العدد: 555 | السبت 13 مارس 2004م الموافق 21 محرم 1425هـ
«ملك الخواتم»... أصبتنا بالملل
قد يكون المخرج بيتر جاكسون ملك جوائز الأوسكار لكنّ ملحمته الشهيرة تركت انطباعا دمّر سحر الأفلام الأخرى. حصد الجزء الثالث من سيد الخواتم )عودة الملك( The Lord of the Rings: The Return of the King 11 جائزة أوسكار وهي جميع الجوائز التي رشح لها، وهو عدد يفوق عدد الجوائز التي حصل عليها كل من فيلمي تايتانيك Titanic وبن هور Ben Hurالشهيرين.
في اليوم التالي لحفل توزيع جوائز الأوسكار، قامت صحيفة «نيويورك تايمز» بنشر صفحة كاملة بالألوان لصور من الريف النيوزيلندي لتشجيع صناع الأفلام على زيارة نيوزيلندا لتصوير أفلامهم في هذه المنطقة بالذات وهو الأمر الذي ربما سيقومون به مع هذا الحشد الهائل من السياح الذين يغزون نيوزيلندا. آمل أنّ تقاوم نيوزيلندا هذه الهجمات السياحية وأن تستطيع المحافظة على نقاء مناظرها الأصيلة كما رآها بيتر جاكسون أو كما ظهرت في ثلاثيته بالاستعانة بأحدث تقنيات الكمبيوتر التصويرية.
لا يمكنني تحديد مشاعري بالضبط تجاه الفيلم لكن هناك الكثير من الأسباب التي ساهمت في إعجابي بثلاثية بيتر جاكسون ليس أقلها كون الفيلم صالحا ومناسبا للمشاهدة من قبل جميع الفئات العمرية (الأجداد، والآباء، والأبناء) ويفي بتوقعاتهم جميعا. إني اهنئ بيتر جاكسون على هذا الاكتساح السينمائي الساحق.
من ناحيتي، فاني لا أشك في عقلية جاكسون الفذة وقدرته على تصوير الملاحم القتالية وتجسيد الجيوش المهيبة والبحيرات الغامضة والقلاع الأسطورية التي يحتار المشاهد بين الاستمتاع بجمالها أو الوقوع في شركها (كونها جنان غناء أو مصائد بشرية). السؤال هنا لا يتعلق عما إذا كان جاكسون قد وُفق في اضفاء الحياة على عالم تولكين (الكاتب الأصلي للرواية الملحمية)، لان تولكين نفسه، وإن كان لديه خيال واسع خصب، لم يكن مهتما بإلاستغراق في جميع تفاصيل الصور، كما اعتمد في كتاباته على أن يكون لدى قرائه حجم الإدراك ذاته للصور.
أما جاكسون فقد كان لديه كل الحق والتبرير الموضوعي لخلق نسخته الخاصة عن الصورة المتكاملة للأماكن والمناطق الأخرى. لكنني أشك في انه التزم الأمانة في نقلها تماما كما جاءت في الرواية، ولم يكن بحاجة إلى ذلك. لقد فصل تولكين في ثلاثيته صور الجيوش والأماكن، أما جاكسون فكان عليه أن يجمع كل تلك الأوصاف ويجسدها ويحولها إلى شخصيات وأماكن مرئية، كما كان من المتوجب عليه التأكد من قدرة كمبيوتراته على ابراز أكثر تفاصيل الصور والحوادث دقة للمشاهد.
ومن بعض ما قيل حديثا عن التقنيات التي أبهرت المشاهدين في ثلاثية جاكسون والتي مازلت غير متأكّد من صحتها بأن جاكسون أراد تصوير أفضل المعارك الحربية التي شهدها تاريخ السينما، لذلك طلب من فريقه كتابة برنامج كمبيوتري دقيق ومتطور يجعل كل محارب بين هذه الجموع الهائلة من الجيوش يتصرف كفرد حقيقي.
عمل أعضاء الفريق ومبرمجو الكمبيوتر كما لم يعملوا أبدا لينتجوا في النهاية عملا رائعا، ففي أولى معارك الفيلم صور لنا الفريق بعض الوحوش في الجيش ممن هربوا وقد كان الرعب باديا على وجوههم بوضوح لدرجة أن المشاهد لا يشك في كون المشهد حقيقيا. على رغم ذلك فاني لا استطيع أن أخفي قلقي وشكي حيال هذا الاكتساح الهائل لـ (جيل الكمبيوتر) الجديد الذي حل محل (التصوير السينمائي أو المشاهد السينمائية الحقيقية) لخلق شخصيات خيالية نابضة بالحياة. هل سيأتي اليوم الذي سنستعيض فيه عن التصوير السينمائي ونعتمد فيه على تقنيات الكمبيوتر لإنتاج الأفلام والقصص السينمائية؟ أو اليوم الذي تصبح فيه المعارك ومشاهد الحبّ مجرد مؤثرات رقمية؟ لقد كان بيتر جاكسون صريحا جدّا في المقابلات فقد صرح انه لا يهتم بمضمون الفيلم بقدر ما يهتم بكيفية إخراجه. يوما ما طبعا قد يصبح هذا الموضوع الأكثر تداولا في الثقافة الإنسانيّة إذ إن موضوعات صنع القرار البشريّ ومسائل الحكم الأخلاقيّ، أو الحبّ ومشاعر الاكتئاب والجنون قد تهمل ولا تنال الاهتمام الكافي.
إن جاكسون يعتبر منتصرا بدخوله رهانا كبيرا لا يحبذ الغالبية دخوله. لقد أراد أن يغطي قصة ملك الخواتم في ثلاثة أفلام ووجد مؤيّدا له وهو هارفي وينستين، الرئيس والمؤسس المشارك لشركة «ميراماكس» وأكثر رجال الأعمال جرأة وذوقا في عالم السينما بغض النظر عن سلوكياته. لكنّ ميراماكس تتبع شركة ديزني، وحجم الاستثمار المطلوب للثّلاثيّة كان ضخما جدا لدرجة أنّ وينستين احتاج لموافقة مجلس ادارة الشركة. لم تكن قصة تولكين ملائمة لنوعية الأفلام التي تنتجها شركة ديزني التي لم تركز في أفلامها على النّزاع بين الخير والشّر بالشكل الذي ظهر في الثلاثية.
لقد رفضت شركة ديزني هذا المشروع فقد أحست بعدم الاطمئنان بعدما رأت نزعة جاكسون لتصوير وإبراز الوجه القبيح للعصور المظلمة، ولاحظت قلة اهتمامه في اختراع الشخصيات المحبوبة أو اللطيفة، وتحت السطح يبدو أن هذا أحد اسباب الخلاف الحاصل حديثا في ديزني والاقتراح بالإطاحة بمايكل إيزنر من منصبه كرئيس للشركة.
لقد اعتبر إيزنر ثلاثيّة تولكين مبالغة جدا لتسويقها من قبل شركة ديزني فهناك اختلاف عميق بين ملحمة جاكسون الدموية ورؤيته الحقيقية والملاحم الوهمية التي تدور في قلاع ديزني لاند، عندئذ دخلت شركة نيو لاين وهي شركة أصغر من ديزني، على الخط مباشرة، وكانت الملاذ الأخير لجاكسون إذ تبنت اخراج مشروعه لكن بالنسبة إلى شركة نيو لاين، لا أحد يستطيع أن يضمن نجاح الفيلم.
لا أشكك في مدى قدرة الشركة على النجاح لكن في يوم عرض الجزء الأوّل من الفيلم،The Fellowship of the Ring ، كان هناك الكثير من النّقاد الذين جاءوا بغرض السّخرية. وعندها تذكرت اليوم الذي حضرت فيه العرض الأول لفيلمTitanic ، كان طاقم الأستوديو على وشك البكاء فقد كانوا متأكدين بأنهم على وشك أن يفقدوا أعمالهم.
لقد نجحت الثّلاثيّة نجاحا باهرا وستكون متوافرة على الأرجح بعروض مغرية في أعياد الميلاد القادمة على أقراص الـ «دي في دي». وهذا يعني أنّ الرواية قد لا تباع أو لا تقرأ ثانية. وستشتهر أغنية الفيلم، لفترة على الأقلّ. ومن غير المستبعد أنه في المستقبل القريب فإن عددا كبيرا من الأفلام ستتأثر بتقنيات الإخراج عن طريق الكمبيوتر التي استخدمها جاكسون وسيظهر جيل جديد من الأفلام تنافس ثلاثية جاكسون. وهذا يعني ان فنّ التّصوير السّينمائيّ الذي يعتمد على تصوير مشاهد حقيقية للوجوه والضوء والأماكن في طريقه إلى الاندثار عاجلا أم آجلا.
وما يثير سخطي حقا هو أن جاكسون لم يكن ليس جذابا وحسب في مقابلاته بل صريحا لدرجة الفظاظة أيضا. اعتقد أنه أعتبر تولكين كأداة يسخرها لمصلحة خياله العملي الواسع. وهذا ما كان يلمح له.
لاحظوا في الجانب الآخر الممثلين والشخصيات. لقد أدى جميعهم أدوارهم باقتدار، ولكن لم يرشح أحد منهم لجوائز الأوسكار عن فيلم «عودة الملك»، ليس حتّى إيان ماكيلين. لقد أدوا عملهم كأي جزء آخر من الفيلم تماما مثل الموسيقى المصاحبة
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/378994.html