العدد: 1619 | السبت 10 فبراير 2007م الموافق 22 محرم 1428هـ

الإبـداع والحـضارة على أوراق البـردي

طباعة الورق والخروج من الكهوف إلى العصر الحديث

عالم الورق... أسرار وحكايات... منذ أن عرف الإنسان معني الكتابة والتواصل، وتخبرنا الرسومات والخطوط المنقوشة فوق الصخور وجدران الكهوف والمعابد، أن ثمة حياة كانت في الماضي وبحثا عن وسيلة لحفظ ذلك الوجود من العدم، حتى اكتشف الإنسان صناعة الورق... هذا الاختراع الحيوي، الناتج عن حاجة البشرية، لإثبات مشروعية الحياة، والتواصل الحضاري بين الشعوب.

يؤكد خبراء باحثون أن القدماء المصريين هم أول من ابتكروا الورق... إذ إنهم صنعوا ورق الكتابة من نبات «البردي» الذي كان ينمو على ضفاف النيل، وهو نبات من النباتات العشبية المعمرة والتي قد يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار... وتتم صناعة ورق البردي بنزع قشور ساق نبات البردي، وتقطيعها إلى شرائح رقيقة توضع بجانب بعضها بعضا ثم تطرق بمطرقة خشبية لفرطحتها وتترك بعد ذلك لتجف في الشمس، ثم تلمع هذه الرقائق الورقية بقطعة من العاج أو بحجر أملس، حتى يتم الحصول على ورق جاف، ناعم يصلح للكتابة. وظل المصريون القدماء يحتكرون صناعة ورق البردي، ويصدرونه إلى جميع أرجاء العالم لمدة تقرب من نحو ثلاثة آلاف سنة، على رغم ظهور مواد كثيرة للكتابة في بلاد أخرى مثل الكتابة على ألواح الطين وألواح الشمع... وظهرت محاولات للكتابة على جلود بعض الحيوانات في محاولة للاستغناء عن البردي.

وفي العام 0021 ق.م عندما فتح العرب الصين نقلوا أسرار صناعة لب الورق، وهي شبيهة بالصناعة الحديثة للورق... وطريقة صناعة الورق لدى الصينيين تقوم على أساس استخدام النباتات ولحاء الأشجار إذ تغمر هذه المواد في الماء، ثم تضرب وتقلب حتى تصبح العجينة على حامل مصنوع من الخيزران، ثم يصفى من خلاله الماء الموجود في العجينة وتجفف رقائق الورق بوضعها في الشمس... ونقل العرب هذه الطريقة عن الصينيين، ثم نقلها الأوروبيون بدورهم عن العرب.

وصناعة الورق في عصرنا الحديث تتم في مصانع ضخمة، وتستخدم في صناعته الألياف النباتية وهي أنواع كثيرة موجودة في سيقان الأشجار المختلفة والمخلفات الزراعية مثل: قش القمح وقش الشعير وقش الأرز ومصاصة القصب والكتان وحشائش الحلفا والغاب وكذلك من شعيرات القطن القصيرة الموجودة علي البذرة وتسمي بــ «زغب القطن» وهذه المواد النباتية تعالج بالمواد الكيماوية لإزالة الشوائب والغبار بها، لكي تتحول إلى عجينة ثم تصفى ويتم عصرها من خلال اسطوانات... وفي هذه المرحلة يتم تجفيف الورق... وفي حال الرغبة في الحصول على ورق ملون يضاف للعجينة مادة صابغة بحسب اللون المطلوب.

خطوات تصنيع الورق

أولا: تجهيز الخامة وتحضير العجينة... يعتبر الخشب من الخامات الرئيسية في صناعة لب الورق إذ يمثل 59 في المئة من الخامات التي تدخل في صناعته... إلا أنه يوجد نحو 5 في المئة من إنتاج اللب يصنع من منابع أخرى مثل المخلفات الزراعية كمصاصة القصب أو قش الأرز، حطب القطن والبوص وسيقان الشعير. وعند تحضير العجينة تحمل خامات الورق بطريقة ميكانيكية من أماكن أعدادها وتجهيزها إلى آلات خاصة تقطعه قطعا بأطوال تتراوح من 3 و 4 سنتيمترات وتجذب عن طريق قنوات مفرغة إلى أماكن تحضير اللب... ويحضر اللب من الخامات السليلوزية بثلاث طرق مختلفة وهي الطريقة الميكانيكية والطريقة الكيماوية وطريقة النصف كي.

ثانيا: عملية التبييض والتلوين... السيليلوز الطبيعي (القطن) لونه أبيض ولكن السيليلوز المحضر بالطرق السابقة (اللب) يحتوي على بعض الشوائب والمواد الملونة التي لا يمكن أزالتها تماما... وإذ إن اللب اللازم لتحضير الورق يجب أن يكون ناصع البياض... ولذلك تجرى عليه عملية أخرى تعرف بعملية التبييض، لإزالة ما يلصق بها من المواد الملونة أو الشوائب... وعملية التبييض من الممكن أن تتم في خطوة واحدة أو في عدة خطوات... وغالبا ما يستخدم كلوريد الصوديوم كوسيلة من وسائل تبييض الورق.

ثالثا: عملية الرض أو الضرب... عملية الرض أو الضرب الغرض منها تشابك الألياف ببعضها بعضا إذ تقل كمية الفراغات بين الألياف... وتجرى عملية الضرب ميكانيكيا بعد تحضير اللب... وقبل تجهيزه إلى ورق وتوجد حاليا أنواع كثيرة من أجهزة الضرب... وتلك العملية ذات أهمية كبيرة في صناعة الورق... إذ تساعد على زيادة مرونة سطح الألياف... وبالتالي تزيد من كثافة الورق المنتج.

رابعا: عملية الحشو...لصنع ورق الكتابة ومعظم أوراق الطبع يضاف إلى اللب بعد ضربه بعض الحشو مثل: بودرة التلك وكبريتات الباريوم وثاني أكسيد التيتانيوم والغرض من هذه العملية حشو الورق وزيادة وزنه... وبالتالي تزيد من قوة تجاوبه مع أدوات الطباعة وتشرب الحبر، بحيث لا ينتشر الحبر أثناء الكتابة أو الطباعة (أي يرشح الحبر).

خامسا: صقل الورق... بعد أن يمزج اللب بكمية مناسبة من الماء، يطرح على شبك من السلك، إذ تشتبك الألياف... أما الماء فينفذ من ثقوب الشبكة ثم يمرر الورق المبلل بين اسطوانات كابسة لإزالة الماء المتبقي، ثم يمر على اسطوانات لتجفيف ثم على اسطوانات ذات ملمس نــاعــم (كالمــرآة) لصقل الــورق... وتعرف هــذه المرحلة بمــرحلة (صقل الورق).

رقابة ومواصفات

ومن المعروف أن صناعة الورق تخضع لمواصفات خاصة تختلف أسعارها باختلاف الجودة والصقل، ونوعية الاستخدام، فهناك نوعيات رديئة مقلدة، تمتلئ بها أسواق العالم، وهناك الورق الأبيض المصقول بسمكه وأحجامه المختلفة.

وعلى رغم الرقابة الشديدة على المنتجات الورقية، فإن هناك مصانع للورق المغشوش، التي تعتمد في إنتاجها على تقليد الشركات الشهيرة، ومنها ما يستخدم في طباعة الكتب والمجلات الرخيصة، ولكن أرباب المهنة من أصحاب الشركات الرسمية، يحرصون دائما على إنتاجهم المتميز.

يذكر أن أزمة الورق وغلاء أسعاره في الفترة الأخيرة، قد أوجدا هذه السوق البديلة، التي تعتمد على الإنتاج الرديء، وذلك لأن الورق يتم تصنيعه من أشجار الغابات، التي يحتكرها بعض المليونيرات في أميركا وكندا وأوروبا، وهم بدورهم يتحكمون في رفع وخفض الأسعار، وبالتالي فإن أزمة الورق هي أزمة مفتعلة، لأن الخامات الأساسية تنتشر في أنحاء العالم، ويبقي أن يتم رفع الحصار الاحتكاري للورق، ليدخل إلى قرن جديد كعنوان للحضارات والإبداع.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/215370.html