صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4640 | الخميس 21 مايو 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ملاحظات على هامش كتاب «الأمم المتحدة: المتغيرات الدولية والتحديات الراهنة»

الكاتب: محمد نعمان جلال - comments@alwasatnews.com

تناولنا الأسبوع الماضي كتاب «الأمم المتحدة: المتغيرات الدولية والتحديات الراهنة»، للدبلوماسي البحريني محمد صالح محمد، ولن نتعرض تفصيلاً لما تضمنه الكتاب الممتاز، ولكن نشير فقط إلى بعض الملاحظات على هامش قراءتنا للكتاب.

الملاحظة الأولى هي أن هذا الكتاب يعد دليلاً للعمل في المنظمة الدولية، ولذا فكل من يهتم بشئون المنظمة الدولية أو يسعى للعمل بها فإنه من الضروري أن يطّلع عليه خصوصاً إذا كان من الدول الناطقة بالعربية، لأن الكتب الصادرة عن المنظمة بالانجليزية أو الفرنسية أو غيرهما كثيرة وقيمة ومليئة بالتفاصيل والتحليلات، فالمنظمة الدولية والأمناء العامون والوكالات المتخصصة تحظى باهتمام كبير لأنها أصبحت متشعبة ومتداخلة في الكثير من القضايا الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية مثل البيئة والاتصالات والمواصلات والعمل والصحة والمخدرات ونزع السلاح وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة والانبعاث الحراري والمناخ وغيرها. أما بالنسبة للكتب بالعربية وفي البحرين بوجه خاص، فإن كتاب الباحث محمد صالح يعد من المراجع التي يعتد بها في هذا الشأن إذ يحتوي على الكثير من التفاصيل المهمة.

الملاحظة الثانية أن الباحث كان حريصاً على استعراض كل ما يتعلق بالمنظمة الدولية منذ عصبة الأمم، حتى محاولات الإصلاح التي نجح بعضها بينما أكثرها رهن الأدراج، خصوصاً المناقشات حول توسيع عضوية مجلس الأمن أو الحد من استخدام الفيتو أو زيادة عدد المقاعد للقوى الاقتصادية الكبرى كاليابان والهند والبرازيل وأفريقيا والعالم العربي، فهذا كله يخضع للفيتو من القوى الست.

الملاحظة الثالثة تتعلق بمنهج البحث، وهنا نقول إن الباحث اتخذ المنهج التقليدي في السرد التاريخي والتحليل القانوني وفقاً للنصوص. وكنت أتمنى أن يكون منهجه مختلفاً فيخصّص على الأقل جزءًا منه لطرح قضايا موضوعية، وما حدث بشأنها مثل قضايا نزع السلاح أو جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل أو القضية الفلسطينية ونحو ذلك، وأن يتناول الباحث هذه القضايا في إطار السياق المعتاد لسرد أعمال المنظمة الدولية.

الملاحظة الرابعة إنني كنت أتوقع أن يخصص الباحث صالح فصلاً لدور مملكة البحرين في الأمم المتحدة، أو دور الأمم المتحدة في استقلال البحرين، أو دور البحرين أثناء عضويتها في مجلس الأمن الدولي، والذي يعد تجربةً فريدةً لأية دولة عضو خصوصاً للدول النامية ودبلوماسييها. وربما يلتمس له العذر في أنه لم يكن بوفد البحرين في نيويورك في تلك الفترة سواء أثناء استقلال البحرين أو أثناء عضويتها في مجلس الأمن. وأتمنى أن يستدرك ذلك في الطبعة الثانية من كتابه خصوصاً أن مركز البحرين للدراسات والبحوث (السابق) الذي كان يتولي رئاسة مجلس أمنائه محمد بن جاسم الغتم، وكنت مديراً لتحرير المجلة العلمية المحكمة «مجلة الدراسات الاستراتيجية»، وبفضل مساعدة السفير المخضرم لمملكة البحرين في الأمم المتحدة، وفي الكثير من المحافل الدولية السفير كريم إبراهيم الشكر... أقول بفضل هذا التعاون العلمي بين وزارة الخارجية ومركز البحرين للدراسات أمكن إصدار عدد خاص من مجلة الدراسات الاستراتجية التي كان يصدرها المركز آنذاك، هو العدد التاسع ويضم وثائق الأمم المتحدة عن استقلال البحرين. وفي تقديري المتواضع، أن هذا العدد الخاص يمثل مساهمة قيمة من أبرز إسهامات ذلك المركز في تسجيل وثائق استقلال البحرين ونشرها في كتاب يكون خير معين للباحثين، وخير حافظٍ لتاريخ مشهود من التعاون بين البحرين والأمم المتحدة، ومن التجارب الناجحة للمنظمة الدولية، بالمساهمة في استقلال البحرين كدولة عبر استطلاع الرأي الذي أكّد فيه شعب البحرين بكافة طوائفه رغبته في الاستقلال وفي الانتماء العربي وحكم آل خليفة.

الملاحظة الخامسة تتصل أيضاً بالتعاون بين مركز البحوث السابق ووزارة الخارجية في نشره عدداً خاصاً (العدد رقم 11) بمناسبة عقد المؤتمر الوزاري للتعاون العربي الصيني في المنامة، ونشر فيه وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة مقالاً مهماً حول ذلك المؤتمر، فضلاً عن نشر المجلة العديد من المقالات والدراسات التي تعد تأريخاً للدبلوماسية البحرينية والتطور الداخلي في المملكة، وفي مقدمتها نشر وثيقة البحرين 2030 التي أعدها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، وأصدرها جلالة الملك وهي تعد وثيقة مهمة تعبر عن رؤية مستقبلية لاستراتيجية المملكة حتى العام 2030.

الملاحظة السادسة تتعلق بالعنوان الفرعي لكتاب الأمم المتحدة وهو «المتغيرات الدولية والتحديات الراهنة»، وقد خصص لها الباحث صالح جزءًا مهماً من الكتاب شمل الفصلين السادس والسابع (ص 143 إلى 203)، أي حوالي ثلث الكتاب إذا استبعدنا الملاحق والمراجع، وهذا يدل على إدراكه لأهمية محاولات الإصلاح للأمم المتحدة لتواكب المتغيرات الدولية ولتواجه التحديات. وتضمن هذا القسم مجالات نجاح الأمم المتحدة ومجالات إخفاقها، وهذا ربما يعد من أهم ما تضمنه الكتاب لأنه يحتوي على التحليل العلمي ويعد من المساهمات الجيدة للباحث.

قبل الختام أعبّر عن التقدير للجهد المشكور للباحث محمد صالح محمد، وأتمنى على سفراء البحرين ممن عملوا في الأمم المتحدة وخصوصاً الدبلوماسي رفيع المستوى كريم الشكر، أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع المهم لأنه عاصر المنظمة وأحداثها وعلاقاتها بالبحرين عن كثب. وبما أنني كباحث ومهتم بالأمم المتحدة ودورها وبالعلاقات الدولية بوجه عام، فإنني أناشد بقوة وزير الخارجية السابق ونائب رئيس مجلس الوزراء حالياً سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة أن يفكّر ملياً في الإدلاء بدلوه في هذا المجال، فهو عميد وزراء الخارجية العرب وعاصر أحداثاً مهمة ولديه الكثير من الأسرار ينبغي ألا يضن بها على الأجيال الحالية والقادمة من الدبلوماسيين والباحثين. إنه كنز مكنون من المعرفة والمعلومات، وكنت محظوظاً إلى حد ما لتعرفي على سموه أثناء عملي الدبلوماسي وحضوري اجتماعاته مع وزيري الخارجية المصريين عصمت عبدالمجيد وعمرو موسى، وحضرت العديد من مقابلات سموه معهما في الأمم المتحدة والمحافل الدولية المتعددة.

وختاماً أقول بأن أحد مصادر التاريخ والبحث التاريخي كتابات كبار المسئولين عن مساهماتهم، فهذا يعطي معلومات مهمة من مصدر شارك في صنع الأحداث، وهذه مسئولية وطنية قبل كل شيء. ولهذا نجد وزراء خارجية العديد من دول العالم وفي مقدمتهم من الولايات المتحدة ومصر وقادة الدول، ينشرون مذكراتهم عن مختلف الأحداث التي شاركوا فيها. ولعل آخر تلك المذكرات مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون، وهي ذات أهمية بالغة لأنها اتسمت بالصراحة وإلى حد كبير الموضوعية والتعبير بدقة عن مواقف الولايات المتحدة من القضايا الدولية والإقليمية التي واجهتها أثناء توليها لمنصبها.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/993364.html