صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4533 | الثلثاء 03 فبراير 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

هل القانون في البحرين على صفتين؟

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

الدارج في الدول الديمقراطية، عند البدء ببناء مؤسسات الدولة، أن تحتكم إلى دستور تؤسسه، وكذلك في المفاصل التي ترتقي فيها الدولة، بما يحتم إعادة بناء مؤسساتها، فإنها تحتكم إلى دستور قائم أو تجري عليه التعديلات اللازمة.

هذا الدستور في الأنظمة الديمقراطية، التي لابد أن تتسم بالإعتماد الكلي على شعبها، بما تنص عليه الدساتير في أولى المواد من باب الدولة، لوصف نظام الحكم بالديمقراطي، من خلال التأكيد على أن «السيادة للشعب مصدر السلطات جميعا» (الدستور، م1 - د)، كما تنصّ أيضاً أولى مواد باب السلطات، على مبدأ «الفصل بين السلطات»، وعدم جواز تنازل أيٍّ من السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، لغيرها عن بعض اختصاصاتها الدستورية، فما بالك بكل اختصاصاتها (الدستور، م32 –أ).

وفي الدول التي تنوي الانتقال إلى نظام الحكم الديمقراطي، تتوافق الأنظمة القائمة أياً كانت طبيعتها، مع شعبها لصياغة دستور للبلاد، من خلال مجلس تأسيسي منتخب شعبياً، تؤسس لعملية انتخابه وتشرف عليها، هيئة عليا مستقلة منتخبة، تخضع للقرار الشعبي دون سواه، فتحتكم إلى هذا الدستور، السلطات المؤسَّسَة حسب الآلية المنصوص عليها فيه، لحكم كامل عمليات إدارة الدولة.

فلا يجوز أن تأتي أي من السلطات، بأي تشريعٍ لقانون أو إصدار أي قرار أو اتخاذ أي إجراء، أو القضاء بأي حكم، يخرج في نصه أو أثره، الفوري أو اللاحق المستقبلي، عن القيمة الإنسانية لمواد الدستور. وفي حالة الضرورة، وعند الحاجة للتعديل الجزئي لبعض مواده، فالترجمة الديمقراطية لمبدأ «الشعب مصدر السلطات جميعا»، هي أن يقر الشعب هذه التعديلات، ربما بالتصويت في استفتاء شعبي عام، من بعد دراستها وإعداد مسودة نصوصها، من قِبَل ممثلي الشعب، سواء في مجلس نيابي قائم أو بانتخاب الشعب لممثليه الدستوريين.

«الشعب مصدر السلطات»، فلا تتشكل السلطات إلا من الشعب الذي هو أصل الوطن، وبإرادته، ولا تكون لأي كان أو لأي جماعة كانت، أي سلطة ما لم يمنحها الشعب ذلك، سواءً بشكل مباشر، كما في انتخاب السلطة التشريعية، أي أعضاء مجلس النواب، وكما في انتخاب السلطات التنفيذية في التجارب الديمقراطية. وفي جميع الحالات لا تخضع أيّ منها لغيرها من السلطات، والحَكَم في مخالفة ذلك، هو القرار الشعبي، بحل تلك السلطة المتجاوزة، وإستبدالها بأخرى وبنفس آلية الإنشاء المنصوص عليها في الدستور.

ولضمان استقلالية كل سلطة عن الأخرى، وخصوصاً المنتخبة شعبياً، يتوجب أن ينتخب الشعب «هيئة عليا لإدارة الانتخاب والاستفتاء والإشراف عليها»، فمتى ما أشرفت أي سلطة منتخبة أو معينة قائمة، على انتخاب سلطة أخرى، فقد تميل إلى مساندة أنصارها ضد الآخرين، باستخدام السلطة والنفوذ، وفي هذا جنوح إلى شبهة الفساد الانتخابي، والفساد الدستوري باستمالة أفراد تلك السلطة إلى صفها لقاء الامتنان.

وتفرعاً من مبدأ «الشعب مصدر السلطات جميعاً»، فإن الجنسية هي المعيار المُحدِّد للمواطنين، الذين هم في مجموعهم الشعب في سيادته على جميع السلطات، فلا يحق أن تمنع أو تُسقط أو تسحب أو تلغي جنسية البحريني، الذي تأسست مواطنته بموجب إعلان الثامن من مايو 1937، وذريته من بعده، إلا في حالة وحيدة لا ثاني لها، هي الخيانة العظمى، المتحصلة في حمل السلاح في حرب لصالح دولة أو جماعة عدوة، وما دون ذلك فيعاقب على أي جرم بحسب القانون، بما لا يطال جنسيته، فلهذا الغرض أقيمت مؤسسات الإصلاح والتأهيل (السجون).

«لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون» كما ينص الدستور (م20 – أ) «ولا إيقاع لعقوبة إلا بناء على حكم قضائي بات»، فليس الوزير معنياً بإيقاع عقوبة، أو طلب إيقاعها، فليس لأي كان التدخل في أحكام القضاء، ونصوص القانون وخصوصاً العقابية منها، لا يجوز إلا أن تكون بتوصيف دقيق للفعل المحتسب بالقانون جرماً، لكي تطبق عليه عقوبة بعينها، وبنص محدد ودقيق هو الآخر، فعبارات مثل «تسبب في الإضرار بمصالح المملكة»، أو «تصرف تصرفاً يناقض واجب الولاء للمملكة»، هي عبارات مرسلة، لا حدود لتلبيسها أي مواطن يعارض سياسات السلطة، لتطاله عقوبة غير دستورية ومناقضة لحقوق الإنسان، بفقد جنسيته ومواطنته البحرينية، بقرار من وزير، وفق تراتبيات إجرائية، بالتجاوز الدستوري لسلطة القضاء.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/958561.html