العدد: 327 | الثلثاء 29 يوليو 2003م الموافق 30 جمادى الأولى 1424هـ

العملة الخليجية الموحدة والحاجة إلى صلاة استسقاء

بين الفينة والأخرى تطل علينا الدعوات المنادية بالإسراع في خطوات توحيد العملات الخليجية، مدعمة مطالبها هذه بالكثير من المبررات. ولعل آخر تلك الدراسات تلك التي أصدرها مركز زايد العالمي للتنسيق والمتابعة وأعدتها الخبيرة الاقتصادية والاستاذة بجامعة الملك عبدالعزيز السعودية ناهد محمد الطاهر، والتي ربطت فيها بين العولمة ومبررات السير حثيثا في طريق إصدار العملة الخليجية.

ومن دون الدخول في متاهات إثبات ما إذا كانت هناك أية علاقة بين العولمة وذلك الموضوع، دعونا نحاول تسليط الأضواء على تجارب مشابهة تساعدنا على تلمس متطلبات إنشاء العملة الخليجية الموحدة.

دعوات غير مستجابة

في البدء لابد من الإشارة إلى أن دعوات توحيد عملات إقليمية ليست مقتصرة على دول مجلس التعاون. فإلى جانب اليورو الذي نجح في الانتقال من مرحلة المناداة إلى مستوى التنفيذ والاستخدام، هناك مطالبة الرئيس المالي ألفا عمر كوناري في نهاية العام 1999 والذي كان يشغل حينها منصب رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بضرورة أن يكون لتلك الدول عملة موحدة على غرار العملة الأوروبية الموحدة. ودعا كوناري وقتها إلى السعي من أجل تذليل العقبات التي تقف في وجه وجودها.

وأكد كونارى حينذاك أن فكرة العملة الموحدة المهمة لا يمكن فرضها خلال ستة أو ثمانية أشهر ولابد من بحث آفاقها وأبعادها المستقبلية مع الاقرار بضرورة التوصل الى اتفاق سياسى واقتصادي.

بعد ذلك وفي العام 2001 أعلن محافظ البنك المركزي إسماعيل حسن خلال زيارة كان يقوم بها إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في اجتماعات لجنة البنوك المركزية في شمال إفريقيا التي ترأسها مصر، أن الاجتماعات ستبحث حينها ثماني مراحل تتعلق بالمتغيرات النقدية والاقتصادية، تشمل كل مرحلة أهدافا محددة، وسيتم بحث إصدار عملة إفريقية موحدة في نهاية 2021.

بعدها جاءت دعوة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا إلى دول جنوب شرق اسيا كي تدرس فكرة طرح عملة موحدة للمساعدة في دعم اقتصاداتها وتعزيز التجارة الاقليمية البينية.

ووضع مهاتير دعوته تلك امام اجتماع لمجلس رجال الاعمال التايلاندي الماليزي المنعقد في يوليو/تموز 2002، وطالب مهاتير حينها تلك الدول بأن تدرس بجدية امكان طرح عملة موحدة.

الدينار الذهبي الإسلامي

لقد صدر أول دينار ذهبي إسلامي على نطاق ضيق بين أعضاء منظمة المرابطين في العام 1992، وذلك بوزن يعادل 4,25 غرامات من الذهب عيار 22، ثم تطورت فكرة الدينار في العام 1997؛ ليتم وضعها في إطار مصرفي عن طريق إطلاق ما يسمى بالدينار الإلكتروني، وهو نظام تبادل يستعمل فيه الذهب كنقد من خلال معاملات تجرى عبر شبكة الانترنت.

وتقول شركة «إي دينار» (e dinar) المحدودة التي تتخذ من جزيرة لابوان الماليزية مقرا لها: إن حجم التعاملات الإلكترونية في الدينار الذهبي الإسلامي عبر الإنترنت وصل حاليا إلى ما يوازي 4 أطنان من الذهب، وإن نسبة المتعاملين تنمو بمعدل 10 في المئة شهريا. كما أن عدد المتعاملين عبر موقع الدينار الإلكتروني (www.e-dinar.com) الذي أطلق على الإنترنت العام 1999 بعد نحو 7 سنوات من سك الدينار الذهبي الإسلامي وصل إلى نحو 600 ألف، وأن العدد يتضاعف كل عام تقريبا.

ويتم حاليا التداول في الكثير من دول العالم بشكل مباشر بنحو 100 ألف دينار ذهبي إسلامي و250 ألف درهم فضي تم سكها من قبل الشركة، على أمل أن تحل في مرحلة لاحقة محل الدولار الأميركي لتسوية الحسابات التجارية بين الدول الإسلامية التي يبلغ تعداد سكانها نحو 1,3 مليار نسمة. لكن هذا لا يعني وصول الدينار إلى مراحل الاستقرار في التعامل على النحو الذي خطط له.

اليورو

باستثناء الدينار الإسلامي الذي لايزال محاطا ببعض الشكوك عن امكان صموده، وبعيدا عن كل تلك الدعوات التي لم تتجاوز جدران الحجرات التي رددت أصداء أصوات المنادين بها، توجت جهود الدول الأوروبية في مجال التكامل الاقتصادي بميلاد الوحدة النقدية الأوروبية المعروفة باسم «اليورو»، وقد جاء ميلاد هذه العملة ليؤكد نجاح تجربة الأوروبيين التي بدأت منذ ما يزيد على 50 عاما، ولذلك فإن اليورو الذي تسلل إلى جيوب الأوروبيين في مطلع العام 2002 ليس مجرد عملة، ولكنه تجربة فريدة ينظر إليها العالم أجمع بمزيج من الإعجاب والترقب والحذر؛ لأنها تجربة ليست لها سابقة من نوعها.

ويمكن تحديد معالم رحلة اليورو وفق المراحل الآتية:

1- لجنة وارنر بدأ النظام النقدي الأوروبي مع بداية رحلة التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي في العام 1957، وذلك بعد تكوين الجماعة الاقتصادية الأوروبية بناء على معاهدة روما، إذ بدأت الدول الأعضاء التفكير في إنشاء النظام النقدي الأوروبي في أواخر الستينات.

ففي تشرين الثاني 1969 تم تشكيل لجنة أوروبية أطلق عليها «لجنة وارنر»، وذلك لتقوم بوضع خطة مفصلة لتحقيق الوحدة النقدية الأوروبية بصورة تدريجية. أربك إقدام الولايات المتحدة الأميركية على اتخاذ قرار وقف تحويل الدولار إلى ذهب النظام النقدي العالمي وانعكس ذلك بشكل عميق على مساعي إنشاء العملة الأوروبية المشتركة.

2- الثعبان داخل النفق تغلب الاتحاد الأوروبي على ذلك المأزق من خلال وضع نظام أطلق عليه نظام «الثعبان داخل النفق»، وهو نظام نقدي يسمح بهامش تذبذب للعملات الأوروبية حول سعر محوري للدولار، بالإضافة إلى هامش تذبذب حول سعر مركزي بين العملات الخاصة بالدول الأعضاء. ولكن نظام الثعبان داخل النفق أدى إلى حدوث بعض المشكلات وتدهور لبعض عملات الدول الأعضاء.

3- معاهدة ماسترخت لمواصلة مسيرة الوحدة النقدية الأوروبية بعد فشل نظام الثعبان داخل النفق قامت الدول الأوروبية الأعضاء بإدخال بعض التعديلات على معاهدة روما، وذلك من خلال توقيع معاهدة جديدة في «ماسترخت» في فبراير/شباط 1992، ودخلت حيز التنفيذ العام 1993، وتم إعلان قيام الوحدة الاقتصادية بين الدول الأوربية في يناير/كانون الثاني 1993.

وقد حدد اتفاق ماسترخت سيناريو قيام الوحدة النقدية الأوروبية، وتحديد مراحل الوصول إلى صدور عملة موحدة. وقد توج ذلك بالإعلان عن ميلاد العملة الأوروبية (اليورو) في مطلع العام 1999، وتم تثبيت أسعار صرف عملات الدول المشاركة فيها بصورة نهائية، وصاحب ذلك إنشاء البنك المركزي الأوروبي (ESCB) الذي يضم كل المصارف المركزية للدول الأعضاء.

أهداف اليورو

ولم يكن ذلك القرار ولا خطوات التنفيذ مجرد تحقيق رغبات بعض زعماء الكتلة الأوروبية، فقد كانت تقف خلفه أهداف اقتصادية واضحة المعالم من أهمها: «خلق سوق مالية أوروبية تقوم على أسس اقتصادية موحدة». وإيجاد دور فعال للعملة الأوروبية على المستوى الدولي، وخصوصا أمام الدولار الأميركي. واتباع سياسية نقدية موحدة في الاتحاد الأوروبي بالتوازي مع السياسة التجارية والسياسية الزراعية المشتركة في دول الاتحاد.

«تلافي سلبيات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف بين عملات الدول الأعضاء بالاتحاد، وتأثير هذه التقلبات على أداء الشركات، وحركة رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء». خلق مزيد من الشفافية في الأسعار والتكاليف، وزيادة المنافسة، ورفع معدلات النمو الاقتصادي في الدول الأعضاء.

مكونات اليورو

وعلى مستوى دقة الأهداف جاء وضوح المكونات، إذ تتكون وحدة النقد الأوروبية (اليورو) من سلسلة من الأوزان النسبية لعملات الدول الأعضاء، ويتكون الوزن النسبي لكل عملة من جزأين جزء ثابت وآخر متغير، والجزء الثابت يتم تحديده بناء على مجموعة من المؤشرات الاقتصادية هي: «الأهمية النسبية للناتج القومي الإجمالي للدولة العضو بالنسبة إلى إجمالي ناتج الدول الاتحاد الأوروبي».

نسبة مساهمة دول في إجمالي التجارة البينية للدول الأعضاء بالاتحاد

نصيب الدولة من التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل من صندوق التعاون الأوروبي. أما الجزء المتغير من الوزن النسبي لكل عملة فيتم تغييره على أساس التغير اليومي في أسعار عملات الدول الأعضاء المشاركة في نظام اليورو، ويكون هذا التغيير في حدود هامش التذبذب المتفق عليه وهو + 2,25 في المئة، ويمكن أن يتم توسيع هذا الهامش إلى + 6 في المئة في بعض الظروف.

الدول الأعضاء

ليست كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أعضاء في اليورو. لقد حدد اتفاق ماسترخت انضمام الدول الأعضاء الاتحاد إلى اليورو بالشروط الآتية: «عدم تجاوز معدل التضخم في الدولة حدود 1,5 في المئة عن متوسط معدل التضخم في أكثر ثلاث دول من دول الاتحاد تمتعا بالاستقرار في الأسعار».

ألا يتجاوز عجز الموازنة في الدولة حدود 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها. «ألا يتجاوز إجمالي الدين العام للدولة نسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها». ألا يتجاوز معدل الفائدة طويلة الأجل حدود 2 في المئة عن متوسط سعر الفائدة في أكثر ثلاث دول من دول الاتحاد تمتعا بالاستقرار في الأسعار.

العملة الخليجية الموحدة

في اجتماع وزراء مالية دول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول 2001 اتفق وزراء المالية على جملة من القضايا التي راوحت بين تجميد أصول مالية لجماعات وأفراد تزعم واشنطن أن لها صلة بالإرهاب وسن قانون موحد لمكافحة غسيل الأموال إلى الاتفاق على توحيد عملة بلدانهم الستة بحلول العام 2010.

وفي العام 2000 كان قادة دول مجلس التعاون الخليجي قد أقروا جملة من الخطوات لإصدار العملة الموحدة وأقروا العملة الأميركية مقياسا مشتركا لتحديد قيمة العملة الموحدة المزمعة. وترتبط عملات دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا الدينار الكويتي بالدولار الذي يستخدم في تسعير النفط. ويرتبط الدينار الكويتي بسلة عملات.

لسنا بصدد التشكيك في إمكانة التوصل إلى العملة الخليجية الموحدة. لكن وكما تقول رحلة اليورو، ينبغي أن يأتي الإصدار تتويجا لمساع شاقة على طريق توحيد أمور أخرى، من بين أهمها مد الطرق والجسور، وتسهيل مهمات انتقال الأفراد والأموال والإستثمار. فحتى نرى التسهيلات على جسر الملك فهد، وإلى أن نشهد بدء أعمال الجسر بين قطر ومملكة البحرين، وإلى أن نرى ... بوادر لكل ذلك، لانملك سوى التمسك بالأمل فهو حبل نجاة المتفائلين في أزمنة الإحباطات المتتالية الحالكة. وليس أمامنا سوى إقامة صلاة الاستسقاء لعل الله يجيب الدعاء. فشحة النوايا الصادقة أسوأ من شحة المياه الجارية


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/328402.html