العدد: 35 | الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ
عمارة المساجد في البحرين:
مســـجد يتيــم نموذجـــا
تشهد عمارة المساجد الحديثة في مملكة البحرين صيحة عالية في جماليات وفنون العمارة الاسلامية خصوصا بعد تشييد العديد من المساجد والجوامع والمراكز الاسلامية لاشعاع الثقافة الدينية والاخلاقية والتنويرية وذلك راجع للارث الثقافي الذي يحمله الشعب البحريني من كل فتراته التاريخية والاسلامية.
وقامت عمارة المساجد الحديثة عى احدث الطرق العلمية واحدث الطرز المعمارية وبالطرق التكنولوجية وبتصاميم معمارية مميزة جعلتها تجد لها طريقا ومكانة بين روائع العمارة الاسلامية التي اشتهرت بها بعض الاقطار العربية والتي نالت شهرة عالمية من حيث كونها مركزا للخلافة الاسلامية، مثل العواصم الاسلامية المركزية في بغداد والفسطاط ودمشق والقيروان والتي شكلت طرزا في الفنون الاسلامية المعمارية منها والزخرفية.
والملفت في عمارة المساجد البحرينية الحديثة انها تحمل تزاوجا رائعا بين مميزات روائع وفنون العمارة الاسلامية والذي احدثه مصممو تلك المساجد، حيث جاءت عمارة المسجد متماشية مع الواقع البيئي للمجتمع الخليجي البحريني بما يحمله من مكانة مرموقة على المستوى الثقافي حيث تمركزت فيه حضارات دلمون وتايلوس وأرادوس القديمة.
مسجد يتيم
المسجد في هيئته الجمالية تجسيد للقيم الروحية والاخلاقية والذي جاءت عمارته مصداقية لإخلاص الفرد المسلم حين يتقن عمله ويتفانى في ابراز اجمل التصميم المعماري للهيكل الشكلي للمسجد بما يحتويه من مئذنة وقبة في طراز معاصر واصيل وفريد، وتجسدت القدرة التكنيكية الفائقة في جمال زخارفه الجصية والخشبية والمعدنية والتي تناولت عناصر هندسية تبدأ من نقطة لتنطلق الى اللاحدود، واللانهائية انعكاسا لطبيعة الكون المتشابك والمترابط وعبر عنها بتلك الاطباق النجمية والخطوط الإشعاعية لتدل على مفاهيم انسانية مثل الترابط والوحدة والمتانة والدقة المتناهية في التفاصيل.
كما يحتوي المسجد زخارف نباتية تتكرر في اكثر من مكان لتوقظ فينا حب الحياة والتمتع بجماليات المخلوقات في تلك الأوراق والاغصان والزهور بشكل تجريدي محور دون شبه طبيعي والتي تعكس فينا قيم التوالد الموجودة في التكوينات البرعمية التي تأخذ اعيننا لتنتقل بين اغصان الزهور والنباتات في بهجة وسعادة خالصة بعيدة عن أية غرائز.
والمسجد في هيكله مستطيل الشكل الى حد ما يوجد على جدرانه الخارجية نقوش جصية بإسلوب الحفر الغائر ذات عناصر معظمها زخارف هندسية، وتتميز بالدقة العالية والتنوع الفريد في التصميمات، وللمسجد مئذنة عالية مميزة في هيكلها المربع الشكل والتي تجمع في طرازها المعماري بين الأصالة والمعاصرة، والمئذنة مربعة الشكل حتى ثلثي طولها والثلث الباقي اسطواني يبدأ من المقرنصات البارزة ذات الخمسة أدوار وهي عبارة عن محراب صغير يتراص بجوار بعضه وفوق بعضه ليرتفع خارجا عن البداية ليكون مستوى أعلى من السطح الاصلي للمئذنة ويخرج عنها وينتقل من الشكل المربع إلى الثماني ثم الشكل الدائري الإسطواني.
ويتكون أعلى المقرنصات ذات الشكل الثماني من منارة أو شباك من الخشب ذي قوائم ثمانية على الطراز الخليجي ذي الشرفات الخشبية والتي تعتبر من اهم ما يميز العمارة البحرينية.
وتنتقل العين من الجسم الاسطواني ذي الطاقات الثمانية المفتوحة أعلى والتي تعلوها مقرنصات في شريط زخرفي من صف واحد وتكتمل الاسطوانة في العلو في مساحة فارغة ليهدأ النظر ثم نجد ثلاثة أدوار من المقرنصات التي تتوج أعلى الجسم الاسطواني.
لتبدأ اسطوانة اخرى صغيرة في السمك لتنبثق من الاسطوانة السابعة ذات الثمانية فتحات ليعلوها قبة بيضاوية صغيرة وفي نهايتها الهلال النحاسي.
وتشترك المئذنة في تصميمها مع مآذن أخرى مثل مئذنة ضريح السلطان قلاوون في مصر ومئذنة جامع الزيتونة في تونس ومآذن أخرى ذات طرز فاطمية ومملوكية وعثمانية وتختلف عن مآذن سامراء ودمشق.
كما توجد للمسجد قبة واحدة بسيطة في زخرفتها وهي ليست نصف دائرية أو حتى بصلية وإنما على شكل قوس كبير منكسر يحيطها شريط زخرفي من مثلثات صغيرة متدرجة ويعلو القبة في نهايتها تاج بدايته من مثلثات صغيرة ليكون قاعدة لبداية الهلال النحاسي، والقبة قائمة على اربعة اعمدة قامت عليها ثمانية اضلاع ثم شكل اسطواني تتخلله شبابيك لدخول الضوء نهارا ثم القبة التي تمثل نموذجا فريدا من القباب.
وتتمتع القبة بجمال منظوري معماري من التجويف الداخلي لها حيث تمتع النظر بمظهرها الخلاب وتدهش العقل للبراعة الفائقة في المقرنصات الرباعية ذات الثلاثة فصوص ثم المقرنصات الثمانية الاضلاع والمكسوة من الداخل بشرائح بلاط خزفي متراص بشكل عجيب.
ويحيط أعلى المسجد من الخارج اكليل من العرائس ذات الشكل التجريدي المثلثي وتعتبر العرائس نهاية جميلة تتزين بها المساجد، وتعتبر نهاية جميلة لأي مسجد وهي تشبه الى حد ما عرائس مسجد الجامع الازهر ومسجد الغوري بحي الحسين بالقاهرة القديمة.
وللمسجد شبابيك داخلية وخارجية كسيت من الخارج بإطارات جصية غاية في الدقة والجمال وبعضها يحتوي على حشوات خشبية من الأرابيسك الجميل وبعضها الآخر يسده تقاطعات من أعمدة معدنية رأسية وعرضية وعند كل تقاطع توجد عقدة اسطوانية معدنية تذكرنا بجماليات الفن الاسلامي ومتانة تصميماته في شتى الميادين والمجالات الزخرفية وخصوصا في العهد المملوكي.
ومحراب مسجد يتيم آية في الجمال تشعر من يراه بالسعادة والراحة وهيبة وعظمة المكان، وخصوصيته الدينية، والمحراب في جملته تحفة معمارية من حيث النسب الجمالية، ويبلغ طوله حوالي 10 امتار تقريبا وعرضه ما يقارب 5 امتار تقريبا وله اطاران خارجي وداخلي ويحتوي على زخارف هندسية كما يحتوي على آية قرآنية خطت بالكوفي الفاطمي المضفر الذي تغطيه زخارف نباتية جميلة تكسو كل حرف وكل كلمة وتتنوع الزخارف فيه من كل كلمة لأخرى وتظهر الحروف المصغرة بإسلوب الحفر البارز والغائر بشكل متعانق وجميل وكأن الحروف تعلو وتنخفض مع بعضها في تآلف محبب وجميل تمتع العين حين تراه، كما توجد في المحراب اربعة اعمدة اسطوانية لها اعمدة وتاج متشابهين وهي ذات نقوش هندسية دقيقة بإسلوب الحفر الغائر وبدقة متناهية غاية في الروعة.
والمحراب في شكله التجويفي مستطيل الذي يتقارب من ثلثي الطول الكلي للمحراب والذي يعلوه اكليل من العرائس في شكل متعانق وجميل وللمحراب اطار داخلي ذو مستوى منخفض عن سطح المحراب الخارجي ثم يليه مستوى منخفض ثان وهو تجويف المحراب النهائي الذي يقف فيه الامام.
لقد أبدع الفنان المسلم على مر التاريخ في عمارة المساجد تلك العمارة التي جاءت نتيجة تزاوج المفاهيم الروحية بالمفاهيم الانسانية والذي جعل من المسجد مركزا للإنطلاق الحضاري للمسلمين بجانب كونه مكانا للعبادة والتهجد الروحي، ولعل من المهم في الآونة الأخيرة هو الحاجة الى توثيق ذلك النتاج الحضاري والحفاظ عليه والذي سيظل تراثا للأجيال المقبلة والتي بدورها ستقوم بقراءة تلك الاعمال الابداعية الفريدة والتي حققت بدورها انعكاسا لما امتلكه كل مجتمع مسلم من توظيف متطلبات الفكر الحديث وبتقنياته الفائقة مراعيا اصالة الجذور التاريخية في مجتمعنا الاسلامي الكبير
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/119266.html