأثرة أحياناً، لن يعمد أي منهم إلى تجاوز الآخر.

بمثل تلك القاعدة/ النظام: عدم تجاوز (س) من الناس حصته على حساب (ص)، تستتبّ أمور الحياة وشئون الناس. تختلّ المعادلة حين يرى فرد، أو مجموعة من الأفراد، أن الحصص، كل الحصص، إنما وُجدت لهم ولخدمتهم، وما البقية إلا مجموعة من المتطفلين والطارئين على الحق في تلك الحصص!

كلٌّ يسعى لأخذ حصّته من هذه الحياة، وعلى طريقته الخاصة أحياناً. هناك من يأخذها من دون أن يتغافل أو يتجاوز على الآخرين. وبين ظهرانينا من لا يكتفي بحصّته فيتعدّى على حصص غيره، إيماناً منه بأنهم لا يستحقونها، وهو وحده الذي وُلد أساساً ليستأثر بالحصص كلها. وهنالك من يكتفون بالقدر اليسير من حصتهم في الحياة، تاركين ما يظنون أنه ما تبقى منها، أو فائض منها إلى الذين حُرموا من تلك الحصة. وبيننا من لا علم له بحصته من الحياة أساساً، في ركون وتذلّل وخضوع وارتهان لا ينتهي، ومثل أولئك يقدِّمون صك اعتراف وإقرار بألاَّ حق لهم في الحياة. الخطورة في النموذج الأول والأخير: من لا يرى حقاً لغيره في أي حصة في الحياة؛ وذلك الذي يتخذ من الركون والخضوع طريقة وأسلوب حياة؛ إن صحَّ أن تسمَّى حياة!

الحصة في الحياة ليست نسبة من الهواء يتنفسها الإنسان. ليست طاقة عضلية يتحصّل من خلالها على ما يقيم أوَدَهُ أو يزيد، أو تحمله إلى السعي في الأرض. ليست طاقات عقلية فقط لا يد له فيها، تضعه في المكان المناسب، وتجعل منه محط اهتمام من حوله والعالم أيضاً. ليست قدرة وإمكانات جمع أكبر قدر من الثروة لتكون أداة خير أو أداة بطش وغرور وصلف أحياناً.

الحصة في الحياة أن تعرف موقعك من العالم، وألاَّ ترى نفسك المركز وما عداك دونه. هي كمية النبْل في النفس والروح أيضاً؛ لا نبْل الأحساب والأنساب الذي كثيراً ما يكون صاحبه على النقيض من المسمّى. النبْل هو بمثابة المضاد الحيوي لأي محاولة خروج على فطرة النفس لدى صاحبها عن مسارها الطبيعي، والتعالي لدرجة ألاَّ يرى أحداً سواه!

ثمة اليوم من لا يكتفي بأخذ حصته ما لم تكن ممهورة ومعجونة بالدم والقهر وعذابات الآخرين. يراها أكثر تمثيلاً له. ثم من قال إن الذين يأخذون حصتهم بتلك الممارسة مدفوعين بشهوة مقرفة اكتفوا بحصتهم؟ في الدم حصص تسقط من الحساب؛ أو يُراد إسقاطها. كأنه لم يكن بعد الممارسة؛ وإنْ كان هناك بدليل سفْكه!

وحصة يستلّها أحدهم من غصْب جهد وعناء آخرين لا تعود حصته. تلك حصة الفجور، وحصة البغي، وحصة أقل ما يمكن أن يقال عنها: إنها نسْفٌ وتعدٍّ على عالم - صغُر أم كبُر - قبل الموت؛ فحياةٌ غاياتُ صاحبها كتلك هي في العمق من الموت!

وبالعودة إلى الإشارة في مقدمة هذه الكتابة، ولكن في صيغة أخرى، إن الحصص في الحياة وجدت لانتزاع أكثر من فتيل يتربَّص بالاستقرار البشري. حصص في المنافع التي لا يملكها أحد؛ حتى الدول. هي فقط ضابطة لها. حصص تتمثل في الموارد والمنافع ومن ورائها حقوق تمتد لتطول أكبر التفاصيل وأصغرها.

وفي نهاية الأمر، حتى أولئك الذين تعدّوا على حصص غيرهم، سواء في الأرزاق أو الحياة عموماً، سينالهم نصيبٌ من الحصة المحددة لهم، على الأقل في الحياة. سيتركونها من دون أن يملكوا القدرة على أخذ حصص الآخرين التي صادروها وأدخلوها في ملكيتهم، إلى مقامهم في الدار الآخرة. فهل من متعظ؟

ولا بأس أن نعيد صوغ ما جاء في بداية هذه الكتابة: بعد معرفة أيٍّ منا موقعه من العالم ودوره والأثر الذي يمكن أن يحدثه، يكون بذلك قد وقف على حدود حصته. كل ذلك أيضاً يحتاج إلى نُبْل في النفس والروح، يجعله على بيّنة من أمره، وفي ذلك «مضاد حيوي» له، متى ما تجنّبه عمد إلى تعرية حقيقته، وصارت مناعته الأخلاقية عرضة للاختراق، وكان أقرب إلى عالم الغاب، شاء أم أبى!


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/939744.html