العدد: 818 | الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ
على هامش المؤتمر الاقتصادي الخليجي الأول 2010
فلسفة «الهروب إلى الأمام» لمواجهة التحديات المستقبلية
يحسب لجمعية الاقتصاديين البحرينية تنظيم مؤتمر خليجي - دولي، يجسد قيامها بأدوار دور فاعل كمؤسسة لنخبة من الاقتصاديين البحرينيين في تسليط الضوء على التحديات الاقتصادية المهمة التي تواجه دول المنطقة، وتفسح المجال لتجمع نخبة من المختصين والمسئولين لمناقشة هذه القضايا. لذلك فإننا نثمن حقاً المؤتمر الاقتصادي الأول لمجلس التعاون الخليجي 2010 الذي أقيم تحت شعار «من المنافسة إلى التكامل» والذي نظمته الجمعية بالتعاون مع مؤسسة نقد البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين.
وتعبيراً عن هذا التثمين، نتوقف اليوم أمام إحدى الفعاليات التي نظمها المؤتمر وهي الحلقة النقاشية بشأن الخليج في العام 2010 والتي شارك فيها كل من سفير المملكة العربية السعودية لدى مملكة البحرين عبد الله القويز والأمين العام للغرفة التجارية والصناعية بالرياض حسين العذل والرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت فريد الملا وأدارها نائب الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية زكريا هجرس.
لقد تميزت مداخلات المشاركين الثلاثة بالجدية والوضوح في الطرح، ما يستدعي فعلاً التوقف أمامها، ولاسيما تلك التي تناولها عبدالله القويز من واقع خبرة امتدت 14 سنة في مؤسسات العمل الخليجي المشترك، وأبرزت بشكل واضح جانباً أساسياً من التحديات التي تواجهها دول المجلس مستقبلاً.
يسجل القويز في كلمته خلال الحلقة نقده على تباطؤ العمل الاقتصادي الخليجي المشترك، وقال إنه خلال الـ 14 سنة التي قضاها في الأمانة العامة للمجلس لاحظ أن معدل الفترة التي يأخذها إصدار قرار منذ بدء طرحه في لجان المجلس ولغاية صدوره على هيئة قانون وطني نحو 8 سنوات بالنسبة إلى القرارات العادية ونحو 18 سنة للقرارات المهمة مثل الربط الكهرباء الذي بدأ بمناقشته العام 1982 واتخذ قراراً بشأنه العام 2000، في حين سيبدأ العمل به العام 2007، وهذا يعني استغراقه 25 عاماً.
وعزا جانباً من أسباب بطء مسيرة التعاون الاقتصادي الخليجي الى أن غالبية القرارات الاقتصادية الإقليمية لاتزال تتخذ على المستوى الوطني كل على حدة، في حين أن 60 في المئة من قرارات التعاون الأوروبي تتخذ على المستوى الإقليمي.
كذلك من الأسباب المهمة هو أن دول المجلس تنهج أسلوب السعي إلى وضع حلول نظرية لجميع المشكلات التي قد تواجهها عند تطبيق قرارات التعاون، على رغم أن التجربة أظهرت أن غالبية المشكلات التي تنجم عند التطبيق لا تستحق العناء الذي بذل من أجلها او تم تأخير تنفيذ القرارات لأجلها، ومنها على سبيل المثال الوقت الذي استغرق في مناقشة التعويضات عند تنفيذ التعرفة الجمركية الموحدة، إذ تم اكتشاف بعد تنفيذ القرار أن حجم التعويضات ليست ذات أهمية كبيرة، كما أن الدول المتسفيدة من التعويضات قد لا تكون نفسها التي تم تحديدها عند مناقشة القرار.
ومن أجل تجاوز هذا النمط من التعاون، ولأجل مواجهة تحديات المستقبل بصورة أكثر فاعلية وكفاءة، دعا القويز دول التعاون الى اتباع أسلوب «الهروب إلى الأمام» أي المباشرة بتنفيذ قرارات التعاون المهمة، والتعامل بعد ذلك وبشكل مباشر مع أية مشكلة قد تنشأ آنذاك. وأعطى القويز أمثلة عدة على ذلك منها الوحدة النقدية الخليجية، إذ دعا إلى المباشرة بتطبيق الوحدة النقدية واعتماد الدولار مثبتاً مشتركاً في الوقت الراهن، ومن ثم تقييم الوضع عند بدء التنفيذ بهدف دراسة الإبقاء عليه أو تغييره، وغيرها من المعايير المتعلقة بالوحدة النقدية.
كما أشار القويز إلى مجالات التعاون الاقتصادي الأخرى، وأكد أن الجهود المبذولة بشأنها لاتزال ضعيفة، إذ لاتزال أسواق المال والبورصات الخليجية غير موحدة أو مفتوحة أمام الاستثمار الخليجي، كما أن قرار السماح بالمصارف الوطنية الخليجية بالعمل في دول المجلس لم يطبق بعد، إذ لم تتخذ 3 دول خليجية بعد قراراً بالسماح بتطبيق هذا القرار، الا أن القويز استدرك قائلاً إن السبب الرئيسي قد لا يكون تشريعياً، وانما الجدوى الاقتصادية. لذلك طالب بإعادة صوغ القرار المذكور بالسماح للمصارف الوطنية في دول المجلس بحرية تقديم خدماتها المصرفية في جميع دول المجلس تحت إشراف الهيئة الرقابية الوطنية التي سمحت لها بذلك.
أما حسين العذل، فقد ركز على دور القطاع الخاص في مسيرة التنمية الاقتصادية الخليجية، مشيراً إلى أن هذا الدور وعلى رغم فاعليته فإنه لايزال محدوداً، ولا يلعب بعد دوراً رئيسياً في هذه المسيرة، ودعا خصوصاً الأجهزة المعنية إلى إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في رسم وتنفيذ مسيرة التعاون الاقتصادي الخليجي. كذلك ألمح العذل الى أهمية إنشاء نظام ضرائبي على مرافق الخدمات والبنية التحتية لكي يسهل تخصيصها للقطاع الخاص من دون أن تفقد الحكومات المتأتي لها من هذه المرافق.
من جانبه، عزا الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت فريد الملا أسباب ضعف المبادلات التجارية البينية (قدرها بنحو 8 في المئة مقارنة بـ 60 في المئة في دول الاتحاد الأوروبي) الى هيمنة قطاع النفط الحكومي على الاقتصاد. وطالب بأن تتوجه دول المجلس الى تنويع مصادر الدخل من خلال اللجوء إلى أسلوب التخصيص والإنتاج الكبير، كأن تصبح المملكة العربية السعودية المركز الاقتصادي الرئيسي للصناعات الرئيسية، في حين تصبح بقية دول المجلس مزودة أو مستفيدة لمدخلات أو مخرجات هذه الصناعات، وبإمكان بقية دول المجلس الأخرى التخصص في المجالات الأخرى، وهكذا.
وأضاف الملا أن من بين أهم المعوقات التي تواجه مسيرة التعاون الاقتصادي مقارنة بتجربة الاتحاد الأوروبي غياب المؤسسات الإقليمية المتخصصة التي تشرف على وضع وتنفيذ آليات وبرامج التعاون كالبورصة المشتركة والبنك المركزي الموحد والهيئات الموحدة للمواصفات والقضاء والعمل وغيرها، إذ إن الجانب الأعظم من مسيرة التعاون الأوروبي تتولاه هذه المؤسسات بشكل مستقل بعيداً عن التأثيرات السياسية الوطنية، مشيراً إلى أن إنشاء مثل هذه المؤسسات يعني التخلي عن جزء من السيادة الوطنية لصالح العمل المؤسسي الإقليمي، الأمر الذي يحتاج الى قرار سياسي بالدرجة الأولى.
وشدد الملا على أن مشكلة البطالة تعتبر من التحديات الرئيسية التي ستواجه دول المجلس خلال السنوات المقبلة. وفي تعقيبه على هذا الموضوع، أكد القويز اتفاقه على أهمية هذه المشكلة، إلا أنه أوضح صعوبة حلها من خلال فتح أسواق العمل الخليجية، لأن هياكل هذه الأسواق متشابهة جميعها، وهي تعاني من المشكلات والصعوبات نفسها
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/426033.html