العدد: 448 | الخميس 27 نوفمبر 2003م الموافق 02 شوال 1424هـ
الجنة: رسالة إلى سفير عربي
«ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك».
ليس من المستبعد أبدا أن يستغرب الإنسان من حديث وصل إلى مسامعه يدور بين أشخاص كثر أو قلة، ولا يكون هذا الحديث مدعوما أو مسنودا إسنادا صحيحا، أو أن يكون إسناده ضعيفا، بيد أن الغريب في الأمر إجمالا ألا يؤخذ الأمر على محمل الجد أو أن يؤول تأويلا صحيحا.
هذا ما حدث في يوم من أيام شهر الصيام المبارك في العام الماضي، كنت جالسا بصحبة رجال أخيار في ليلة رمضانية يهنئ بعضنا بعضا بحلول الشهر الكريم. تلك الليلة المباركة جاء الحديث عن «الجنة» ومكانتها في الفكر الإسلامي. جاء الحديث مصادفة. كنا نفر قليل، فينا الوزير (عبدالنبي الشعلة نذكره بالاسم ليكون شاهدا على ما حدث) الذي قال يوم بدأ الحديث: «لا تفضحونا»، وفينا السفراء الذين عجبوا أيما إعجاب (إعجاب التعجب من الأمر). قلت في تلك الجلسة إن «الله» بحسب رأي بعض رجال الفكر الإسلامي قديما وحديثا وبحسب تأويلهم للقرآن والحديث والسنة، أعطى المسلم أربعين قصرا في الجنة وفي كل قصر أربعون غرفة نوم وفي كل غرفة نوم أربعون سريرا وعلى كل سرير أربعون حورية. مجموع الحوريات التي يحصل عليها المسلم 2560000 حورية. تعجب الإخوة الحضور من الأمر وطالبوا بإثبات ما قلت، بل إنهم ضحكوا كثيرا، فسررت لكوني أدخلت السرور إلى قلوبهم. طالبوني بإثبات ما نطق به اللسان، فعجزت آنذاك أن أثبت بالبرهان وإعطاء الدليل المادي على وجود مثل هكذا إيمان وهكذا عدد من الحوريات، غير أني وعدت بأن أجد الدليل القاطع على مثل هكذا قول. بدأت بالتفتيش فوجدت ضالتي، غير أني وجدت ما هو أكبر من الضالة التي أبحث عنها، وعليه فإني لن أخبر السفير الذي طالب بالبرهان عن تلك، الضالة، بل إلى شيء هو أفضل من تلك ومن رجال ثلاثة، الأول يروي عن النبي العربي محمد بن عبدالله، الثاني عن خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب، ورجل آخر عصري جم الثقافة والفكر.
«أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين، وأبا هريرة عن تفسير قوله تعالى: «ومساكن طيبة في جنات عدن» قالا: على الخبير سقطت، سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة، فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله». (فتح الغدير 71 ص 72 وتفسير الطبري باب 72). في هذه الرواية يبلغ عدد الحوريات بعد حسبة بسيطة أربعة وعشرين مليونا ومئة ألف حورية.
جاء في «معجم ما استعجم» أن الخليفة عمر بن الخطاب قال: أيها الناس، أتدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة وعشرون ألفا من الحور العين، لا يدخله إلا نبي»، وبعد عملية حسابية للحور العين الآتي فقط عند المداخل سنحصل على العدد 125000000 (مئة وخمسة وعشرين مليون حورية) ونترك للمخيلة تصور ما يمكن أن يكون عليه عدد الحوريات في غرف القصر.
والآخر - يا سعادة السفير - أن الإخوة في ليبيا لهم رؤية أخرى في الموضوع. قرأت في كتاب «تحية طيبة وبعد» للكاتب الليبي الصادق النيهوم عن مكاسب المسلم في الآخرة الآتي: «المسلم عنده 70000 قصر في الجنة. كل قصر فيه 70000 غرفة، كل غرفة فيها 70000 سرير وكل سرير فيه 70000 حورية» (ص 118) فإذا ما عملنا عملية حسابية بسيطة فإننا نرى عبر حاصل ضرب عدد القصور في عدد الغرف فإن الناتج يكون 4900000000 غرفة وإذا ما ضربنا هذا الرقم في عدد الأسرة فإن الناتج يكون 343000000000000 سرير وإذا ما ضربنا الناتج في عدد الحوريات فإن الناتج يكون 240100000000000000000 حورية. اللهم لا تعليق.
ولكن أين الحقيقة من هذا الأمر؟ ما هي حقيقة الحوريات وما الجنة في الأصل؟ ماذا تقول كتب التفسير والتراث والأساطير عن الجنة؟ هذا ما جهدت في البحث عنه. وبما ان هذه الصفحة في الصحيفة لا تمنحني المساحة التي أريد لكي أسهب في الموضوع وأعطيه حقه فإن الاختصار واجب وتسهيل الأمر على القارئ وتشويقه إلى القراءة واجب أيضا. وهنا قطرة من بحر.
يورد القرآن الكريم مسمى «الجنة» في مواضع عدة وبصيغ مختلفة. هنا بعض منها على سبيل المثال لا الحصر لكي نعطي قولنا في موضوع القصور والغرف والأسرة والحوريات بعض الصدقية: «وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة» (البقرة 35). «والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون» (البقرة 82). «وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ» (هود 108). «إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا» (النبأ 31-34)، «على الأرائك ينظرون» (المطففين 23)، «ونادى أصحاب الجنة» (الأعراف 44)، «فيها أنهار من ماء غير آسن» (محمد 15)، «ولهم فيها أزواج مطهرة» (البقرة 25) (أي انهن لا يحضن وليست لهن أخلاق سيئة)، «يلبسون من سندس واستبرق» (الدخان 53)، و«سقاهم ربهم شرابا طهورا» (الانسان 21)، «وزوجناهم بحور عين» (الطور 20)، «يدعون فيها بكل فاكهة» (الدخان 55)، «لا يذوقون فيها الموت» (الرحمن 56)، «متكئين على فرش بطائنها من استبرق» (الرحمن 54)، «فيهما فاكهة ونخل ورمان» (الرحمن 68)، «فيهما من كل فاكهة زوجان» (الرحمن 52)، «فيهن قاصرات الطرف» (الرحمن 56) (أي قصور عالية)، «في جنات النعيم» (الصافات 43) (أي جنات كثيرة)، «على سرر موضوعة» (أسرة من الذهب والجواهر)، «أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات» (البقرة 262)، «يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين» (الواقعة 17-18)، «وفاكهة مما يتخيرون» (الواقعة 20)، «وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة» (الواقعة 32)، «ولحم طير مما يشتهون» (الواقعة 21)، و«حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون» (الواقعة 22-23)، «إنا أنشأناهن إنشاء» (الواقعة 35) (من دون ولادة)، «فجعلناهن أبكارا» (الواقعة 36)، «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا» (الكهف 107) (الفردوس أعلى درجات الجنة وأصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل)، «يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب» (غافر 40)، و«أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون» (فصلت 30)، «ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم» (الزخرف 70)، «الجنة ذلك هو الفوز المبين»، «في جنة عالية»، «يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف»، «فقد حرم عليه الجنة»، «لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون» (الحشر 20)، «وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابنِ لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله» (التحريم 11)، «إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين» (القلم 17)، «فإن الجنة هي المأوى»، «وإذا الجنة أُزلفت» (التكوير 81). هذا بعض ما ورد في القرآن الكريم عن الجنة.
أسماء الجنة: للجنة أسماء عدة «باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه». الاسم الأول: «الجنة» وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين، وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن، والجان لاستتاره عن العيون، والمجن لستره ووقايته الوجه، والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه، والجان وهي الحية الصغيرة الرقيقة، ومنه قول الشاعر:
فذقت وجلت وأبكرت وأكملت
فلو جن إنسان من الحسن جنّت
أي لو غُطى وسُتر عن العيون لفعل بها ذلك، ومنه سمي البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه، ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع، والجُنة بالضم ما يستجن به من ترس أو غيره، ومنه قوله تعالى «اتخذوا أيمانهم جُنة»، أي يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم، ومنه الجِنة بالكسر كما قال تعالى «من الجنة والناس» (الناس 6). وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة واحتجوا بقوله تعالى: «وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا» (الصافات 158) قالوا وهذا النسب قولهم الملائكة بنات الله ورجحوا هذا القول بوجهين، أحدهما أن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن (حادي الأرواح، الجزء 1، الصفحة 66)، الاسم الثاني: «دار السلام»، وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله: «لهم دار السلام عند ربهم»، وقوله: «والله يدعو إلى دار السلام» (يونس 25) وهي أحق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه، وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم أهلها، «وتحيتهم فيها سلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم»، والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى: «لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم» (يس 57) (حادي الأرواح، الجزء 1، الصفحة 67). الاسم الثالث: «دار الخلد»، وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى: «عطاء غير مجذوذ»، وقال: «إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ»، وقال: «أكلها دائم وظلها»، وقال: «وما هم منها بمخرجين»، الاسم الرابع: دار «المقامة»، قال تعالى حكاية عن أهلها: «وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب» (فاطر 34-35)، قال مقاتل أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا. الاسم الخامس: «جنة المأوى»، قال تعالى: «عندها جنة المأوى» (النجم 15)، والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به، وقال عطاء عن ابن عباس: هي الجنة التي يأوي إليها جبرئيل والملائكة. وقال مقاتل والكلبي: هي جنة تأو
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/351753.html