العدد: 1954 | الجمعة 11 يناير 2008م الموافق 02 محرم 1429هـ
لأن «الحسين شمعة لا تنطفئ»...
دعوات التآخي تتغلب على ممارسات التفريق والفتنة
يتذكر كبار السن من الطائفتين الكريمتين، كيف كان موسم عاشوراء منذ القدم في هذه البلاد الكريمة محفلا يجمع كل أهل البلد، ذلك أن ذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) هي ذكرى خلدها الله سبحانه وتعالى لتكون منبعا للعطاء الإسلامي الخالص، فهي تجمع ولا تفرق... تقوي ولا تضعف، تنشر المحبة وتتصدى للكراهية، فدعوات التآخي والوحدة والمحبة تتغلب على ممارسات التفريق والفتنة، تحت أي مسوغ ووفق أي ممارسة لا تتماشى مع تراث وأخلاق وطبيعة أهل البحرين الطيبة.
واليوم، تغير الوضع كثيرا... فهناك من يتعمد إثارة «الفتنة» تحت أكثر من عنوان، فتارة تحت عنوان الإساءة الى الدين الإسلامي، وتارة تحت عنوان شتم الصحابة ونصب العداء والتحريض على العنف والكراهية، وتارة تحت عنوان تطهير المجتمع من الممارسات الموروثة عن اليهود والنصارى، لكن كل تلك العناوين تسقط صاغرة تحت عنوان واحد كبير خلده التاريخ حين يعود الجميع إلى قول الرسول الأعظم محمد (ص): «حسين مني وأنا من حسين... أحب الله من أحب حسينا».
أفعال تذهب أدراج الرياح
وفي السنوات الماضية، شهدت مواسم عاشوراء أفعالا مرفوضة منها توزيع الكتيبات والنشرات الطائفية التي توغر الصدور وتشعل نار الفتنة، وبعضها الآخر ظهر في صورة تصريحات صحافية لنواب وخطباء جمعة، وصنف ثالث منها يدخل تحت إطار إساءة استخدام المنبر والموكب الحسيني، إلا أن كل تلك الأفعال تذهب أدراج الرياح، لأن هناك من يمتلك الحكمة والعقل لتجنيب المجتمع ما لا يحمد عقباه.
ولم يقتصر التأليب على المطبوعات السيئة والخطب التأجيجية لبث العداوة والبغضاء بين الناس، بل امتد إلى الهجوم على الخدمات الحكومية التي تقدمها الدولة سنويا في ذكرى عاشوراء من استعدادات طبية وتموينات وتنظيم لحركة السير وضمان الأمن، لينبري بعض الناس للإساءة إلى الجهات التي تقدم هذه الخدمات!
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه الكثير من المواطنين كيان الذكرى كجزء من الموروث الديني في البلد، ينتقدون أيضا الممارسات السيئة أيا كان مصدرها، سواء جاءت عبر المنشورات والكتيبات والتسجيلات الطائفية، أم من بعض محاضرات المآتم، مع فارق أن ممارسات المآتم جلية واضحة ويمكن لأي إنسان أن يستمع متعرفا على المتحدث، لكن تلك الممارسات الخفية، تكون مجهولة المصدر.
رسالة أخلاقية واجتماعية
وفي التجمعات العاشورائية، يمكن للمرء أن يرى المواطنين من الطائفتين يشاركون بعضهم بعضا، فهناك من يقدم المساعدات العينية من التموينات والتجهيزات وهناك من يساهم في التنظيم متطوعا وهناك من يقدم المساعدات المالية من قبل الطائفتين. فمثل هذه الذكرى، يجب أن تبقى مناسبة سنوية لجمع الناس على المحبة، وهو ما شدد عليه محافظ المحافظة الشمالية جعفر بن رجب في اللقاء السنوي الذي عقدته المحافظة مع رؤساء وممثلي المآتم والحسينيات في قرى المحافظة، حيث أكد على الرسالة الإسلامية والأخلاقية والاجتماعية لهذه الذكرى، فهي رسالة مقدسة ينبع عطاؤها من البذل والخير والمحبة، موضحا أن أهل البحرين، قيادة وشعبا، يتشاركون في الأفراح والأحزان، أما إحياء ذكرى عاشوراء فهي لها مكانة كبيرة، خصوصا وأن قيادة البلاد توجه المسئولين في مختلف القطاعات إلى تقديم الخدمات طيلة إحياء ذكرى عاشوراء وتسخير الإمكانات كافة لإحيائها وهذا الأمر ليس بغريب، فهو منظور ومعهود منذ سنوات طويلة.
ويعتقد بن رجب أن أهل البحرين يدركون أن كل فعل أو ممارسة من شأنها أن تؤثر على العلاقات الطيبة بين الناس لن تدوم طويلا لأنها مرفوضة. وعبّر عن ارتياحه للتجاوب والتعاون من جانب مسئولي المآتم لتكون هذه الذكرى مكانا لجمع القلوب على الخير والوئام.
لقاء مميز في قرية مقابة
في يوم التاسع من المحرم من كل عام، يجتمع عدد من المواطنين من مختلف المناطق في مجلس خالد فؤاد الخاجة عند مدخل قرية «مقابة»، وهذا اللقاء السنوي، يقدم نموذجا صادقا للمواطنين من الطائفتين، الذين يلتقون على المحبة في هذه المناسبة الدينية المجيدة، فصاحب المجلس يرى أن محبة أهل البيت (ع) هي الدليل الأصدق على محبة الرسول الأعظم (ص)، وأن هذه المحبة موصولة بصحابة الرسول النجباء، فهم كالنجوم، بأيهم اقتدى الناس اهتدى، وليس ذلك فحسب، بل من المجلس إلى مسجد ومجلس عائلة الخاجة في ضاحية السيف، تمتد اللقاءات في أكثر من مناسبة، بمشاركة خطباء وعلماء دين ومثقفين من الطائفتين، ليصبح هذا المجلس نموذجا حقيقيا للتصدي لأي فعل لا يرتضيه الناس لمجتمعهم.
ومن الصور التي يشترك فيها أبناء الطائفتين في شهر محرم، حملات التبرع بالدم لمساعدة المرضى المحتاجين، أيا كان مذهبهم، ويرى الطبيب ماجد عيسى الماجد الذي يشرف على حملات جمعية أهل البيت الإنسانية للتبرع بالدم أن هذه الفعاليات هي الأصدق تعبيرا على ما لهذه الذكرى من أبعاد دينية واجتماعية وإنسانية، وهي تعطي مصداقا للدماء الطاهرة التي تمنح الحياة للآخرين تماما كما هي نهضة الإمام الحسين (ع)، تمنح للأمة سر بقاء مبادئها العظيمة التي جاءت بها الرسالة السماوية الخاتمة على يد سيد الأنبياء محمد (ص)، وانطلق امتدادها من دماء الإمام الحسين لتشرح لكل البشرية معاني الوفاء والإباء والعطاء والتقدم والعلم والرفعة والتوحيد لله سبحانه وتعالى.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/272604.html