العدد: 1931 | الأربعاء 19 ديسمبر 2007م الموافق 09 ذي الحجة 1428هـ

زكريا رضي في ندوة بأسرة الأدباء والكتاب

«الآخرون»... أدب اعتراف لا تخيّل

يجزم الناقد البحريني زكريا رضي بأن من يقرأ نص رواية «الآخرون» يشعر بأنه «أدب اعتراف وليس أدب تخيل» وخصوصا أن «الرواية بضمير المتكلم المباشر جعلها شهادة اعتراف من الكاتبة».

ويصر رضي في ورقته النقدية التي قدمها أخيرا في مقر أسرة الأدباء والكتاب تحت عنوان «سحق الزعفران»، على أن الكاتبة السعودية صبا الحرز مؤلفة رواية «الآخرون» هي ذاتها الرواية التي تمسك بكل شخصيات الرواية وتحركها و «تحللها وفق ما تنظر لها»، من دون أن تسمح لهذه الشخصيات بأن تعكس صورة الرواية الحقيقية.

ويساند الناقد زكريا رضي في هذا السياق الآراء النقدية التي تطرقت بالدرس إلى رواية «الآخرون» التي اعتبرتها نصا إشكاليا في تركيبته ورؤيته وخصوصا أنها رواية تحدثت فيها صاحبتها عن «التابو» والمحرمات بل وغاصت من خلالها في خبايا يرفض الخوض فيها في مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي.

ولتقديم صورة واضحة عن إشكالية نص «الآخرون» ارتكز الناقد على رافدين رئيسيين هما نموذج «سيمون دي بوفوار» الذي ارتبط بظهور الحركة النسوية في الغرب، واشتغالها على سؤال: «ما هي المرأة؟» إذ توصلت من خلال البحث من أجل الإجابة عن هذا السؤال المحوري إلى التأكيد أن «المرأة لا تخلق امرأة وإنما تصنع» واعتبرت في السياق ذاته أن ربط المرأة بالقذارة نتيجة لإرادة ذكورية، ما يعني ضرورة أن المرأة منتج من خيارات الذكر. أما الرافد الثاني الذي ارتكز عليه الناقد في قراءته النقدية لرواية «الآخرون» لصبا الحرز فهو أنموذج الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي يرى أن «اللذة هي غاية بذاتها لا تخضع لا للأخلاق ولا لأية حقيقة علمية».

ويخلص الناقد من خلال النموذجين الفلسفيين السابقين إلى حقيقة مفادها أن عقدة الجسد والرغبة لا تحل، ومن هنا يقر الناقد بأن الشخصية الحاكية في الرواية، والتي يجزم بل ويصر على أنها الكاتبة نفسها، تعيش الرغبة المكتملة مع إحدى الشخصيات الرئيسية في الرواية وهي شخصية «ضي» التي هيمنت على ما يقرب من ثلاثة أرباع النص السردي وتحركها الكاتبة بطريقة «تحقق لها رغبة تريد أن تقصيها ولكنها في الوقت ذاته تريد أن تستمتع بها إلى أقصى درجة». ولذلك يعتبر الناقد زكريا رضي أن قضية المثلية عند الراوية أو البطلة ليست نقطة تأزيم وإنما هو اختيار منها، وهو ليس خيار تفريغ وإنما هو اقتناع ويستدل في رأيه هذا إلى أن الراوية التي انفصلت في مرحلة ما عن صديقتها «ضي» تتحول إلى شخصية أخرى تمارس معها تجربة جديدة، وبالتالي تجربة مثلية جديدة تثبت أن قضية المثلية في الرواية لا يشكل طرحا لأزمة وإنما هو صراع.

وهنا يطرح الناقد تساؤلا ملحا: بما أن المثلية ليست أزمة في الرواية، فأين يكمن الصراع إذا؟ ويجيب بالقول: «الصراع يكمن في تحديد الذات، هل تريد الراوية أن تبقى مثلية أو لا تريد؟».

يستغرب زكريا رضي اختيار صبا الحرز تغييب الرجل في روايتها في ماعدا الفصول الثلاثة الأخيرة ويعتبر في هذا الخصوص أن تغييب الرجل طوال خمسة عشر فصلا أفضى إلى بروزه في صورة الكائن الغامض والخجل باستثناء شخصية «حسن» شقيق البطلة الذي تفتقده في لحظات كثيرة في الرواية على اعتبار أنه توفي جراء إصابته بمرض السكلر.

أما الشخصية الرجولية الرئيسية في الرواية فهي شخصية «عمر» الذي يظهر ضمن أحداث الرواية بعد انفصال الراوية عن إحدى صديقاتها وهي هبة التي تزوجت ابن عمها.

ويعتبر الناقد أنه كان على الكاتبة أن تمنح الحضور الذكوري في الرواية حيزا أكبر من خلال إشراكه في التفاصيل والحوادث، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الحضور الخجل للرجل طوال غالبية فصول الرواية أثر سلبا على الحبكة السردية في الرواية.

ومن هذا المنطلق يهاجم الناقد البنية السردية في الرواية التي اعتبر أنها «تحتاج إلى حبكة أكثر اتقانا»، وهو رأي ناقضته فيه الناقدة جمانة حداد في إحدى مقالاتها النقدية للرواية، حين أكدت أنها رواية متماسكة ومقنعة وناجحة، تثبت نضجا أدبيا وفكريا وكتابيا لصاحبتها، قل أن لمسناه في رواية «أولى»، أو حتى ثانية وثالثة. موهبة الحرز ثابتة، لغتها صلبة وجذابة، حنكتها السردية متوهجة، وخلفيتها الثقافية غنية بوضوح. وهذه وغيرها عناصر تبشر بولادة روائية عربية تستحق أن نحتفي بها وأن ننتظر منها الأكثر في الآتي من الأيام.

يقول الناقد البحريني زكريا رضي في ورقته النقدية «حتى اليوم لا أحد يعرف من هي صبا الحرز في الواقع» واختيار الكاتبة اسما مستعارا يفتح أبواب تأويلات كثيرة وصلت بالبعض إلى تأكيد إمكان أن يكون رجلا وهو ما تخوفت منه الناقدة جمانة حداد بقولها «أعترف أني سأشعر بغصة وخيبة إذا ما اكتشفت يوما أن اسم صبا الحرز المستعار ليس فعلا لصبية في العشرينات من عمرها، بل لكاتب خمسيني أو ستيني. سأشعر بغصة وخيبة إذا ما اكتشفت أنها ليست حقا شابة سعودية موهوبة ضربت نرد الأدب بشجاعة وقررت كسر التابو على طريقتها، بل محض لعبة ترويجية جديدة».

ولئن كانت تقنية الأسماء المستعارة لم تمنع الكثير من المبدعين من نشر إبداعاتهم في أنماط أدبية مختلفة منذ عصور كثيرة خلت، إذ اختاروا التخفي وراء أسماء مستعارة لتفادي تبعات ما يمكن أن تجره عليهم كتاباتهم من ويلات، فإن زكريا رضي يجزم بأن صبا الحرز «تورطت» في خيارها هذا، ذلك أن الإشكالية في هذا الاختيار «تأتي من قدرتها على التجاوز إلى تجربة إبداعية أخرى بحيث لا تكون هذه التجربة بمثابة الوثب العالي» وخصوصا أن موضوع العلاقات الجنسية من الموضوعات المحرمة في مجتمعات عدة، فما بالك بالمجتمع السعودي المتزمت أساسا, عدا عن أن الحديث عن موضوع العلاقات الجنسية المثلية الذي عالجته الكاتبة في روايتها الأولى لايزال يعتبر من المواضيع الجريئة حتى في المجتمعات الغربية. على أن الناقد زكريا رضي لا يعتبر التطرق إلى هذا الموضوع جرأة إبداعية بقدر ما هو اعتراف أو تنفيس عن النفس.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/268838.html