العدد: 2541 | الخميس 20 أغسطس 2009م الموافق 28 شعبان 1430هـ

«الإسلاميون الجدد»... قراءة لخطاب التجديد الإسلامي (1)

كان الباحث الأميركي ريموند بيكر أول من أطلق هذا المصطلح في كتابه: «إسلام بلا خوف - الإسلاميون الجدد في مصر الصادر 2003» قاصدا به مجموعة من أهم المفكرين الإسلاميين الذين عرفتهم مصر والوطن العربي في العقود الثلاثة الأخيرة، وهي مجموعة على رغم استقلاليتها عن التنظيمات والمؤسسات السياسية والإسلامية فإنها مارست تأثيرا واسعا في الحال الإسلامية التي كانت تشهد فورة أو صحوة كبيرة عمّت مصر والمنطقة.

تضم مجموعة «الإسلاميون الجدد» الشيخ الداعية محمد الغزالي رحمه الله، والشيخ الفقيه يوسف القرضاوي، والقاضي والمؤرخ والمفكر طارق البشري، والمفكر والمحامي وأستاذ القانون محمد سليم العوا، والمفكر والمحكم الدولي وأستاذ القانون الدستوري والوزير السابق أحمد كمال أبو المجد، والكاتب والصحافي فهمي هويدي، كمجموعة واحدة متجانسة فكريا ومتصلة بصلات شخصية مباشرة على رغم استقلاليتها.

وثمة تشابه وربما اقتباس مع ما سبق وطرحه الباحث القدير نبيل عبدالفتاح مبكرا في تقريره الرائد عن الحال الدينية بشأن ظاهرة «الإسلاميون المستقلون»، والتي تضم المجموعة نفسها عدا الشيخين الغزالي والقرضاوي.

ويمثل بيان «رؤية إسلامية معاصرة» الذي صاغه كمال أبو المجد في نهاية الثمانينيات وصدر العام 1991 مانفيستو «الإسلاميون الجدد»، بينما تمثل المناظرة الشهيرة بين الشيخ محمد الغزالي والكاتب العلماني فرج فودة 1992 نقطة التدشين والانطلاق.

وبينما كان الجدل السياسي والفكري الاجتماعي وقضاياه الملتهبة في الثمانينيات والتسعينيات المادة الثرية لخطاب قدم أصحابه أنفسهم كممثلين لمدرسة الوسطية التي تتموقع دائما كوسط بين تطرفين: بين الإسلامي وبين العلماني، والنظام الحاكم وبين الخارجين عليه.

- مشروع مستقل للتجديد

و»الإسلاميون الجدد» كما يراهم بيكر هم النموذج الأمثل للتجديد الإسلامي في العقود الأخيرة، وهم يمثلون قدرة الإسلاميين على التفاعل إيجابيا مع القضايا المستجدة وأسئلة العالم الجديدة، وهم عنوان على أن لدى الإسلاميين، حين يمارسون التجديد ويلتزمون الوسطية، ما يقدمونه لمجتمعاتهم وللعالم، وذلك على نقيض ما يوجه للإسلاميين بل وللمسلمين عموما من أنه لم يعد لديهم ما يضيفونه لأنفسهم فضلا عما يثرون به الحضارة الإنسانية!

وموقع «الإسلاميون الجدد» هو موقع المستقل عن كل الكيانات والأطر التنظيمية والحركية الإسلامية، وكذلك التي تتبع الدولة، لكن هذا لا يمنع من وجود علاقات وثيقة بالحركة الإسلامية تسمح لها بالتأثير الفاعل فيها، والتأثر الواعي بها، بجانب علاقة متميزة مع الدولة ومؤسساتها الدينية تتجاوز التوظيف ولا تجرح الاستقلالية، وتجعلهم لا يترددون أحيانا في التموقع ضمن المعارضة.

ومشروع «الإسلاميون الجدد» هو بناء مجتمع إسلامي جامع ومفتوح ومنفتح على العالم، وليس مغلقا أو إقصائيا أو معاديا للعالم على النحو الذي يبدو في مشروع الإسلام السياسي بتجلياته، سواء العنيفة منها كـ «الجماعة الإسلامية أو الجهاد» أو السلمية مثل «الإخوان المسلمين».

وهم لا يراهنون على أن الطريق لذلك يمر عبر ترشيد الصحوة الإسلامية كطاقة تغيير إيجابية في بناء المجتمع، ومن ثم الأولوية عندهم في التغيير الثقافي والاجتماعي على السياسي، وحركتهم هي لأجل الإصلاح العام وليس التغيير السياسي على نحو ما نجده في الإخوان المسلمين.

وعلى رغم أنهم يتمتعون بالاحترام في أوساط الحركة الإسلامية ويمثلون مرجعية «خارجية» للحركة فإنهم لا يترددون في نقد الحركة، وفي رفض وصاية الجماعات والتنظيمات الإسلامية على المجتمع، أو احتكار تمثيل الإسلام، ولا يتوانون في تفكيك ديناميات الخطاب والحركة الإسلامية الثورية الجذرية التي تخاصم المجتمع والدولة والعالم.

أين هم في سياق مسيرة التجديد؟

وعلى رغم أهمية أطروحة ريموند بيكر التي حاول قراءة الحال الإسلامية في تركيبها وتعقيدها الذي يتجاوز حصرها في الإسلام الحركي (التنظيمات والحركات)، أو الإسلام الرسمي (الأزهر والأوقاف والإفتاء)، غير أنه كان أقل تعمقا في أصول الفكر والفقه الإسلامي، وأقل قدرة على الربط بين هؤلاء الأعلام وبين مدرسة الوسطية والتجديد الإسلامي، سواء في حركتها الحديثة أو في جذورها العميقة في التاريخ الإسلامي، لقد اكتفى بإشارات عابرة عن علاقة هؤلاء بمدرسة الوسطية الحديثة التي بدأها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ولم يفصل.

وأتصور أن بيكر - على أهمية جهده - التبس عليه الأمر في تقديم هؤلاء الأعلام كممثلين حصريين لمدرسة الوسطية من دون تقديم السيرة الفكرية التي تكشف الطريقة التي تكون بها هؤلاء وانتموا لمدرسة الوسطية، بل من دون إدراك لفكرة المدرسة الفكرية التي هي أكثر شمولا واتساعا زمنيا وجغرافيا وعدديا بطبيعة الحال.

مثلا لم يفلح في اكتشاف صلة هؤلاء الأعلام بمدارس أخرى كانوا جزءا منها، بل ربما نشأ بعضهم فكريا في رحابها كمدرسة مجلة «المسلم المعاصر» التي بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1974، وجميع الأعلام الذين ذكرهم إما كانوا ضمن مؤسسيها أو هيئتها الاستشارية، أو بدأوا الكتابة فيها أو تعرفوا على المشروع الوسطي التجديدي من خلالها كما في حال الأستاذ البشري، وهي نفسها جزء من حركة التجديد الفكري التي بدأت العام 1948 باسم «جماعة المشروع»... وهو ما لا يجعلهم إسلاميين جددا بالمعنى الذي يطرحه بيكر... وثمة مدارس أخرى ترتبط بمسار هؤلاء وعطائهم مثل مدرسة «المعهد العالمي للفكر الإسلامي».

كما لم يدرك بيكر الصلات الفكرية المهمة لهؤلاء الأعلام بشخصيات لعبت دورا مهما في تيار التجديد والوسطية واستفادوا منها في القضايا التي يبحثها الكتاب، نذكر كمثال عبدالحليم أبوشقة (في قضايا المرأة وهو صاحب موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة)، وأحمد العسال (تطوير التعليم الديني)، ومحمد عمارة (الجدل الإسلامي العلماني)، وسيد دسوقي (التنمية) وعبدالوهاب المسيري (فهم الغرب)، وجمال الدين عطية (الاقتصاد الإسلامي وتجاربه البنكية) وللأخير دور بالغ الأهمية في هذه المدرسة.

كما قصّر بيكر في تتبع امتدادت الإسلاميين الجدد وتأثيراتها التي تجلت في تيارات وأفراد ومؤسسات، ولا يمكن مثلا أن تغيب تأثيراتها في قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومجموعة نادية مصطفى، وسيف الدين عبدالفتاح، وأصحاب حولية «أمتي في العالم»، أو شبكة إسلام أون لاين التي تمثل امتدادا صريحا لهذه المدرسة في العقد الأخير، وكثير من الأجيال الشابة التي سعت لتنزيل رؤية هذه المدرسة وخصوصا في القضايا الاجتماعية والتنموية.

كما لم يتمكن المؤلف من التقاط التأثيرات التي أحدثها هؤلاء في جسم الحركة الإسلامية على مدى بعيد، وكذلك في نشأة تيار الإسلام الاجتماعي، وإن لم يكونوا مسئولين بالضرورة عن المسار الذي أخذه هذا التيار.

وعلى رغم واجهة اقتصاره على دراسة هؤلاء الأعلام ضمن الحالة المصرية فلم يكن هناك ما يمنع في قراءة مدرستهم وتأثيراتها ضمن امتدادتها الجغرافية، سواء في المغرب العربي، والخليج، أو شرق آسيا والولايات المتحدة وأوروبا التي عرفت رحلاتهم ومحاضراتهم في المؤسسات الإسلامية المختلفة وصار لهم تلامذة كثر.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/304991.html