العدد: 82 | الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ

إدارة الهجرة والجوازات تحت المجهر

الواقع يشهد بالإيجابيات... والسلبيات تنتظر من ينظر فيها

نشطت إدارة الهجرة والجوازات في الآونة الأخيرة في البت في عدد من قضايا المطالبين بالجنسية البحرينية، منهم «البدون»، ومنهم حاملو الجنسيات الأخرى.

في أروقة الإدارة التي يقصدها المراجعون من كل الجنسيات تقريبا، تستمع إلى حكايات يطوي بعضها الألم الذي يحمل تفاصيل كثيرة اختزلتها السنوات الماضية، فيما تقابلها على الجانب الآخر حكايات تخلصت للتو من معاناة ما، كان محورها الجنسية والهوية والانتماء، فيما يهلل فريق ثالث لم يصطدم يوما بهذه الإجراءات على وتيرة «كل الأمور على خير ما يرام».

بين هذه وتلك، يذهب العدد الأكبر إلى مباركة عهد الإصلاح الذي أنزل الكثير من القضايا العالقة التي لم يكن ليفلح في حالها حتى التدخل العلوي، إذ كان التخلص من لعنة «البدون»، على سبيل المثال، فيما مضى، ضربا من ضروب الخيال ووضعا لا يتحقق إلا في الأحلام، غير أن الحال لم تعد هي الحال ذاتها، وكثيرون تخلصوا من لعنة «البدون» والبحث عن الهوية واستقروا أخيرا بعد طول عناء وانتظار.

وفي الزاوية المقابلة يقبع فريق آخر لايزال ينتقد بشدة الروح البيروقراطية التي تعمل بها المؤسسات التنفيذية في المملكة بما فيها إدارة الهجرة والجوازات، ويردد الكثيرون منهم «إن اتمام الإجراءات الروتينية يحتاج إلى وساطة لها كلمتها المسموعة في الإدارة، أو على الأقل كان لابد من معرفة مسبقة بأحد الموظفين حتى توفر على نفسك الاصطفاف في الطابور والانتظار طويلا حتى ينظر في ملفك في زحام الملفات».

نفتح «نوافذ» لنطل على زاوية مهمة تتصل بهموم ويوميات الكثيرين، قصص لاتزال تنتظر من يلتفت إليها، وقصص أخرى وجدت بالفعل من يلتفت إليها فعبر أصحابها من منعطف خانق إلى حياة يصفونها بـ «الكريمة»... إلى «الوسط» وصل بعض ممن وصل قبلا إلى الإدارة المعنية (الهجرة والجوازات) نلخصها في السطور الآتية:

العودة إلى

الأماكن القديمة

خديجة حسن مهدي ولدت في العام 1970 من أب بحريني وأم إيرانية، لها حكاية لا تشبه الحكايات.

سافرت خديجة إلى الجمهورية الإيرانية إثر انفصال والدتها عن والدها، كان عمرها آنذاك لا يتجاوز العام ونصف العام، تربت هناك، وكبرت هناك، وتزوجت هناك، في حين بقي اخوتها الثلاثة الذين يكبرونها سنا في البحرين لا تصل منها إليهم سوى الأخبار القليلة.

دارت الأيام والأعوام، وتزوجت خديجة وأنجبت ابنتين تزهو بهما الدنيا، وقبل بضعة أشهر عادت خديجة إلى البحرين بعدما سمعت أن والدها يحتضر على فراش الموت. جاءت لترى اخوتها ووطنها الذي ولدت فيه وتغربت عنه مرغمة.

قالت لـ «الوسط»، وتولى أخوها عبدالجليل مهمة الترجمة كونها لا تجيد التحدث بالعربية: «ولدت هنا في البحرين، وجرني طلاق أمي إلى إيران كوني كنت في سن صغيرة. بقيت غريبة هناك فيما يعتصرني الشوق إلى أهلي وبلدي هنا (...) تزوجت من مواطن إيراني عاطل عن العمل، ذقت المر معه وبقيت صامتة لأربي ابنتَي... خدمت في البيوت، كنت أغسل ثياب الآخرين وأخدمهم لأضمن قوت عيشي، وهكذا بقيت».

يقاطعها أخوها عبدالجليل: «استرجعت خديجة جنسيتها البحرينية فور وصولها إلى البحرين في 19 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري، وحصلت أيضا على البطاقة السكانية، لكن المسئولين في إدارة الهجرة والجوازات سحبوا منها الجنسية بعد مرور تسعة أيام بحجة أن الجواز باطل، ولم نعرف إلى اليوم لماذا يبطل جوازها بعد صدوره؟».

ويضيف عبدالجليل: «كل الأوراق من جوازات سفر والدي القديمة إلى شهادة الميلاد إلى البطاقة السكانية تثبت أن أختي خديجة بحرينية من أب بحريني، فلماذا يُسحب جوازها الآن على رغم أنها بحاجة ماسة إليه؟».

ويزيد: «الجواز البحريني سينتشلها من حياة الذل والمهانة التي تعيشها في خدمة البيوت، تحت رحمة زوجها المتقلب المزاج والعاطل (...). عندما تحتفظ بالجنسية البحرينية يمكنها المجيء إلى البحرين متى شاءت ويمكننا مساعدتها ومساعدة ابنتيها بما نستطيع».

تعود خديجة لتقول: «في إيران، نسكن في كراج ملحق بمنزل أهل زوجي، هم يسيئون معاملتي ومعاملة ابنتي ليضيقوا عليّ ويجبروني على ترك منزلهم... ضاق بي الحال ولا أعرف لمن ألجأ؟ قمت ببيع غالبية حاجياتي الخاصة لأسد رمق جوع ابنتي اللتين تتطلب دراستهما في المدارس الإيرانية الشيء الكثير، سُدت الأبواب في وجهي ولم أجد مخرجا».

أختها الكبرى زهراء تعلق: «إن بقاء خديجة من دون جواز بحريني في البحرين يجعلنا عرضة للمساءلة القانونية، فكل أسبوع تبقى فيه خديجة بعد انتهاء مدة إقامتها الرسمية يجعلنا ندفع 30 دينارا غرامة، ونحن على 'قد الحال'، بالكاد نتدبر قوتنا».

يعود عبدالجليل ليقول: «نريد فقط أن نعرف لماذا سقطت الجنسية عن خديجة على رغم صدورها، وكيف تصدر إدارة الهجرة والجوازات أمرا باطلا (...) حال أختي حال إنسانية تستدعي معالجة سريعة».

وخديجة التي بدت نظرة الانكسار في عينيها واضحة قالت: «فقط أريد الانتماء إلى وطني الأصلي، فلم أعرف بعده سوى المهانة وجرح الكرامة».

رحلة انتهت لتبدأ أخرى

وبعيدا عن خديجة، قريبا من يحيى علي وأخته فاطمة اللذين نقلت «الوسط» في وقت مضى حكايتهما مع محاولات الحصول على الجنسية البحرينية، فإن يحيى يقول: «انتهت معاناتي بعدما عرضتها صحيفة «الوسط» على الرأي العام، لم أكن لأتخيل أن رحلة العذاب ستنتهي(...) ولدت في البحرين من أم بحرينية وأب يمني وكذلك أختي، عشنا هنا ولم نكن نشعر بالغربة، فالكل لا يعرف بحقيقة جنسيتنا بعد وفاة والدي، انخرطنا في النسيج الاجتماعي حتى كبرنا وكبرت معنا الطموحات».

أخته فاطمة التي تسلمت جواز السفر البحريني قبل أيام قليلة هرعت إلى جامعة البحرين لتسجل بوصفها طالبة بحرينية، فقبل حصولها على الجنسية البحرينية كانت الجامعة تعاملها على أساس انها طالبة أجنبية وعليها دفع ضعف ما يدفعه الطلبة البحرينيون.

تقول: «فرحتي بالدراسة كانت أكبر من فرحتي بالجواز، لم أصدق أن معاناتي ومعاناة أخي انتهت أخيرا، سأدرس وأجتهد لأثبت أحقيتي في العيش في الوطن الذي ولدت فيه، فعندما أتخرج وأعمل سأرد الجميل للوطن الذي احتواني».

أما يحيى فقال: «المسئولون في إدارة الهجرة والجوازات تعاملوا مع قضيتي بشفافية، فالمستشار القانوني محمد البنعلي تعاون معنا وتفهم معاناتنا وحاجة أختي إلى جواز سفر حتى لا يفوتها التسجيل في الجامعة (...) شكرا لكل من وقف وتعاطف معنا».

أخطاء الآباء

أما حصة عبدالعزيز - التي ترعى ابنها المعوق عبدالشهيد جعفر، على رغم أنه تجاوز الـ 45 عاما - فتقول: «توفى زوجي ولم يستخرج لعبدالشهيد جوازا مستقلا بحكم إعاقته، مما وضعنا في مأزق كبير، إذ بقي عبدالشهيد من دون هوية أو وضع قانوني، والآن تطالبنا إدارة الهجرة والجوازات بإثبات صلة القرابة إذ لا يوجد ما يثبت أنه ابني بعد وفاة والده».

أخته سوسن تضيف: «أصيب عبدالشهيد بالسكري وقرحة المعدة، ويحتاج إلى علاج أسنانه، وهذا الوضع يجعلنا نتردد على المركز بشكل يومي، من دون بطاقة سكانية ولا جواز سفر فنقع في الكثير من المغالطات، ونحتاج إلى شرح قصتنا عشرات المرات في الزيارة الواحدة، لذلك نحتاج إلى من يساعدنا في استخراج هويته».

وتضيف: «من الغريب فعلا أن يستبعد العاملون في إدارة الهجرة والجوازات اأخوتنا لعبدالشهيد، فهو مختل عقليا وفوق ذلك أخذ المرض يتمكن من جسده، ورعايته تتطلب طاقة استثنائية، فهل يعقل أن نتبرع 'باختراع' هذا الوضع غير أن يكون عبدالشهيد فعلا أخونا ولا يجد غيرنا في هذه الدنيا؟».

مثل عبدالشهيد ويحيى وخديجة، توجد حالات أخرى قد تختلف في التفاصيل الدقيقة لكنها تتفق في العموميات التي تؤكد حينا تفهم المسئولين في هذه الإدارة الحيوية جدا، واستيعابهم في تعاملاتهم اليومية مع مئات المراجعين، بحرينيين وغير بحرينيين، فيما تتصاعد الشكوى على الطرف المقابل لتحمل النقيض تماما وتردد عدم استيعاب عدد من المسئولين ـ ربما المسئولين ذاتهم ـ لمفهوم الشفافية وعهد الإصلاح الذي يتطلب الكثير من التسامح وجهدا مضاعفا لطي الملفات العالقة والحكايات الإنسانية التي تنتظر من ينظر فيها، على رغم الجهود المشهودة لهذه الإدارة في الفترة الأخيرة


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/123250.html