العدد: 588 | الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ

اغتيال الشيخ أحمد ياسين بداية الانهيار للكيان الصهيوني

الطريقة التي تم بها اغتيال الشيخ أحمد ياسين أثبتت أن الكيان الصهيوني تحت قيادة شارون بدأ بالعد التنازلي... واستنفد كل ما يملك من إمكانات وأساليب لتركيع الشعب الفلسطيني الذي بقي صامدا على رغم المعاناة التي يقاسيها في ظل الاحتلال وأساليبه الوحشية.

فمنذ أن جاء شارون إلى السلطة كان يحمل الوعود إلى الإسرائيليين بالقضاء على الانتفاضة خلال مئة يوم... وخصوصا ان تاريخه مليء بالاجرام وسفك الدماء، لقد جاء وهو يلوح بالقبضة الحديد معتقدا أن الشعب الفلسطيني شبه الأعزل من السلاح سيخضع ويرفع راية الاستسلام، وبالتالي ستتحقق أهدافه في تهجير الفلسطينيين إلى الأردن أو إلى أي مكان آخر. ولكن مئة يوم استمرت إلى سنوات، وتساقط الشهداء في مجازر بشعة والرئيس الأميركي يلوح بيده مستنكرا (الارهاب الفلسطيني) متجاهلا المجازر الصهيونية بالآلة العسكرية الأميركية التي استعملت خلالها طائرات اف 16 وأباتشي الأميركية، وكذلك تهديم البيوت وتجريف الأراضي والتهجير القسري للفلسطينيين من منازلهم.

وعندما وجد شارون نفسه في مأزق لا يستطيع الخروج منه وخصوصا بعد أن أعلن عزمه الانسحاب من غزة من طرف واحد، أراد أن يغطي على فشله في احتواء الانتفاضة وذلك باختيار هدف سهل كالشيخ أحمد ياسين الذي كان يعاني من عدة أمراض بالإضافة إلى الشلل الذي يمنعه من الحركة فوجه صواريخه عبر الطائرات كي يقنع الإسرائيليين أن انسحابه لا يعني الهزيمة تحت ضربات المقاومة في الأراضي الفلسطينية.

ولم تكن هذه الجريمة هي الأولى من نوعها وان كانت من أبشع الجرائم الصهيونية باعتبارها كانت موجهة ضد رجل مقعد لتثبت للعالم مدى البشاعة التي يتمتع بها هذا النظام وعجزه عن المواجهة في الميدان، إذ لا يستخدم الأعمال الدنيئة إلا الإنسان العاجز الجبان.

ضرب الشيخ أحمد ياسين مع ما يعانيه أروع الأمثلة على الإنسان الذي يصنع المعاجز عندما يكون الإيمان هو محور حركته، فقد شهد منذ أيام صباه بشاعة الجرائم الصهيونية التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني منذ بداية تأسيسه على الأراضي الفلسطينية، إذ شهد النكبة والنكسة للأنظمة العربية وشهد تهجير الفلسطينيين في العام 1948م من قراهم بعد ارتكاب مجازر وحشية بحقهم لإجبارهم على ترك منازلهم بالقوة وكان من أشهر تلك المجازر مجزرة دير ياسين التي ارتكبها مناحيم بيجن وذلك بذبح 254 شخصا من سكان القرية رجالا ونساء وأطفال كي يرهب السكان الفلسطينيين حتى يتخلوا عن منازلهم ويحل محلهم اليهود.

وفي هذا العام بالذات هاجرت أسرة الشهيد إلى غزة مع آلاف الأسر التي طردتها العصابات الصهيونية وكان عمره آنذاك 12 عاما.

خرج الشيخ من النكبة بدرس أثر على حياته الفكرية والسياسية فيما بعد، وذلك بعد أن جردت الجيوش العربية الفلسطينيين من سلاحهم بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصير الفلسطينيين بمصير الجيوش العربية، ومثلت هزيمة الجيوش العربية هزيمة للفلسطينيين بحسب ما يراه الشهيد، لذلك وجد ان اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم عن طريق تسليح الشعب الفلسطيني أجدى من الاعتماد على الغير.

وقد يتساءل المرء عن جدوى عملية الاغتيال في هذا الوقت بالذات، وهل سيستطيع شارون أن يحقق الأمن للإسرائيليين بقوة السلاح؟ وهل الحديث عن عملية السلام والذهاب إلى طاولة المفاوضات ستكون له جدوى في ظل اختلال الموازين بين طرف لا يعرف إلا لغة القوة والسلاح وفرض الأمر الواقع ويستند إلى قوة تسخر كل إمكاناتها العسكرية والإعلامية في خدمته وطرف مجرد من كل صلاحياته وإمكاناته ولا يملك إلا الحديث عن سلام الشجعان؟ وهل يمتلك الفلسطينيون أرضا يفاوضون عليها بعد أن تحول شعار المفاوضات من الأرض مقابل السلام إلى الأمن مقابل السلام؟ وهل ستتوقف الأطماع التوسعية للكيان الصهيوني بعد أن تتوقف عمليات المقاومة؟

لقد أثبتت الوقائع والأيام أن الكيان الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة، وأن أطماعه التوسعية ليست لها حدود ولن يقبل إلا بتشريد الفلسطينيين من أرضهم باعتبار أن فلسطين ارث تاريخي لليهود لا يمكن أن يعيش عليها أحد غيرهم والتصريحات المعلنة للقادة اليهود تثبت ذلك، إذ يقول بن غوريون (إن الوضع في فلسطين لا يمكن إلا أن يسوى إلا بالقوة العسكرية، الحرب حرب، وبالتالي فإن عودة العرب إلى يافا ليست ظلما، وإنما خطيئة كبرى). كما سجل المسئول في الوكالة اليهودية ونائب الصندوق القومي اليهودي يوسيف فاتيس في مذكراته العام 1940م عن ضرورة طرد السكان العرب يقول (بيننا وبين أنفسنا يجب أن يكون واضحا، انه لا يوجد في البلاد مكان لشعبين معا) لذلك ليس مستغربا أن ينشر اليهود الصهاينة خرافة تقول (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) ويأتي تصريح غولدا مائير لصحيفة «صندي تايمز» في العام 1969م ليعطي تأكيد لهذه العبارة إذ تقول (ليس هناك من شعب فلسطيني... وليس الأمر كما اننا لو جئنا لنطردهم من ديارهم والاستيلاء على بلادهم، انهم لا وجود لهم) ويصرح موشي دايان العام 1967م لصحيفة «جيروز اليم بوست» بأنه يجب علينا أن نمتلك الأرض التوراتية، ووجدت كل هذه الذرائع المصبوغة بصبغة دينية توراتية القبول من قبل القوى الاستكبارية فقدمت الدعم اللامحدود لإنشاء دولة الكيان الصهيوني والمحافظة عليها، فمنذ وعد بلفور العام 1917م إلى قرار تقسيم فلسطين العام 1947 المتبنى من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وصولا إلى الولايات المتحدة التي لا تدخر جهدا في دعم بقاء هذا الكيان والتغطية على كل الجرائم التي يقوم بها، وكذلك استخدام حقها في مجلس الأمن في نقض أي قرار يدين الجرائم الصهيونية التي كان آخرها تعطيل صدور قرار الإدانة ضد جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين.

وهنا سؤال يطرح نفسه بعد هذه الجريمة البشعة التي لا يمكن أن يتقبلها أي عقل إنساني... هل يوجد بين الإسرائيليين من يمكن أن يطلق عليهم الحمائم ومن يطلق عليهم الصقور؟ وهل أن عملية السلام تحتاج إلى جرعات حمائم «إسرائيل» الذين يمكن التعامل معهم على أساس قرارات الأمم المتحدة التي تساوي بين الضحية والجلاد؟

إننا لو ألقينا نظرة سريعة على تاريخ الصهاينة لتبين لنا أن من يوهم نفسه بإمكان التعامل مع حمائم في الدولة الصهيونية كما يعيش في سراب أو كما يعبر القرآن الكريم «كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه» (الرعد، 14) فالإرهابي بيغن الذي تسلم السلطة سنة 1976م رئيسا للوزراء كان زعيم منظمة الأرغون الإرهابية السرية قبل نكبة فلسطين وقيام الدولة الصهيونية، أما اسحق شامير الأكثر تطرفا فهو زعيم عصابة شتيرن، واسحق رابين الذي ذهب ضحية ما يسمى بعملية السلام فهو صاحب سياسة تكسير العظام وهو صاحب المقولة الشهيرة (لا شيء مقدس) أي أنه في حال من كل الوعود التي يقيمها مع العرب، وإذا كان شيمون بيريز يعتبر من دعاة السلام فإن مجزرة قانا التي راح ضحيتها 100 شخص رجالا ونساء وأطفالا بالإضافة إلى جرح 100 آخرين تشهد على وحشيته ودمويته.

إذن لم توفر عملية السلام ولا اتفاقات كامب ديفيد ولا أوسلو ومدريد سوى الاعتراف بالكيان الصهيوني ومحاولة ادماجه في الجسد العربي المنهك.

وإذا كان عهد ايهود باراك قد مني بهزيمة مذلة للكيان الصهيوني في جنوب لبنان، فإنه أراد أن يعوض عن تلك الهزيمة برفع نفسية الجنود الصهاينة وذلك بالسماح للارهابي أرييل شارون باقتحام المسجد الأقصى تحت حماية ثلاثة آلاف جندي دنسوا باحة المسجد الأقصى بأقدامهم القذرة الأمر الذي أدى إلى سقوطه بعد اندلاع الانتفاضة ومجيء شارون الذي تعهد بالقضاء على الانتفاضة خلال مئة يوم، إلا أن حماقته ستجر الكيان الصهيوني إلى نهايته الحتمية وهو وعد الله إلى عباده المؤمنين ولن يخلف الله وعده.

السيدهاشم سلمان الموسوي


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/385286.html