العدد: 2127 | الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ

الإيزيديّون تأكيد التوحيد وأزمة تقديس المَلَك عزازيل - إبليس

ديانة الكُرد الأولى بين الطمس الذاتيّ ومحاربة الخصوم؟

يثير عنوان «طاؤوس ملك... رئيس الملائكة عند الإيزيديّة» الاشتهاء إلى اقتناء الكتاب، ولاسيّما في خضم الجدل الدائر بشأن أحد مكوّنات فسيفساء العراق الحديث. ويفتتح القانونيّ العراقيّ زهير كاظم عبّود كتابه بكمّ من الأسئلة لإثارة شهيّة البحث عن حقيقة طائفة عانت ولاتزال من القمع والتشويه والازدراء عقائديّا وسياسيّا واجتماعيّا.

الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى العام 2008 عن دار النشر العربية في 195 صفحة يؤكد خلاصة تحقيقات كثيرة أكدت أنّ الإيزيديّة ديانة الكُرد الأولى، وأن ليس ثمّة علاقة بينها وبين يزيد بن معاوية، فالإيزيديّون - بحسب شبكة لالش الإيزيديّة - يعبدون الله وحده، وإيزيد اسم من أسماء الله باللغة الكرديّة القديمة، وإيزيدي يعني عابد الله.

الكتاب المؤسّس للبحث في رمزيّة «طاؤوس ملك» كبير الملائكة في الديانة الإيزيديّة المختلف على تحديد هويته لم يستعرض بالتفصيل مبدأ هذه الطائفة وعقائدها، لربما تعويلا على أن للمؤلّف نفسه كتابا بهذا الشأن عنوانه «الإيزيديّة... حقائق وخفايا وأساطير». من نظرة سريعة على كتابات المؤلّف يبدو أنّ كتابه «المتواضع» (بتعبيره) لم يعدّ ليكون دراسة أكاديميّة بحتة، فافتقد بعض العمق والمنهجية الصارمة، ولربما كان غموض الموضوع وتكتم الطائفة سببا فاعلا في ذلك.

بقدر ما أكّد عبّود فكرة الوحدانيّة لدى الإيزيديّين فإنّه لفت إلى حتميّة القيام بكشف الصلة والتأثير المتبادل بين طقوس الديانات، ما سيفضي إلى فهم أعمق لرمزيّة تلك الطقوس ومستوى التلاقح الحضاريّ مع الأساطير والركام المعرفيّ البشريّ.

الكتاب الذي تضمّن خمسة فصول، قدّم فصله الأوّل نظرة عامة مطوّلة في ملامح التكوين الأولى للأديان، ثم عرض فصله الثاني الفرضيّات الأربع الخاصة بأصل فكرة «طاووسي ملك» مورفولوجيّا وميثولوجيّا، مقدما القراءة الإيزيديّة لقصة السجود لآدم وموقف رئيس الملائكة «الملك عزازيل» (إبليس) وما يتفق معها من أفكار صوفيّة رأت في إبليس مظهرا توحيديّا، وما يستتبع ذلك من تقييم للخير والشرّ. والفصل الثالث تحدّث عن قضية الطقس الأبرز وهو الطواف المقدّس بالسناجق (الرايات) النحاسيّة التي ترمز بالطاووس لإبليس عبر مناطق الإيزيديّين. أمّا الفصل الرابع المعنون بـ «عبدة الطاووس» فناقش شخصيّة طاووس ملك وجدليّة السّجود لآدم إسلاميّا وإيزيديّا، فإبليس مظهر إلهيّ ورمز مقدّس، بخلاف الأديان المجاورة للإيزيدية التي تتخذ موقفا سلبيّا من الإيزيديّين لموقفهم من إبليس، واختتم الكتاب بفصل شكّل حقيقة الخلاصة تقريبا التي من حقها أن تقدّم لتشكّل للقارئ أرضيّة سليمة.

يُلفت المؤلف - ويؤكّد ذلك باحثون آخرون - إلى أنّ مجتمع الإيزيديّين تعرّض للقمع على أساس قوميّ باعتبارهم كردا، كما تعرّضوا للتهميش والظلم والحرمان، وتعرّضت ديانتهم للتشويه والافتراءات، وساعد في ذلك الانغلاق الذي عرفوا به، ما فوّت عليهم فرصة الاتصال بالآخر لتوضيح المواقف. كذلك تأثر الإيزيديّون رغم قدم ديانتهم بالأديان التي حولهم ومنها الإسلام، ولاسيّما إذا علمنا أنّ الإيزيديّين ذوو ثقافة دينيّة شفاهيّة مغرقة في التكتّم وسط ثقافات قوية سلطويّا، ما يخلق تداخلا وإشكالات لا يتصوّر كثير من الباحثين حلحلتها إلا بعد عشرات السنين رغم الصحوة الإيزيديّة التي بدأت أخيرا، ولاسيّما مع دخول العامل القوميّ والسياسيّ والمذهبيّ على خطّ الصراع، ورغم ذلك لا يبدو أفق الإيزيديّين مشرقا إلا على مستوى تمثيل رمزيّ في الدولة الحديثة، لربما لا يطول بقاؤه في هذه الفوضى.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/303514.html