العدد: 2261 | الخميس 13 نوفمبر 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ
تفسير جديد لأسباب انتشار الإسلام بين الأفارقة الأميركيين (1)
دأبت التفسيرات التقليدية لأسباب انتشار الإسلام بين الأفارقة الأميركيين على الإشارة الى ظواهر مثل وجود الاسلام بين الأفارقة الذين استقدموا الى أميركا قسرا ضمن موجات تجارة العبيد، وارتباط المسيحية في عقليات بعض الأفارقة الأميركيين بالعنصرية البيضاء، باعتبارها عوامل رئيسة ساعدت على رواج الاسلام في شكل سريع وكبير في أوساط الأفارقة الأميركيين خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
الناشط المسلم الأميركي المعروف وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ميشيغان الأميركية شرمان جاكسون له رأي آخر بهذا الخصوص، في كتابه «الإسلام والأميركي الأسود: نظرة في الإحياء الثالث» الصادر عن مطابع جامعة أوكسفورد الأميركية (2005)، والذي يتوقع له أن يصبح - في المستقبل القريب - احدى الدراسات الكلاسيكية الضرورية في مجال دراسات الإسلام في أميركا.
جاكسون يرى أن التفسيرات السابقة غير ديناميكية، بمعنى انها لا ترصد التطور التاريخي لعملية اعتناق الأفارقة الأميركيين للإسلام، ومراحل هذا التطور وعلاقاتها بعضها بعضا، وكيف أعدت هذه التطورات الأفارقة الأميركيين تدريجا لاعتناق الاسلام بنسب مرتفعة في النصف الثاني من القرن العشرين.
يرى جاكسون ان تتبع هذه التطورات بدقة يكشف عن تفسير مختلف لأسباب انتشار الإسلام بين الأفارقة الأميركيين، وهم محور اهتمام كتاب جاكسون الجديد كونهم أحد أهم أسباب انتشار الاسلام وترسخه في أميركا، فهم يمثلون نسبة كبيرة من المسلمين الأميركيين (30 -40 في المئة) وفقا لمختلف الاحصاءات المتعلقة بالتوزيع العرقي لمسلمي أميركا، كما ان انضمامهم للاسلام بهذه الكثافة وحقيقة كونهم من أهل البلاد الأصليين جعلا منهم سندا قويا للاسلام بأميركا.
في البداية يرفض جاكسون النظريات القائلة إن أحد أسباب انتشار الاسلام في أوساط الأفارقة الأميركيين يرجع الى انتشار الاسلام وسط العبيد الأفارقة، إذ يشير جاكسون إلى ان عدد الأفارقة المسلمين الذين استقدموا خلال موجات تجارة العبيد لم يتعد 40 ألفا من بين 11 مليون إفريقي استعبدتهم تلك التجارة الشنيعة، ومن دون شك لم يتمكن هؤلاء العبيد من الحفاظ على هويتهم الإسلامية بحكم الضغوط الرهيبة التي تعرضوا لها.
كما يرى جاكسون ان القول إن الأفارقة الأميركيين اعتنقوا الاسلام لرسالته المعادية للعنصرية يمثل تفسيرا ناقصا للظاهرة بحكم عدم تكرارها في مجتمعات عنصرية أخرى كجنوب إفريقيا.
في المقابل يرى جاكسون ان نظام العبودية ذاته والأسلوب الذي تعامل به المجتمع الأميركي مع الأفارقة الأميركيين والخبرات التي مروا بها تشكل معا عوامل صنعت الشخصية الإفريقية الأميركية في شكل خاص وأعدتها تدريجا لاعتناق الاسلام. ويشير جاكسون الى أن إعداد الأفارقة الأميركيين لاعتناق الإسلام تم على مراحل أو محطات تاريخية وثقافية فارقة، نلخصها هنا في مراحل ثلاث رئيسة.
المرحلة الأولى هي مرحلة «الدين الأسود»، وهنا يرى جاكسون ان «الدين الأسود» هو أول دين اعتنقه الأفارقة في أميركا وأكثر النزعات الدينية انتشارا في أوساط الأفارقة الأميركيين حتى يومنا هذا.
الدين الأسود - في حقيقته - ليس دينا بالمعنى المتعارف عليه، فهو دين بلا كتب سماوية أو مؤسسات أو رجال دين أو تعاليم بعينها، إذ يعد الدين الأسود - في جوهره - نزعة للتدين تلخص تجربة الأفارقة الأميركيين تحت نظام العبودية الأميركي وتبحث عن علاج ديني لمحنة العبودية الرهيبة ذات الآثار الراسخة في الشخصية الإفريقية الأميركية حتى يومنا هذا.
بمعنى آخر «الدين الأسود» هو بمثابة نزعة للتدين راسخة في الشخصية الإفريقية الأميركية يعود اليها الأفارقة الأميركيون في شكل طبيعي وتلقائي في حال عدم انتمائهم لدين محدد - كالمسيحية أو الاسلام – كما انه يمثل الاطار الفلسفي الذي يرتدون اليه لفهم الأديان المختلفة ومقارنتها.
وهنا يصف جاكسون «الدين الأسود» بأنه يركز في جوهره على إيمانه بالعدالة الإلهية، ورفض الاضطهاد العنصري، وعلى وجود له يفهم معاناة الأفارقة الأميركيين ويقف في صفهم، كما يمد «الدين الأسود» الأفارقة الأميركيين بطاقة ورغبة دائمتين لمكافحة العنصرية والتمييز.
ويرى جاكسون ان البيئة الأميركية ساعدت على ظهور «الدين الأسود» لأسباب مختلفة من بينها نظام العبودية القاسي الذي أدى الى انقطاع الأفارقة الأميركيين عن تراثهم الديني والثقافي الأفريقي، كما أشعر المجتمع الأميركي المتدين العبيد الأفارقة بحاجتهم لدين ولإله يحميهم وهم المستضعفون، ولما كانت البروتستانتية هي الدين الأكثر انتشارا في أميركا، ولما كانت البروتستانتية ذات نزعة عقلانية ترفض الوساطة الدينية - كما هو الحال في الاسلام السنّي - تبنى «الدين الأسود» نزعات مشابهة، إذ رفض «الدين الأسود» الوثنية ومال الى البحث عن إله.
كما ساعدت البروتستانتية - التي اعتنقها الأفارقة الأميركيون في شكل متزايد في النصف الأول من القرن التاسع عشر - على تقوية نزعة الأفارقة الأميركيين للمعارضة والتحدي والبحث عن دين خاص بهم وهي نزعة تمثل ركيزة اساسية لـ «الدين الأسود»، وذلك بحكم ان البروتستانتية هي بطبيعتها حركة قامت لمعارضة التيار الديني السائد داخل المسيحية.
المرحلة الثانية هي مرحلة المسيحية، والتي أقبل عليها الأفارقة الأميركيون في شكل متزايد في القرن التاسع عشر، وهنا يرى جاكسون ان اعتناق الأفارقة الأميركيين للمسيحية أعدهم لدرجة ما لاعتناق الإسلام، وذلك بسبب سيطرة الدين الأسود على الأفارقة الأميركيين خلال الفترة ذاتها.
(يتبع)
*باحث عربي مقيم في واشنطن
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/23775.html