العدد: 23 | السبت 28 سبتمبر 2002م الموافق 21 رجب 1423هـ
110 آلاف مصنف فني صودرت وأتلفت
عنتر يصارع بروس ويلس تحت مدحلة الإعلام
حتما أن سلمان بن داوود الشخصية الأكثر شهرة في عالم السينما في بداياتها الأولى في البحرين في العام 1937 لم يسمع لا بالـ (وايبو) ولا الـ (غات) ، لعله كان سيظنها (الجت: الاسم المحلي للبرسيم)، وحتما أن سلمان بن داوود لم يسمع بحقوق الملكية الفكرية ولا بحاميها المحلي جمال داوود، فبكل بساطة ان بين الداوودين نحو سبعين عاما.
سلمان بن داوود كان يحمل على ظهره وصدره معا لوحتي إعلانات وافيشات الافلام التي كانت تعرضها سينما الزياني في الثلث الأول من القرن الماضي، وكان هو رجل إعلانات السينما في البحرين، أما جمال داوود فهو مدير إدارة المطبوعات والنشر بوزارة الإعلام وهو رجل حماية حقوق الملكية الفكرية وحقوق الطبع.
ومنذ (طبعت بمطبع انيس وعبيد في لبنان) الجملة الأشهر التي دوما تختتم بها افلام السبعينات الاجنبية المترجمة، ومنذ (حقوق الطبع محفوظة) الجملة التالية في الشهرة التي كنا نقرأها طيلة الربع الأخير من القرن الماضي، مذاك نكتشف و بعد نحو ثلاثين عاما - على رغم اني لم أكن أفهم حينها ماهي حقوق الطبع - أن كل تلك المنتجات التي كنا نشاهدها بشغف الأطفال حين يكتشفون عوالم الاثارة، أن كل ما استمتعنا بمشاهدته لم يتمتع بحقوق الطبع ولا غيره!
وفجأة اكتشفنا مع داوود الثاني أن حقوق الطبع (تابو) لا يمس، وأن فيلم عنتر وعبلة الذي استمرت (سينما الزياني) تعرضه بشكل متواصل طيلة 15 سنة بقى فيها النظارة أنفسهم يشاهدون الفيلم نفسه بنفس الشغف كل ليلة، وينتظرون بنفس الشغف ان يطور عنتر ضرباته المثيرة، اكتشفنا انه يتمتع بحقوق طبع!
النظارة لم يكونوا يعلمون ان بكرة الفيلم لا يمكن الا ان تعيد اظهار الفيلم نفسه كل مرة، كل ليلة يتحمسون لنفس الحركات العنترية والفيلم يعاد لخمسة عشر عاما دون تغيير اللهم الا في جودته حيث تكشط بكرة الفيلم جزءا كل يوم من كيماويات الفيلم، غير ان البكرة لم تكشط الفيلم كله كما تفعل ادارة المطبوعات والنشر في وزارةالاعلام اليوم في كشط كل افلام الفيديو تحت مداحل التراكتور.
اكتشاف الوزارة لحقوق الطبع والملكية الفكرية لم يبدأ مع انضمام البحرين الى اتفاقية (الغات) في 1998، و على رغم وجود الاتفاقات الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية منذ اكثر من 100 عام و(تمتع) البحرين بعضوية الـ (wipo) المنظمة العالمية للملكية الفكرية) التي تأسست العام 1967، على رغم ذلك فإن اكتشاف حقوق الطبع والملكية الفكرية بدأ العام 1998، وبالتحديد مع سرقة الفيلم الاكثر شهرة في تاريخ السينما العالمية (تيتانك) في اول ايام عرضه بالصالات الاميركية وتعميمه على العالم اجمع في غضون ايام في نسخ تستنسخ منزليا بالملايين.
التيتانيك بيعت نسخه وهو يعرض في صالات السينما الاميركية، صوروا الفيلم خلسة من داخل الصالة وهو يعرض، وبحيث ترى ظلال رأس السارق تغطي الفيلم مما جعل المنتجين الاميركيين يصابون بذات لوثة الإدارة الاميركية حاليا في ضرب العراق.
وبدأت حمى (حقوق الطبع و حماية الملكيةالفكرية) في 1996 ومع انعقاد مؤتمر - حضرته - عقدته السفارة الاميركية واستضافت خلاله نائب وزير التجارة الاميركي، تحدث فيه عن ضرورة حماية حقوق الطبع والملكية الفكرية، وتواصلت وفود حماة الحقوق العام الماضي مع مجيء وفد تجاري اميركي اخر والتقائه في الريجنسي بمندوبي محلات الفيديو لتبيان خطورة استخدام الـ «كوبيز»، مع ان الـ «كوبيز» لا تجلب الايدز بشكل مؤكد!
وبين عنتر وعبلة في بدايات السينما في البحرين عام 1937 وبين التيتانك 1998 جاءت رقابة (غات: اتفاقية التجارة الدولية) لتزيد الفقراء فقرا و الاغنياء غنى... وروبين هود حل محله جمال دواوود!
ونحن (عشاق السينما) لا نعتب على جمال داوود تطبيقه للقانون لكن من حق سلمان بن داوود ان يعتب عليه كثيرا وهو يتحمس اشد الحماس في كسر 110 الاف قرص ممغنط وشريط تحت المداحل.
ونعتب عليه إذ يتحمس لحقوق مايكل جاكسون ولا يكترث امام حقوق ناظم الغزالي.
داوود الثاني لم يكثرت لمشاعر داوود الاول وهو يفخر في تصريح صحفي له بمصادرة 110 آلاف نسخة غير اصلية وسحقها تحت مداحل التراكتور في محاولة غير موفقة لاعادة انتاج تمثيلية اتلاف المصنفات المقلدة في شرق اسيا التي تعرضها التلفزيونات بين فترة واخرى، بل وافتخر بانخفاض نسبة غير الاصلي من الاقراص الممغنطة و المصنفات غير الاصلية فيديو واوديو كاسيت من 90 بالمئة الى 30 بالمئة خلال ثلاثة سنوات، وصرح: حققنا انجازا «بشطب اسم البحرين من قائمة الـ (301) الدولية في اكتوبر 1999 التي تتضمن الدول التي تتداول المصنفات المقلدة ولا تحترم المعاهدات الدولية ولا تصلح للاستثمار»!
وبحق داوود الاول أسأل عن علاقة الاستثمار بالمعاهدات الدولية؟ وبحق عنتر وعبلة أسأل عن اي معاهدات يتحدث داوود الثاني، ففي علمي ان الامر برمته مرتبط باتفاقات وليس معاهدات وهي اتفاقات غير جبرية، داوود طفق يعدد الاتفاقات التي اشك ان احدا سمع بها فضلا ان يكون عرف اشتراطاتها، فهو يقول ان المملكة انضمت الى المعاهدات الدولية مثل الـ «وايبو»! و«بيرم» و «تربس» - التي (تربست) علينا متعة مشاهدة الافلام، مع ان الوايبو منظمة وليست معاهدة، واردف لتعزيز حماسه في منع عشاق الفيديو من اقتناء نسخ منخفضة الثمن ومقلدة ، ان البحرين منضمة لمنظمة الاتحاد العربي لمكافحة القرصنة واتحاد منتجي برامج الكومبيوتر (لأول مرة اعرف اننا ننتج برامج كومبيوتر) والاتحاد الفيدرالي للمصنفات السمعية والاتحاد الدولي للملكية الفكرية !
وامام هجمة الاتحادات التي اكتشفنا اننا اعضاء فيها اتساءل هل اطلع داوود على فصل «انتصار الفيديو» في نهاية التاريخ لفوكوياما؟ واشك أن يكون اطلع على كتاب (الغات واخواتها... النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية) الذي اصدره مركزدراسات الوحدة العربية للدكتور ابراهيم العيسوي.
واجزم أن داوود الثاني لا يعرف أن حقوق الملكية الفكرية طبقا لمنظمة التجارة العالمية وليس طبقا لـ (وايبو) تشمل: حقوق الطبع، حقوق العلامات التجارية، براءات الاختراع، حقوق التصميمات والاسرار الصناعية.
ويحدد الاتفاق الحد الادنى لمدة حماية حقوق الملكية الفكرية بـ 50 سنة في حالة حقوق الطبع، 20 سنة لبراءات الاختراع، 7 سنوات للعلامات التجارية، فيما يعني أن حقوق عنتر أهدرت كونه تجاوز خمسين عاما في حين تبقى حقوق بروس ويلز محفوظة!
داوود الثاني وهو يتحمس ضد المصنفات المقلدة لم يعرف ان اقحام موضوع الملكية الفكرية على اتفاقية الـ (غات) برر صلة الانتاج بالتجارة وعلى رغم ان الـ (غات) تدعي ان الاهداف المتوخاة من الاتفاق هو تشجيع الابتكارات التقانية وتيسير نقل التقانة وانتشارها الا ان الدول النامية لم تر في الاتفاق سوى وسيلة لتحويل مزيد من دخلها الدول المتقدمة من خلال التكلفة الاعلى لبراءات الاختراع وحقوق الطبع وتقوية نفوذ الشركات متعدية الجنسيات في احتكار التقانة (نقل بالنص من كتاب الغات واخواتها).
ادارة المطبوعات والنشر (اقترح تغييرها الى ادارة الرقابة على المصنفات الفنية) لا تتردد في جلب المدحلة لكسر 110 الاف شريط مستنسخ دون حقوق طبع خلال شهر واحد لكنها امام الاقتباسات المجانية التي تقوم بها بعض الصحف المحلية لمقالات الصحف الاوروبية الشهيرة تحت عبارة (مترجمة) تقف عمياء تماما كتمثال الحرية غير ان كفتي ميزانه هنا غير متعادلتين!
ادارة المطبوعات والنشر لا تعرف أي مقلب ستشرب اذا كسبت نقابة مخرجي اميركا دعواهم في مسالة حقوق الطبع والملكية الفكرية. ولعله يتاح لي ان اعرف كيف ستواجه وزارة الاعلام متطلبات هوليوود من حماية حقوق المؤلف اذا كسبت قضيتها ضد حذف مقاطع من الافلام (طبعا المقصود هنا المقاطع الجنسية الصارخة) حيث طلبت رابطة مخرجي اميركا (نقابة المخرجين) مؤخرا من المحكمة الجزائية امرا دائما لمنع نحو 12 شركة اميركية من توزيع النسخ التي اعيد تنقيحها لحذف مشاهد عارية والفاظ خارجة، وقالت الرابطة «من الخطأ قص مشاهد من الفيلم كما هو من الخطأ نزع صفحات من كتاب لمجرد اننا لا نحب طريقته».
وقال المخرجون في دعواهم ان بيع الافلام التي خضعت لحذف مشاهد العري ينتهك القانون الاميركي لحماية الحقوق الفكرية!
يعني لا تستغربوا غدا ان ترفع قضية ضد تلفزيون البحرين لأنه يقطع مشاهد العري من الافلام الاميركية التي يعرضها !
ما هو المهم هنا ؟ المستهلك البحريني ام حقوق الطبع، من هو الاهم هنا جولدن ماير فيلم كوربوريشن التي ترصد موازنة 200 مليون دينار لانتاج فيلم واحد ام المستهلك الذي يتردد في دفع ديناره الا بعد التأكد ؟أم انه ذلك الطفل الذي ينبت فينا فجأة امام قرص Play Station جديد كنا نشتريه بدينار والان اصبح بعشرة دنانير؟
ويبدو ان الاعلام لم تسمع صرخة ميل جبسون في فيلم Praive Heart وهو يقول باعلى صوته Freedom، وبالتأكيد أن سلمان بن داوود لو عاد للحياة لصرخ نفس الصرخة ليس من اجل جبسون بل من اجل روبياته المحدودة التي كان يتقاضاه نظير دعايته للسينما.
اووووووووه منك يا داوود... يبدو أنه لا باتريوت بعد... لا ميل جبسون بعد... ولا بروس ويلس بعد، ويبدو أن نظرية المؤامرة لا تزال مستمرة
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/118020.html